التفكير الجماعي من أنماط التفكير التي نحتاج إليها في حياتنا، خاصةً في تأدية بعض المهام الهامة المطلوبة لصالح العمل، والتي تعتمد على ضرورة أن يشارك الجميع في اتّخاذ القرارات الخاصة بها. كذلك فإن هذا النمط يعتبر المفضل لبعض الأفراد، حيث أنهم يميلون إلى التفكير الجماعي عن التفكير بمفردهم، ويرون أن وجودهم مع مجموعة هو الخيار الأفضل من أجل النجاح في تنفيذ المطلوب. على الرغم من ذلك، فإن التفكير الجماعي له بعض السلبيات التي قد تؤدي إلى حدوث مشكلة كبيرة لاحقًا، لذلك يجب علينا أن نضعها بعين الاعتبار، وأن نفكر في إيجاد حلول قوية لها، بحيث تصبح عملية التفكير في وسط مجموعة قابلة للحدوث بسهولة وبأفضل شكل ممكن.
كيف تفكر بكفأة عالية وسط مجموعة من الأشخاص؟
تعريف التفكير الجماعي
علينا في البداية أن نضع تعريفًا محددًا لوصف التفكير الجماعي الذي نحن بصدد الحديث عنه، لأنه سيساعدنا في تحديد إيجابيات وسلبيات الموضوع بسهولة.
التفكير الجماعي هو نمط من التفكير يعتمد بشكل أساسي على مشاركة الجميع في اتّخاذ القرارات المطلوبة لصالح العمل، من خلال الاعتماد على تقنيات مختلفة لتحقيق ذلك، تأتي على قائمة هذه التقنيات العصف الذهني والنقاش.
يعتمد التفكير الجماعي على ضرورة مشاركة الجميع بطرح الآراء، من أجل محاولة الوصول إلى اتّفاق وتوحيد بين الآراء على شيء معين لتنفيذه.
مثلًا قرار صاحب العمل بأنه يريد تنفيذ فكرة جديدة، في هذه الحالة فإنه يلجأ إلى النقاش مع الأفراد الذين يعملون معه للوصول إلى التصور المثالي لهذه الفكرة، وآليات تنفيذها بأفضل شكل ممكن.
مع الحرص أثناء التفكير الجماعي على ألا يحدث هناك أي نوع من الصراع أو الجدال بين الأفراد، لأن هذا يجعل عملية الوصول إلى الهدف المطلوب صعبة جدًا، وهذا الأمر يصنع واحدة من سلبيات التفكير الجماعي وهي تجنب أصحاب الأفكار المعارضة طرح أفكارهم، حتى لو كان عدد هؤلاء الأفراد كبير.
إيجابيات التفكير الجماعي
بالطبع التفكير الجماعي له العديد من الإيجابيات التي نحتاج إليها، والتي تجعل من استخدامه في العمل ضرورة لا بد منها.
من أبرز هذه الإيجابيات هي أن التفكير الجماعي يضمن لنا توفير عدد كبير جدًا من الأفكار، مما يعطينا مساحة واسعة من التنفيذ.
فالشخص عندما يفكر بمفرده لن ينجح في إخراج كم من الأفكار مقارنةً بما يمكن للمجموعة أن تفعله، والأهم من ذلك هو التنوع في هذه الأفكار.
فالشخص الواحد قد تكون لديه أفكار متعددة، لكن بطريقة تفكيره فقط، أما في حالة التفكير الجماعي فإنه يوجد لدينا عدد كبير من الأشخاص بطرق مختلفة في التفكير.
أيضًا من الإيجابيات في التفكير الجماعي أنه يساعد في تعزيز روح الفريق، فمن أبرز المشاكل التي يعاني منها العديد من الأفراد هي أنهم يشعرون بأنهم ينفذون المطلوب منهم فقط، لكنهم لا يشاركون في صناعة القرار.
أما في حالة تم أخذ القرار على مستوى جماعي وبحضور أفراد الفريق، فإنهم في هذه الحالة يصبحون جزءًا من القرار، وتزداد الروح الموجودة داخلهم ناحية الفريق.
يترتب على النقطتين الماضيتين من إيجابيات التفكير الجماعي هي أننا نصل إلى وجود كفاءة عالية في التنفيذ للفكرة التي يتم اختيارها، لأن الفكرة تم اختيارها وسط مجموعة كبيرة من الأفراد مما يعني اختلاف في التفكير، وأيضًا الأفراد لديهم روح كبيرة، وبالتالي فإنه يمكن لنا أن نضمن الكفاءة في تنفيذ الفكرة.
لكن على الرغم من إيجابيات التفكير الجماعي التي ذكرناها، فإنه للأسف لا يحدث هذا الأمر طوال الوقت، وذلك بسبب بعض النقاط التي سوف نذكرها في الفقرة التالية. وبعد ذلك سوف نذكر كيفية التغلب على هذه النقاط، وما هي التقنيات التي تساعدنا على التفكير في وسط مجموعة بسهولة.
سلبيات التفكير الجماعي
من أبرز السلبيات في التفكير الجماعي هي أن المعترض على الفكرة قد لا يميل إلى طرح اعتراضه على الجميع، لا سيما عندما يشعر بأن هناك اتّفاق بين الحضور على الفكرة، وبالتالي لا يرغب في أن يكون هو الوحيد المعترض، مما يجعل وجوده مرفوض بين الفريق.
وما يحدث بعد ذلك هو أن هذا الشخص يكتشف أنه لم يكن وحده المعترض، بل هناك العديد من الأشخاص الذين شعروا بأنهم مثلهم لكنهم لم يتكلموا خشية نفس الأسباب.
أنا شخصيًا مررت بهذه النقطة من قبل، عندما كان هناك اجتماع يعتمد على التفكير الجماعي بين الحضور، وكنت قد تغيبت لفترة من الوقت، عندما رجعت ووجدت المجموعة اتّخذت قرارًا معينًا، بعد نهاية الاجتماع بدأت في سؤال الأفراد عمّن اتّخذ القرار، وإن كان هو متفق معه أو لا، لأجد أن نسبة تتخطى الثمانين في المئة معترضة، لكنهم جميعًا التزموا الصمت وأعلنوا موافقة ظاهرية، حتى لا يدخلوا في جدال مع أحد.
يعتبر هذا الأمر من أكبر سلبيات التفكير الجماعي والتي تتكرر كثيرًا، باختلاف السبب الذي يدفع الشخص إلى ذلك، فالأمر لا يعتمد دائمًا على أن الشخص يصمت خوفًا من الآخرين.
لكنه قد يحدث بسبب أن الشخص المسئول عن التفكير الجماعي يدفع الآخرين إلى رأيه، أو أن ما يحدث في النقاش يمنع الشخص من طرح رأيه بشكل سليم.
كيف يمكن التغلب على سلبيات التفكير الجماعي بأفضل شكل ممكن؟
كما رأينا من السلبيات أنه لا يمكننا أن نضمن بأن التفكير الجماعي يُخرج لنا أفضل النتائج طوال الوقت، وبالتالي فلا يمكننا أن نثق في النتائج التي نحصل عليها من الأمر، إلا بالعمل على التغلب على هذه السلبيات، وبصورة عملية وقوية جدًا، وتعتبر هذه النقاط هي أولى الخطوات التي يجب علينا الالتزام بها من أجل إتمام التفكير الجماعي بشكل صحيح.
أول هذه النقاط هي العمل على التقليل من الخوف من المشاركة، بحيث يعرف الشخص أن رأيه لن يخضع للحكم أو النقد السلبي من الأفراد، بل إن مشاركته ستقبل دون أي مشكلة.
أيضًا يجب أن يكون الشخص المسئول عن التفكير الجماعي على قدر من الحيادية بحيث لا يعرض رأيه بالشكل الذي يدفع الأفراد إلى تبني هذا الرأي والعمل به، بل إنه يجب أن يكتفي بعرض المعلومات فقط، ويصحح الأخطاء لدى الأفراد، ويشجع مشاركة الجميع.
وحتى لو أن الأفراد لا يرغبون في النقد، يجب أن يشجعهم القائد على ممارسة دور الناقد السلبي، وهذا مطلوب لأنه يساعدنا في رؤية الأمور من منظور آخر، بالتالي قد ندرك وجود أشياء لم نعتقد أنها موجودة من قبل.
وحتى يتم تنفيذ هذه النقاط بشكل صحيح، فإننا سوف نتحدث الآن عن أفضل تقنيات التفكير الجماعي التي يمكن الاعتماد عليها لفعل ذلك بأفضل صورة ممكنة.
تقنيات التفكير الجماعي
توجد ثلاثة تقنيات رئيسية يمكن الاعتماد عليها لتطبيق التفكير الجماعي مع المجموعة بأفضل صورة ممكنة، وفي الأغلب فإنه يتم استخدام هذه التقنيات الثلاثة معًا في العملية الواحدة، لا استخدام واحدة فقط، لأن كل تقنية من الثلاثة تساعد الأخرى في تحقيق النتائج التي نريدها من التفكير.
هذه التقنيات هي: العصف الذهني، النقاش المفتوح، نموذج القبعات الست للتفكير. سوف نتحدث عن كل تقنية من هذه التقنيات، وكيف ترتبط ببعض ارتباطًا وثيقًا، وكيف يمكننا استخدامها بأفضل شكل ممكن من أجل العمل على تنفيذ عملية التفكير الجماعي وإنجاحها.
العصف الذهني
التقنية الأولى التي سوف نتحدث عنها هي العصف الذهني، حيث أن العصف الذهني يعتمد على إتاحة الفرصة للأفراد للمشاركة وإدلاء الآراء مع وجود القواعد التالية: لا يوجد أي نقد للأفكار، المهم هو الوصول إلى أكبر عدد من الأفكار دون النظر إلى جودتها، تقبل أي نوعية من الأفكار.
هذه القواعد الثلاثة موجودة لتشجع الأفراد على المشاركة، فعندما يعرف الشخص أنه لن يعلق أحد على فكرته، فإن هذا قد يمنحه الراحة للمشاركة، ولن يفكر إن كانت فكرته ذات جودة عالية أو لا، نظرًا لأننا نهتم بالعدد أيًا كانت جودة الفكرة أو نوعها، فحتى الأفكار الخيالية تقبل.
هذا الأمر يساعد التفكير الجماعي لأنه يزيل الحواجز الموجودة بين الأفراد، ويدعم مشاركة الجميع في الموضوع المطروح، لأنه يعرف بأن رأيه سيُسمع أيًا كانت جودته، وهذا يجعل لدى الشخص قابلية واهتمام أكبر بما سوف يأتي لاحقًا.
النقاش المفتوح
بعد العصف الذهني يتم الانتقال إلى تقنية أخرى من تقنيات التفكير الجماعي وهي تقنية النقاش المفتوح، حيث لا توجد نتيجة محددة نرغب في الوصول إليها من النقاش، بل إن الأمر يعتمد على آراء الأعضاء.
يظن البعض أن هذه فكرة خاطئة، لكن لو نظرنا إليها بشكل موضوعي، سوف نجد أنها تدعم التفكير الجماعي بشكل كبير جدًا.
فتخيل مثلًا أنك تخوض في نقاش وأنت تعرف النتيجة مسبقًا، قد لا تجد في داخلك الحماس للمشاركة من الأساس، بل قد تشعر أن هذا النقاش هو شيء وهمي. أما في حالة أن النتيجة تعتمد على مشاركتك، فإن هذا يجعلك تشعر بأهمية الموضوع وأن رأيك له تأثير في القرار.
وهذا لا يعني أن النقاش المفتوح يتم هكذا بدون قواعد، بل هنا يظهر دور المسئول الذي ينظم الأمر ويضع الإطار العام الذي يسير النقاش عليه، وبالتالي يضمن أن الأمر محكوم، لكن دون أن يظهر رأيه الصريح في الأمر.
في الأغلب يأتي النقاش المفتوح بعد العصف الذهني مباشرةً في التفكير الجماعي وذلك لأن الأفكار التي خرجنا بها من العصف الذهني نريد الاستفادة منها، وبالتالي نوظفها في النقاش المفتوح، وتمثل لنا هذه الأفكار جزءًا من الإطار الذي نسير عليه في النقاش.
نموذج القبعات الست للتفكير
كما ذكرنا أنه في بعض الأحيان نحتاج إلى شخص يمارس دور الناقد السلبي، وذلك حتى نضمن أن عملية التفكير الجماعي تحدث بالشكل الذي يضمن التغلب على كل السلبيات، فإنه يمكن لنا الاعتماد على نموذج القبعات الست للتفكير.
تعتمد فكرة هذا النموذج على استخدام قبعات وهمية، لكل منها لون يعبر عن طريقة معينة من التفكير، ومن بين هذه القبعات هي القبعة السوداء التي تهتم بالسلبيات، وهذه هي القبعة التي نريدها هنا.
فعندما يُطلب من الجميع ارتداء القبعات السوداء، فإنهم يشاركون بالآراء السلبية حول الأفكار ويهتمون بسرد نقاط الضعف الموجودة بها، مما يدعم ما نريده هنا وهو أن نتأكد من أن كل الآراء قد سُمعت، إيجابية كانت أو سلبية.
التفكير الجماعي من أهم طرق التفكير التي نحتاج إليها في العمل طوال الوقت، لكن تنفيذها بالجودة الصحيحة كما رأينا في المقال يعتمد على قدرات الشخص المسئول أكثر من أي شيء آخر، وأنه يمكن له التحكم في سير عملية التفكير بأسلوبه، لذلك إن كنت مهتمًا بتطبيق هذا النوع من التفكير، عليك أن تتأكد من قدرتك على تطبيقه بشكل صحيح، ووقتها ستضمن تحقيقه بسهولة وبدون أي مشكلة مع المجموعة.
أضف تعليق