التهاب الكبد الفيروسي الوبائي واحد من أخطر الأمراض وأكثرها عدائية وشراسة على الكبد، وعندما يُصاب الكبد بهذا المرض يُصبح لا مفر من تزاحم العديد من الأمراض على باقي أعضاء الجسم دون مقاومةً منه. فالكبد هو العضو الأكبر في جسم الإنسان؛ حيث يتراوح حجمه بين 1,2 : 1,6 كجم ربما لكثرة أدواره، فهو مخزن توليد الطاقة وتصنيع البروتين وإنتاج الفيتامينات والمعادن الهامة للجسم، وفي الوقت نفسه هو سلة المُهملات لسموم الجسم المختلفة، مما يجعل إصابته بالمرض خطيرة ومميتة. فكيف تعرف بأنك تُعاني من التهاب الكبد وما هي أنواعه وأعراضه؟ هذا هو موضوع مقالنا اليوم، فتابعونا.
استكشف هذه المقالة
التهاب الكبد الوبائي
وهو مرض فيروسي مُعدِي وخطير يصيب الكبد البشري ويتميز بسرعة انتشاره في حال توفرت الظروف المواتية لذلك، ولهذا تم وصفه بالمرض الوبائي؛ إذ أن سرعة انتشاره تفوق سرعة انتشار فيروس الإيدز المُميت وخاصةً في المجتمعات النامية والبلدان الفقيرة التي تفتقر إلى سُبل الرعاية الصحية والاهتمام بحملات الوقاية من الأمراض المُعدِية وتوفير الأمصال المُضادة. ويظهر التهاب الكبد الوبائي في صورة خمسة فيروسات مختلفة مُسبّبة للإصابة به هي:
فيروس الالتهاب الكبدي الوبائي A أو “HAV”
وهو الفيروس الكبدي الأكثر ارتباطًا بالتلوث الغذائي من خلال تناول طعام أعده شخص مُصاب بالفيروس بيدين ملوثتين بآثار من مخلفاته، على سبيل المثال: تناول الطعام ويديك ملوثة بمخلفات مريض كما هو الحال في مؤسسات الرعاية الصحية، شرب مياه الصرف الصحي أو مياه ملوثة بها، وكذلك من خلال الاتصال المباشر مع المريض.
فيروس التهاب الكبد الوبائي B أو “HBV”
وهو الفيروس الكبدي الأكثر ارتباطًا بالاختلاط بسوائل المريض كما هو الحال بين الأم وطفلها لحظة الولادة، ملامسة أو الحقن بحقن ملوثة بدماء حاملة للفيروس.
فيروس الالتهاب الكبدي الوبائي C أو “HCV”
وهو الفيروس الكبدي الأكثر ارتباطًا بانتقال الدم الملوث بين المريض والمُصاب المحتمل به من خلال عمليات نقل الدم الملوث بالفيروس دون فحصه المسبق، أو استخدام حقن ملوثة أثناء عمليات التبرع بالدم أو تعاطي المخدرات بالحقن باستخدام حقن ملوثة تحمل الفيروس.
فيروس التهاب الكبد الوبائي D أو “HDV”
وهو فيروس كبدي طُفيلي ترتبط حياته بوجود فيروس B بشكل فعلي لدى المريض مما يجعل أعراض الفيروس الأساسي تزداد سوء.
فيروس الالتهاب الكبدي الوبائي E أو “HEV”
ويُشبه فيروس A في مسببات العدوى.
فيروس التهاب الكبد الوبائي G أو “HGV”
وهو فيروس حديث نسبيًا يشبه فيروس C من الناحية التشريحية.
التهاب الكبد الفيروسي
وكما سبق وأوضحنا فإن التهابات الكبد عادةً ما تنتج عن عدوى فيروسية يختلف سبب الإصابة بها حسب نوع الفيروس المُسبّب لها، ولعل من أشهرها ما يمكن أن نطلق عليه الثالوث الالتهابي الكبدي وهم فيروسات A,B,C، أما الفيروسات القليلة الأخرى فهي إما طُفيلية على أحدهم أو تتشابه معه في أسباب الإصابة والتشريح. وبالإضافة إلى العدوى الفيروسية توجد أسباب أخرى قد تتسبب في التهاب الكبد وتدهور حالته وتصل به إلى حد التليف والتشمُّع ثم الفشل الكبدي فالغيبوبة فالوفاة، مثلها مثل الفيروسات السابق الإشارة إليها. ولعل من ضمن هذه الأسباب استهداف المناعة الذاتية للكبد “خلل مناعي يجعل جهاز المناعة يُحارب أعضاء الجسم بدلًا من الأمراض المُهدّدة لها”، وفي هذه الحالة فهو يُهاجم الكبد”، مُضاعفات الإصابة بديدان البلهارسيا، التعرض لإصابة أو صدمة قوية ناحية الكبد. التسمم الدوائي نتيجة الإسراف في تناول الأدوية التي يتم صرفها عن طريق الكبد، إدمان الكحول كأقصر الطرق للحصول على كبد مهترئ.
أعراض الإصابة بفيروسات التهاب الكبد
عادةً لا تظهر أعراض للإصابة بأحد فيروسات التهاب الكبد، وإن ظهرت فهي تُشبه أعراض نزلات البرد والإنفلونزا والحصبة كثيرًا، مما يجعل المرضى يتهاونون في إجراء الفحوصات اللازمة للاطمئنان والتأكد فور ظهور الأعراض عليهم. وقد يجعل الأطباء ذاتهم يُخطئون في تفسير شكوى المريض في حال تأخر ظهور الأعراض المُميزة لالتهاب الكبد الفيروسي بأشكاله المختلفة. وفي حال ظهرت أعراض عدوى التهاب الكبد الفيروسي لدى المريض فستكون حمى وتعب وخمول شديدين، غثيان وقيء وإسهال وتراجع الشهية للطعام، شحوب واصفرار لون الجلد والبشرة وبياض العينين “اليرقان”، لون بول داكن وبراز يميل للون الرمادي، آلام مفصلية ومِعَدية، طفح جلدي يُصاحبه حكة مع عدم شكوى المريض من أي أمراض جلدية تُسبّب ذلك. وتظهر هذه الأعراض عادةً بعد فترة حضانة الكبد للمرض التي قد تمتد من أسبوعين وحتى ستة أشهر حسب نوع الفيروس المُسبّب للعدوى.
سبل تشخيص التهاب الكبد الفيروسي
على الرغم من تشابه الأعراض مع أمراض أخرى تُصيب في الأصل الجهاز التنفسي، إلا أنه في حال ظهور الأعراض المٌميّزة لفيروسات التهاب الكبد وشك الطبيب في أن مريضه حامل للعدوى بإحداها، فإن أمامه أربع طرق حاسمة لقطع شكه باليقين هي الفحص السريري لبطن المريض وهل يُعاني من ألمٍ ما بالبطن في اتجاه الكبد، أو صفار في الجلد أو بياض عينيه، فحص لعينة من الدم لقياس مدى أداء الكبد لوظائفه الحيوية. وفي حال ملاحظة أي نتائج أو معدلات غير طبيعية تُنذر بوجود أحد أشكال التهاب الكبد يتم توجيه المريض لإجراء فحوصات الكشف عن الفيروسات الكبدية من خلال الكشف عن مدى وجود الأجسام المناعية المُضادة التي تُحدد نوع الفيروس. فحص سونار “بالموجات فوق الصوتية” للكشف عن وجود أي شبهة لتليف أو تضخم أو أورام كبدية حميدة أو سرطانية، وأخيرًا سحب عينة من الكبد “خزعة” في حال التأكد من وجود التهاب أو فيروس كبدي لقياس مدى تأثيره على وضع ووظائف الكبد.
مُضاعفات التهاب الكبد الفيروسي
يُساعد الكشف المُبكر عن فيروسات التهاب الكبد وتوفر العلاج وتلقيّه في الحد من تدهور الحالة وظهور المضاعفات خاصةً في الأشكال المُزمنة منه، ويمكن حصر مضاعفات التهاب الكبد الفيروسي في: تضخم الكبد وتليفه، أورام الكبد الحميدة أو الخبيثة في شكل سرطان الكبد، فشل الكبد في القيام بوظائفه الحيوية مما يؤدي لحدوث غيبوبة كبدية قصيرة على فترات متفاوتة أو ممتدة، الوفاة. ويمكن تقسيم أسباب وسُبل علاج وحجم انتشار فيروسات التهاب الكبد الأشهر والأكثر انتشارًا حول العالم إلى:
التهاب الكبد a
وهو أخف أشكال التهاب الكبد الفيروسي؛ إذ عادةً ما يُشفى المريض منه خلال بضعة أسابيع وحتى عدة أشهر دون الحاجة إلى علاج دوائي أو البقاء في المستشفى طالما لم تصل مضاعفات الحالة للفشل الكبدي الحاد. فقط تجنب الأشياء التي من شأنها أن تُفاقم الأعراض، كتناول أدوية يتم التخلص من بقاياها عبر الكبد كالأدوية التي تحتوي على الباراسيتامول أو الأسيتامينوفين ضمن مادتها الفعالة، الاهتمام بمنح المريض التغذية والسوائل اللازمة منعًا لحالة الجفاف التي قد تصيبه نتيجة لعوارض القيء والإسهال الملازمة للمرض، الحصول على قدر كافي من الراحة.
وتتمتع حالات الإصابة السابقة بالفيروس ومُتلقي جرعتي المصل المضاد له بدءًا من سن العام بوقاية ومناعة ضده تصل لخمس إلى ثماني سنوات قبل الحاجة لتلقي المصل مرة أخرى، وعلى الرغم من عدم خطورة فيروس A كغيره من فيروسات الكبد إلا أن بعض الحالات تكون تأثيراته عليها قاتلة وخاصةً بين فئة المسنين. ويُعد فيروس التهاب الكبد الفيروسي أو الوبائي A من أنواع الالتهابات الكبدية الأكثر انتشارًا بين الرضع وحديثي الولادة في الدول النامية دون ظهور أعراض واضحة مُقارنةً بالأطفال الأكبر والبالغين، بسبب نقص إمدادات الرعاية الصحية من أمصال وغيره، والغذائية من طعام ومياه يتمتعان بالقدر الكافي من النظافة.
كما يُعد أفراد الأسرة الواحدة في حال كانت الأم أو الخادمة تحمل عدوى فيروس A وتُعد الطعام بيدين غير نظيفتين من الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالمرض، وكذلك يُعد مُتعاطيي المخدرات أو زوج وزوجة يحمل أحدهما العدوى بالمرض والمُسافرين لأماكن موبوءة ينتشر فيها الفيروس من الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة.
التهاب الكبد b
وهو من فيروسات التهاب الكبد الخطيرة التي يُمكن تحولها إلى التهاب كبدي مُزمن في حال استمر وجود الأجسام المناعية المضادة للفيروس في دم المريض لمدة ستة أشهر فأكثر. وحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية فإن حجم المُصابين بالتهاب الكبد المزمن B يصل إلى 240 مليون شخص حول العالم، بالإضافة إلى 686 مليون شخص يفقدون حياتهم بسبب إصابتهم بأحد مضاعفات المرض كالتليف أو سرطان الكبد.
ويُعد المواليد ذوي الأم المُصابة بالفيروس منذ لحظة الولادة وحتى سن الخامسة من الأشخاص الأكثر عرضة للمرض، نتيجة لاختلاط سوائل الولادة بجسد الطفل أو اختلاف المواقف التي تختلط فيها سوائل الأم باستثناء حليب الرضاعة بالطفل، أو بين الأخوة خلال سنوات حياته الأولى. ويعد أيضًا مُتعاطيي المخدرات بالحقن، الخاضعين لرسم وشم أو نقل أو تبرع بالدم بأدوات غير مضمونة النظافة، العاملين في مجال التحاليل الطبية والمجال الصحي عامةً، مرضى الفشل الكلوي، من الأشخاص الأكثر عرضة لخطر الإصابة بفيروس التهاب الكبد B.
لا يوجد علاج قاطع شافي من فيروس B باستثناء حصول المريض على الراحة الكافية، منح السوائل لمنع احتمالات الجفاف بسبب الإسهال والقيء ضمن أعراض المرض، عدم تناول الكحوليات أو الأدوية التي يتم التخلص من بقاياها عبر الكبد، ويمكن منح بعض الأقراص الدوائية المضادة للفيروسات للحد من تطور الفيروس إلى حد الإصابة بالتليف أو السرطان مع الحفاظ على حياة المريض قدر الإمكان. ويُمكنك وقاية نفسك من الإصابة بفيروس الالتهاب الكبدي B من خلال تلقي المصل المضاد له على جرعتين إلى ثلاث جرعات خاصة قبل تخطيطك للسفر إلى أحد البقاع غير الآمنة من حيث الوضع الصحي، ويُفضّل منح الجرعة الأولى من المصل للوليد خلال 24 ساعة من ولادته، ثم استكمال الجرعات الباقية حسب مواعيدها المُحدّدة.
التهاب الكبد c
أحد أشكال التهابات الكبد الفيروسية الخطيرة التي تتحول لمزمنة لدى نحو 150 مليون شخص حول العالم “85% من المصابين كحد أقصى”، بالإضافة إلى 700 ألف حالة فقدت حياتها نتيجة مضاعفات المرض كالتليف أو السرطان خلال عشرين عامًا من الإصابة بنسبة تصل إلى 30%. بينما تشفى 45 % من الحالات تقريبًا خلال ستة أشهر من الإصابة دون ظهور أعراض بنسبة تصل إلى 80%، ويُعد مُتعاطيي المخدرات بالحقن ومرضى الفشل الكلوي ومن خضعوا لعمليات نقل أو تبرع بالدم أو استخدام أدوات ملوثة بدم حامل للمرض من الفئات الأكثر عرضة للإصابة، بينما تقل احتمالات الإصابة بين الأزواج والأم ووليدها.
ولحسن الحظ لا يُعد فيروس C على غير المتوقع مُهددًا للحياة مثل B، إذ يمكن الشفاء القاطع منه في مراحله الأولى خلال 12- 48 أسبوع من خلال الحقن أو أقراص مضادات الفيروسات، وعلى العكس من B أيضًا ليس هناك مصل مضاد لفيروس C.
وختامًا عزيزي القارئ، فكما رأيت معنا فإن التهاب الكبد له أسباب وأشكال عدة تتراوح درجة خطورتها ما بين الخفيفة للشديدة، ولكن أليست الوقاية هي الأفضل لك من أي علاج؟
ملحوظة: هذا المقال يحتوي على نصائح طبية، برغم من أن هذه النصائح كتبت بواسطة أخصائيين وهي آمنة ولا ضرر من استخدامها بالنسبة لمعظم الأشخاص العاديين، إلا أنها لا تعتبر بديلاً عن نصائح طبيبك الشخصي. استخدمها على مسئوليتك الخاصة.
أضف تعليق