من نوعيات العلاقات العاطفية أن يكون أحد طرفيها منغلق، لذلك سنتحدث في هذا المقال عن التعامل مع شريك منغلق في علاقة عاطفية والشريك المنغلق هو الشخص المتحفظ الذي لا يود الانفتاح على المعارف أو التجارب أو آراء الآخرين ولا يقتنع سوى برأيه فحسب والحقيقة أن العلاقة قارب في بحر متلاطم الأمواج إذا لم يمسك كلا الطرفين المجاديف ويجدف حتى يصلا إلى بر الأمان فلنقل على العلاقة السلام ولتغرق في بحر العناد والنسيان، ولذلك إليك إرشادات التعامل مع شريك منغلق:
استكشف هذه المقالة
سمات الشخص المنغلق
في البداية نبدأ على التعرف على سمات الشخص المنغلق وصفاته وكيف نستطيع الشخص المنغلق من المنفتح وإليك أبرز السمات ثم بعد ذلك نتعرف كيفية التعامل مع شريك منغلق في علاقة عاطفية إذا وضعتنا الأقدار يومًا في علاقة كان الطرف الآخر فيها شريك منغلق:
التمسك بالعادات والتقاليد
يرى الشخص المنغلق من العادات والتقاليد التي سنها المجتمع والتي تربى عليها الرؤية الأكثر كمالا ونضجًا للعالم وأنه يجب أن يتبعها بحذافيرها دون نقصان أو إخلال، ولا يرى الشخص المنغلق أن عدم إتباع العادات والتقاليد وحده هو الأزمة بل والسخرية منها أيضًا ورفضها أو انتقادها كأنها طقوس مقدسة ولا يجوز لأحد نقدها أو السخرية منها لأنه بذلك يسخر من المجتمع ويسخر من الأجداد الذين اعتادوا فعل هذه العادات ومارسوا هذه التقاليد حتى أصبحت من ملامح المجتمع، وبالطبع لا يمكن تصور التعامل مع شريك منغلق بهذا الشكل في علاقة يرى أن أشخاصًا عاشوا منذ مئات السنين ورأوا أنه يجب فعل شيء مناسب لزمانهم وبيئتهم يجب أن نتبع خطواتهم بحذافيرها.
التمسك برأيه والتسفيه من رأي الآخر
الشخص المنغلق أيضًا يرى في نفسه فقط الشخص ذو الرأي الصواب ولا يكتفي بهذا فحسب بل يقوم بإطلاق صفة الخطأ على جميع الآراء الأخرى والتسفيه من أصحابها إذا لزم الأمر وذلك لا يتم على أسس موضوعية أو تحليل منطقي ولكن على أسس العنجهية والعجرفة لذلك لا يُعتبر الارتباط بشريك منغلق ميزة رائعة ولا يعتبر وجودك معه في علاقة أمر مريح أو مطمئن.
الاهتمام بكلام الناس ولو على حساب سعادته
من عيوب التعامل مع شريك منغلق أنك مضطر إلى تقييم نفسك حسب رأي الناس فيك ولو على حساب سعادتك بمعنى أنك قد تضطر إلى ترك شيء تحبه وترتاح له مهما كان هذا الشيء شخصي وبالغ الخصوصية مثل طريقتك في الملبس أو المأكل أو وظيفتك أو عملك أو دراستك وكل هذه الأشياء التي لا تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على أي شخص غيرك وتضطر إلى الإقدام على شيء تكرهه أو لا تحبه من أجل أن هذا سيرضى الناس وسيلاقي قبولهم وترحيبهم رغم أن هذا أيضًا لا يؤثر عليهم بأي شكل سواء مباشر أو غير مباشر، والحقيقة أن التعامل بهذا الشكل جحيم مستعر ليس فقط لأن انتظار تصفيق الناس ورضاهم أمر مستحيل فمن المستحيل أن يرضى جميع الناس عنك ولكن أيضًا لأن هذا يجعلك تعيش حياتك كما يرغب الآخرون لا كما ترغب أنت وهذه من أسوأ الأمور التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان.
التقليدية الشديدة وعدم الميل للتجديد أو المغامرة
الشخص المنغلق عادة تجده غير ميال لأي نوع من أنواع التجديد أو المغامرة، تغلب عليه روح الروتينية والرتابة ودائما ما يلعب في المنطقة الآمنة ويحب كل الأمور التقليدية السائدة ولديه رعب من التغيير أو تبدل الحال، ودائمًا ما يصاب بتأذي فظيع إذا تم إجباره على ممارسة شيء لأول مرة، لا يحب أن يذهب إلى مكان جديد ولا يحب أن يأكل شيئًا لم يجربه من قبل ولا يحب أ ن يفعل شيئًا لم يفعله من قبل، كل شيء لديه يجب أن يكون روتينيًا ومملاً ورتيبًا، كل شيء يفعله في حياته لابد أن يكون مثل السائد ومثلما تم الاصطلاح عليه من قبل، لا مجال للتجريب أو التجديد بأي شكل.
وضع مقياس وحيد للصواب والخطأ
من يتبحر أكثر في الحياة ومن تطحنه التجارب وتلهمه المواقف ومن تتسع رؤيته للحياة ويفتح لنفسه آفاقًا جديدة يطل بها على غاية الوجود يعرف أنه لا وجود للصواب أو للخطأ بشكل مطلق ولا يوجد مقياس لقياس التصرفات والأقوال والأفعال على أسس ثابتة، بل كل موقف متغير بحسب الظروف المحيطة به بل إن كل تصرف حسب الزاوية التي تراه منها ولا يوجد شخص يستطيع الإلمام بكافة زوايا الرؤية ولكن يكفي الاعتراف بوجود عدة زوايا للرؤية كي تكون شخصًا منفتحًا وذو آفاق واسعة ومتنور وعميق الرؤية، أما الشخص المنغلق فهو يمتلك زاوية واحدة للنظر للأمور ولا يستوعب أن هناك عدة زوايا ويمتلك مقياس واحد للصواب والخطأ وعادة يكون أحد أهم الأسس الثابتة الراكدة التي يجب أن يؤسس عليها مقياسه هذا هو الأساس الأخلاقي والذي يقوم على أساسه بالحكم على الناس وسلخ جلودهم بهذا المقياس، لذلك التعامل مع شريك منغلق ليس فقط مؤذيًا لشريكه في العلاقة ولكن لكل من يحتك به تقريبًا.
فرض رأيه على من حوله وإرهابهم فكريًا إذا خالفوا رأيه
مثلما أشرنا يقع الشخص المنغلق في مستنقع من الرجعية وضيق الأفق وبالتالي فهو يتمسك برأيه ويرفض بأي شكل مناقشة أي آراء أخرى، بل لديه تهم جاهزة يمكنها أن يصدّرها في وجهك إذا قمت بمخالفة رأيه مثل تهم التغريب واستيراد القيم من الخارج والبعد عن القيم الدينية والأخلاقية وغير ذلك رغم أن رأيه هذا قد يكون بعيدًا كل البعد عن أي قيم من هذا النوع ولكن لزوم الإرهاب الفكري الذي يقوم به ومن هذا المنطلق يقوم بفرض رأيه على من حوله وإجبارهم على اقتناعه والامتثال والخضوع له أيضًا، وبالطبع التعامل مع شريك منغلق من هذا النوع لا يمكن قبوله أو التعايش معه.
انتقاد الأشخاص المختلفين والتقزز منهم
مثلما أشرنا في بداية مقال التعامل مع شريك منغلق ورأيه في الأشخاص الخارجين عن منظومة العادات والتقاليد فإن الأشخاص المختلفين، حتى وإن كانوا بعيدًا عن محيط الشخص المنغلق فإنهم في مرمى ودائرة انتقاداته وهجومه، ولا يتورع الشخص المنغلق عن إعلان تقززه واشمئزازه من أي شخص مختلف عن قيمه التقليدية السائدة حتى وإن كان لا يضره بشيء ولا يؤذيه أي أذى من أي نوع، ولكن لمجرد خروجه عن المنظومة المقدسة في رأسه فإن هذا يعرضه لأن يكون منبوذًا بالنسبة له، وإن تصادف ورآه في مكان ربما يتعمد الاحتكاك به من أجل التعبير عن تقززه واشمئزازه هذا، وللأسف هذه الشخصيات يوجد منها الكثير والكثير في مجتمعاتنا بل تكاد تكون الفئة الغالبة، لذلك التعامل مع أشخاص من هذه النوعية يكاد يكون أزمة كبيرة في الواقع، لا على سبيل الارتباط العاطفي فحسب بل على سبيل التعامل الإنساني نفسه.
انعدام المرونة والتزمت
لا يستطيع الشخص المنغلق التعامل بمرونة مع المواقف المختلفة لأنه لم يختبرها بعد ويريد أن يمشي الكون كله كما يريد هو وتنعدم لديه ثقافة الإبداع وأن يسيّر أموره بطرق دبلوماسية، بل يجب أن يصرخ ويصيح لأن الأمور لا تسير كما يريد هو وبالتالي أزمة كبيرة بينما الشخص المنفتح والذي يعتاد على أن الحياة عبارة عن شبكة متصلة من المصالح المتعارضة وبالتالي يجب أن تنشأ العديد من العقبات في طريقك وهو باستمرار يطور أدواته وآلياته لمواجهة هذه العقبات ومحاولة تذليلها قدر الإمكان، وبالتالي يصبح التعامل مع شريك مفتح واقعي يتفهم تمامًا طبيعة الكون وتدافع الناس، أفضل بكثير من التعامل مع شريك منغلق يتزمت لأن الحياة لا تسير كما يريد هو أو كما كان يتصور هو عنها أن تسير.
كيف أصبح هذا الشخص المنغلق بهذا الشكل؟
دعونا نتحدث عن بعض الأسباب والدوافع التي جعلت الأشخاص المنغلقين بهذا الشكل وهذه بالطبع ليست كل الأسباب ولكن بعضها ويوجد العديد والعديد من أسباب ودوافع انغلاق هذا الشخص يضيق المقام الآن بذكرها، وإليك أبرز الأسباب والدوافع التي جعلت من هذا الشخص بهذا الشكل:
سياسة التلقين
للأسف الأمر يبدأ عند الشخص المنغلق من الطفولة حيث يقومون بتلقينه قيم صماء ومبادئ يقتنع بها تمام الاقتناع دون أن يعيد النظر فيها أو يختبر صحتها من عدمه ويقوم بخوض الحياة برؤى مسبقة لا تتغير لا يقوم بخوض التجارب والمواقف وعلى أساسها يراكم الخبرات التي تفرز الرؤى الحياتية والمبادئ التي يمشي بها في حياته، وبالتالي من الطبيعي أن يخرج هذا الشخص كلما تقدم به العمر كلما ازداد إيمانا راسخًا واقتناعًا ثابتًا لا يتزعزع بهذه المبادئ ويضفي عليها كل هذه القداسة والإجلال.
قلة الخبرات وانعدام المعارف
التعامل مع شريك منغلق يجعلنا نتفهم لماذا أصبح بكل هذا الانغلاق بعد المعيشة معه لفترة حيث يكون هذا الشخص منعدم التجارب ويكاد يكون سار في المسار التقليدي للتعليم ثم الوظيفة وأصبح في الوظيفة يتبع اللوائح ويستمع إلى تعليمات مديره لم يجرب يومًا ولو على سبيل التجربة الانحراف عن المسار لحظة، يكاد يكون أخضر لم تصقله التجارب ولم يكتسب الخبرات، مثل الساعة المضبوطة تمامًا محددة المسار مسبقًا أو مثل تروس الآلة.
عدم التعرض لمواقف كبيرة شكّلت رؤيته
المسار السابق الذي تحدثنا عنه يفهمنا أن هذا الشخص لم يوضع في موقف يجعله يتعرض لتجربة صعبة تشكل رؤيته للعالم من جديد وتعيد صياغة رؤيته ووجهات نظره في الوجود بسبب هذا الموقف، أليس هناك العديد من الأشخاص الذين يصبحون أشخاصًا آخرين بعد التعرض لمواقف معينة، هذا الشخص لم يوضع في موقف يسمح له بخوض أي تجارب أصلا، بالتالي التعامل مع شريك منغلق من هذا النوع بالغ الصعوبة في الواقع، لأنه حتى لا يدرك هذا الكلام ولا يستوعبه وحتى إن قيل له بأي شكل فإنه سيستمر في إنكاره والتسفيه منه والسخرية من مضمونه.
التدليل وهو صغير وأخذ ما يريد وقتما يحب
مثلما نقول أن كل شيء قد يبدأ من الطفولة فإن الانغلاق أيضًا يبدأ من التدليل في الطفولة وأخذ ما يريد وقتما يحب بالتالي لم يصارع من أجل شيء ولا يفهم أن ليس ما يريده سوف يحصل عليه بمنتهى السهولة وأن الأشياء لا يتم اقتناصها من الحياة هكذا بل يجب بذل بعض الجهد من أجلها وبالتالي لا يكتسب هذا الشخص بعض المرونة من أجل توفير الجهد ولا يخوض التجارب ولا المواقف ولا يناضل من أجل أن يعيش الحياة كما يجب، كل شيء متوفر له والمسار في الحياة تم رسمه له مسبقًا وما عليه سوى أن يسير فيه بلا عقبات، وهذه صعوبة وأزمة للأسف إن كان هناك شخص في علاقة مع شخص كهذا ومجبر على التعامل مع شريك منغلق.
طرق التعامل مع شريك منغلق
صعوبة التعامل مع الشخص المنغلق لا يعني الاستسلام والابتعاد عنه ببساطة بمجرد إدراك انغلاقه وتزمته بل على العكس يجب أن نحاول معه كي يصبح أكثر انفتاحًا على الحياة وأكثر تفهمًا وتعقلاً، وإليك أبرز طرق التعامل مع الشخص المنغلق لتغييره وجعله شخصًا منفتحًا لديه رؤية وآفاق متسعة واستيعاب لوجود عدة زوايا لأي موضوع وعدم الحكم من زاويته فحسب:
تعرضه للمواقف والتجارب الحياتية الملهمة
يجب أن يوضع الشريك المنغلق في مواقف تثبت له أنه كان مخطئًا عندما كان محجمًا عن تعريض نفسه لمواقف وتجارب مختلفة وتفاديه الانخراط في الحياة أو تقززه من الاندماج في الحياة العامة مثله مثل كل البشر، بل عليه أن يشتبك في الحال كي يكتسب بعض المرونة التي تؤهله لكي يصبح شخصًا مرنًا ويكتسب بعض الخبرات التي ستضيفها له التجارب ولا يعني التجارب أن يسافر رحالة بين البلاد كي يكتشف سر الوجود أو حكمة الحياة ولكن على الأقل يتجول بعض الشيء ويضع نفسه في مواقف لملاقاة أشخاص والذهاب إلى أماكن جديدة كي يتعلم منهم ويلهمونه لتوسيع رؤيته بعض الشيء وتوسيع آفاقه، عند هذه اللحظة يسهل التعامل مع شريك منغلق قابل للتحويل لشخص منفتح.
القراءة المستمرة والتثقيف
لا ينبغي الاقتصار على التجارب الحياتية فقط ولكن أيضًا القراءة والتثقيف والاطلاع لأن هذه الأمور مهمة جدًا لأنها تفتح آفاق أخرى وتعرض أفكار أشخاص آخرين تجاه الحياة وتعرض وجهات النظر التي كان من المستحيل استيعابها ومن المستحيل فهمها وتثير بداخلك كافة أشكال الاندهاش من أن هناك شخص خطرت في باله فضلا عن تبنيها أو اعتناقها من أساسه ولكن بعد شرح وجهات النظر هذه تكتسب بعض المنطقية بعض الشيء وتجد نفسك إن لم تكن مقتنعًا بها بشكل كامل فإنك على الأقل تكون متقبلاً لها ومتفهمًا ومستوعبًا الدوافع التي جعلت الأشخاص يعتنقونها.
إطلاعه على تجارب الآخرين
مثلما قلنا أن هناك طرق مختلفة للتعامل مع شريك منغلق ولكن بشرط أن يكون هذا الشريك المنغلق مستعدًا للانفتاح وأن يصبح شخصًا آخر، وبالتالي يجب عليك أن تطلعه على تجارب الآخرين خصوصًا المختلفة منها أو الذين اختاروا أن يسيروا عكس التيار مستعرضين أهم النقاط التي أفادتهم وأهم العقبات التي وقفت في طريقهم وكيف ذللوها أو كيف نالت منهم وتخطوا الألم الناجم عنها، هذه من الأمور الهامة جدًا لأنه لا شيء يوسع الرؤية أكثر من التجارب الذاتية وحكايتها، ربما قصة واحدة يحكيها شخص أفضل ألف مرة من مليون عظة في مليون يوم، لأن القصة تكتسب التعاطف الإنساني الفطري بين البشر وبعضهم.
السفر لأماكن أخرى لرؤية ثقافات أخرى
هذه ربما لا تكون متاحة للجميع ولكن إن كان هناك استطاعة مادية بالطبع، فلا ريب أن السفر لأماكن أخرى ولبلاد تمتلك ثقافات أخرى خصوصًا لو كانت مغايرة أو مناقضة للثقافة التي تربى عليها أو نشأ في رحابها يكون أفضل بكثير حتى يفهم أن البشر مختلفون فيما بينهم وأن هذه سنة الحياة ولا يوجد سلوك واحد صواب وآخر خطأ، في النهاية البشر يسلكون المسالك التي تريحهم.
خاتمة
التعامل مع شريك منغلق من الأمور التي تصعب على أي شخص ولكن عند تغيير هذا الشخص وجعله منفتحًا ومتفهمًا ومرنًا فإنه سيكون إنسانًا من أروع ما يمكن.
أضف تعليق