التفكير المعرفي من أنواع التفكير التي نحتاج إليها في حياتنا باستمرار، لأنه يعلمنا العديد من الأشياء، أهمها ألا نأخذ بمنظورنا الشخصي حول الأشياء، وأن نحاول دائمًا أن نفهم طبيعة الشيء كما هو موجود بالفعل. بواسطة التفكير المعرفي يمكننا التعرف على العديد من الحقائق الموجودة حولنا، وأن نتخلص من ظاهرة الافتراضات الداخلية غير المدعومة بالحقائق، وذلك عبر المهارات التي نتعلمها من خلال التفكير المعرفي والمراحل التي نمر بها. في هذا المقال نحاول التعرف أكثر على التفكير المعرفي وكيف يمكننا استخدامه في حياتنا، وكذلك نتحدث كيف حدث لهذا النوع من التفكير العديد من التطورات، حتى خرج لنا العلماء في النهاية بما يعرف بالتفكير فوق المعرفي، لنبدأ سويًا رحلتنا في هذا المقال.
تعلم أهم مفاتيح التفكير المعرفي
مراحل التفكير المعرفي
يمكننا أن نعرف التفكير المعرفي على أنه محاولة للوصول إلى الحقيقة في موضوع محدد، وهو يمر غالبًا بالعديد من المراحل، كما ذكرنا في المقدمة فإن هذه المراحل تكون بعيدة تمامًا عن الافتراضات التي يضعها الإنسان دون وجود حقائق أو أدلة عليها، بل يجب عليه أن يتعامل معها وفق ما هي عليه حقًا في الواقع.
وحتى يكون الإنسان قادرًا على تطبيق كل هذه المراحل، فإن كل مرحلة تتطلب وجود مجموعة من المهارات، أثناء الحديث عن كل مرحلة سوف نتطرق إلى المهارات المطلوبة لها، وكيف يمكن اكتسابها حتى يتم تطبيقها داخل مراحل التفكير المعرفي بكل سهولة.
كذلك يجب أن يُراعي الإنسان أن تمم هذه المراحل بدقة وبشكل متعاقب، وذلك لأن كل مرحلة ترتبط بالمرحلة السابقة، وتؤثر في المرحلة التالية. وبالتالي حدوث أي خطأ سوف يؤثر على العملية بأكملها.
جمع المعلومات
عندما ندرك وجود مشكلة معينة مثلًا، أو نقرر البحث عن الحقيقة في مسألة ما، فإن أول شيء يجب علينا فعله أن نتساءل حول المعلومات الموجودة لدينا. غالبًا قد نجد أن ما لدينا هي مجموعة من الافتراضات التي تحتاج إلى تأكيد، وبالتالي فإن هذا الأمر لا يمكن الاعتماد عليه، ومن ثم علينا أن نبدأ في جمع المعلومات بطريقة منظمة، ولذلك فإن المرحلة الأولى من مراحل التفكير المعرفي هي جمع المعلومات.
يعتمد الإنسان بشكل أساسي على الملاحظة في عملية جمع المعلومات، والملاحظة تحدث من خلال استخدام الإنسان للحواس الموجودة لديه، فهي بمثابة المصدر الصحيح للملاحظة، ويجب أن يتأكد الإنسان في هذه الحالة أن الحاسة التي يستخدمها تعمل بكفاءة وانتباه. مثلًا قد نستخدم حاسة السمع في جمع المعلومات، لكننا لا نسمع بانتباه، وبالتالي فإن المعلومة قد تصل منقوصة أو مشوشة لنا.
كذلك يمكن للإنسان أن يعتمد على وسيلة أخرى تساعده في جمع المعلومات، وهي طرح الأسئلة على ذاته أو على الأشخاص من حوله، ويبدأ في جمع الإجابات ويأخذ منها المعلومات التي تناسبه. كما ذكرنا أننا نبتعد في التفكير المعرفي عن الافتراضات، وكذلك نحاول قدر الإمكان أن نبتعد عن الآراء الشخصية، ولذلك علينا أن نحدد إن كان الكلام الذي يُطرح علينا هي آراء شخصية أم حقائق؟ فالحقيقة بالنسبة لنا في هذه النقطة هي الشيء المثبت علميًا، أو يمكن الاستدلال على وجوده من خلال دليل قوي، أما الآراء فهي وجهات نظر من الأشخاص، وبالتالي لا نعتبرها أدلة يمكن الاعتماد عليها. حتى تكتسب هذه المهارات، عليك أن تتعلم استخدام الحواس الموجودة لديك بالشكل الصحيح، وكذلك تبدأ في تمييز ما يحدث حولك، أو ما يُقال إن كان حقائق فعلًا، أو هي مجموعة من الآراء.
تنسيق المعلومات
المرحلة الثانية من التفكير المعرفي هي مرحلة تنسيق المعلومات. فنحن أثناء جمع المعلومات لا نركز على أي شيء سوى التجميع. وبالتالي فإن وجود هذه المعلومات بشكل غير منظم، قد لا يساعدنا في الخروج بنتيجة، وهنا تظهر أهمية مرحلة تنسيق المعلومات. في البداية يجب علينا أن نتأكد من قدرتنا على حفظ المعلومات الموجودة لدينا، فليس شرطًا أن نبدأ في التنسيق بشكل مباشر بعد الجمع. ولذلك يفضل أن نعتمد على وسيلة مضمونة لحفظ المعلومات، وهي في رأيي أن يتم تدوين هذه المعلومات، حتى نتجنب أن يحدث أي خلط بها. لكن لا يعني ذلك أن الاكتفاء بحفظ المعلومات في الذاكرة أمر خاطيء في المطلق في عملية التفكير المعرفي بل يعتمد على قدرات الشخص، ورؤيته حول إمكانياته الشخصية لتذكر هذه المعلومات بالشكل الصحيح.
بعد أن ننتهي من عملية التدوين، يمكننا أن نبدأ في اختيار الشكل الأمثل لتنسيق المعلومات، فهناك من يقوم بتنسيق المعلومات طبقًا لقاعدة معينة يحددها لنفسه، كتوقيت جمعها، أو وجود عوامل متشابهة بينها مثلًا. وهناك من يقوم بترك المعلومات دون ترتيب، لكن يحرص على التنسيق بينها بتوضيح جوانب التشابه، أو جوانب الاختلاف، بشكل يسمح له فيما بعد بإتمام عملية الربط بين هذه المعلومات، ويسهل على ذاته أن يخرج بنتائج منطقية في النهاية.
الخروج بنتائج من المعلومات
المرحلة التالية من التفكير المعرفي هي محاولة الخروج بنتائج من المعلومات التي تم جمعها وتنسيقها. وهنا الأمر يعتمد على قدراتنا في تحليل المعلومات الموجودة، ومن ثم الخروج باستنتاجات محددة بناءً على التحليل. تحليل المعلومات يبدأ أثناء عملية التنسيق، وفي مرحلة الاستنتاج تزداد عملية التحليل. يجب أن نضع في الأذهان أثناء وضع الاستنتاجات أنه قد تكون هناك معلومات غير متوفرة بالنسبة لنا، فليس معنى أننا نريد وضع استنتاج معين أن نضع معلومات أو افتراضات من أجل اكتمال الصورة لدينا، بل نحدد جوانب النقص في الاستنتاج، وبعد ذلك نبدأ في البحث عنها من جديد.
حتى يحدث التفكير المعرفي بالشكل الصحيح، يجب أن تكون لدينا القدرة على إتمام الربط بين كل العناصر التي استخدمناها، وكذلك القدرة على أخذ القرارات بناءً على النتائج المستخلصة من المراحل السابقة. فما فائدة المعلومات لو بقيت دون استخدام؟ أو بعد أن نجمعها، لا نستخدمها في أي شيء آخر! والصواب أن نبدأ في تحديد المجالات المناسبة من أجل استخدام هذه المعلومات في حياتنا.
مراجعة وتقويم المعلومات
المرحلة الأخيرة التي سوف نتحدث عنها فيما يخص التفكير المعرفي هي مرحلة المراجعة وتقويم المعلومات. وذلك الأمر يختلف عن الجزئية التي تحدثنا عنها حول الخروج باستنتاج محدد. حيث أنه في هذه المرحلة نبدأ في مراجعة مصادرنا حول المعلومات التي اعتمدنا عليها، وهل كانت كافية أو لا، وكيف ساهمت هذه المعلومات في تغيير التفكير بدرجة معينة مثلًا. كذلك نبدأ في تقويم المعلومات، حتى نتأكد من أننا كنا نسير على الطريق الصحيح في عملية التفكير المعرفي من حيث الالتزام بترك الافتراضات، ونبدأ في معرفة إن كانت هناك أي افتراضات أو معلومات بدون أدلة أو مصادر، لأن هذا سوف يساعدنا في البحث عن المصادر المناسبة، بدلًا من قبول الموجود دون أي تعديلات.
على الرغم من أن هذه الأشياء يمكننا القيام بها أثناء مراحلها الأساسية، كأن نراجع الافتراضات في أثناء مرحلة جمع المعلومات، لكن قد لا نتمكن من فعل ذلك بالجودة الكافية، أو أن نقوم بتغطية كل الجوانب في الموضوع، وذلك لأن التركيز الأساسي يكون منصب على جمع المعلومات في المقام الأول. لذلك فإن مرحلة المراجعة تساعدنا في ذلك، وتعتبر خير ختام لعملية التفكير المعرفي حيث أنها تغطي أي نقص حادث لدينا في جميع المراحل، حتى نتأكد من الاستنتاج الذي خرجنا به يمكن تطبيقه في حياتنا.
مهارات التفكير المعرفي
كما تحدثنا في الفقرات الماضية فإن التفكير المعرفي له مجموعة من المهارات، وليس من الضروري أن نكتسب هذه المعلومات من المرة الأولى، بل إن الأمر سوف يتطور تدريجيًا مع الوقت. فعلى سبيل المثال، كلما كانت الملاحظة قوية بالنسبة لنا، كلما كانت إمكانية جمع المعلومات أكبر، وهذا ما نتحدث عنه في مسألة التطوير. وأبرز المهارات التي يمكننا أن نحتاج إليها في التفكير المعرفي كالتالي: مهارات الملاحظة وطرح الأسئلة، قدرات التنظيم والتنسيق، القدرة على التحليل، مهارات الربط بين المعلومات، القدرة على اتّخاذ القرارات المناسبة، القدرة على التقييم والمراجعة.
لذلك علينا أن نحدد أي المهارات نجيدها بالتحديد، وأي المهارات التي ما زالت تنقصنا، ونبدأ في إيجاد الوسيلة المناسبة من أجل إتقان هذه المهارات. ولعل من التطورات التي حدثت على التفكير المعرفي هي أن العلماء وصلوا إلى نوع جديد من التفكير، وعرّفوه باسم التفكير فوق المعرفي، وهذا ما سنتحدث عنه في الفقرة التالية.
التفكير فوق المعرفي
ظهر التفكير فوق المعرفي ليضيف إلى التفكير المعرفي المزيد من المهارات أو الجوانب، بحيث يصبح أكثر فاعلية، ويقدم لنا فائدة أكبر في التفكير. حيث أنه في التفكير فوق المعرفي يظهر تركيزنا على جوانب أكثر، من بينها مثلًا أن يكثّف كل منا عملية التفكير، ويحاول رؤية الأمور من منظور آخر، بدلًا من المنظور التقليدي في التفكير.
يسعى التفكير المعرفي إلى التركيز على الجانب الشخصي من المتعلم، وليس فقط الجانب الخاص بالمسألة التي نقوم ببحثها، فنحاول دائمًا أن نفهم ذاتنا ونربط المعلومات والأحداث بشخصنا، بحيث نرى انعكاسها علينا في النهاية.
قد يرى البعض أنه كان من الممكن الربط بين التفكير المعرفي والتفكير فوق المعرفي في جزء واحد، بدلًا من ظهور مصطلح جديد. لكن في الغالب يمكننا أن نرى أن التفكير المعرفي يختص أكثر بالحياة العملية، في حين أن التفكير فوق المعرفي يمكن استخدامه كتقنية من تقنيات التعليم. حيث أنه في هذا النوع فإننا سوف نركز على تحقيق أكبر استفادة ممكنة من المعلومات على سبيل المثال، في مختلف جوانب الحياة. سوف نسعى إلى بحث ما وراء المعرفة، بأن نرى الأمور من المنظور الأكبر تمامًا. لهذا يُستخدم التفكير فوق المعرفي في مواقف افتراضية أثناء التعليم، مع المحافظة على استخدام التفكير المعرفي بمراحله دون مشكلة.
كذلك من المميزات الموجودة في التفكير فوق المعرفي، أنه يساعدنا في التحول إلى أن يصبح كل منا متعلمًا نشطًا، أكثر من كوننا متقبلين للمعلومة. مما يساعدنا على فهم المعلومات بصور مختلفة، كذلك تزداد قدراتنا على التنبؤ. وبالتالي يصبح سلوكنا إيجابيًا في التعلم، ونبدأ في استخدام هذا النوع في حياتنا مع كل مجالات التعلم التي نخوضها. التفكير المعرفي ومعه التفكير فوق المعرفي من أنواع التفكير التي تساعدنا على فهم الأمور بشكل أوضح من حولنا، كذلك الابتعاد عن وجهات النظر الشخصية والافتراضات، والتعامل مع الأمور من منطق البحث عن الحقيقة المجردة من أي شوائب يمكن أن تجعلها خاطئة. ولذلك فإننا نحتاج إلى استخدام التفكير المعرفي في حياتنا طوال الوقت، ونحتاج إلى تعلمه، حتى إن كنا لا نرى أننا نتقنه في الوقت الحالي، لكن تعلمه ضرورة لا بد منها، ولذلك يمكننا أن نبدأ سويًا من هذا المقال.
أضف تعليق