من أجمل وأنقى العلاقات التي قد نراها في حياتنا هي العلاقة بين الأطفال والحيوانات،علاقة محبةٍ وودٍ خالصٍ من الطرفين والتعبير عن تلاقي الأرواح وتقاربها في أبسط صوره وأنقاها وأجملها، يولد الأطفال بلا عنصريةٍ ولا تفرقةٍ بين أبيض وأسود.. سيدٍ وعبد.. غنيٍ وفقير.. ولا حتى التفرقة بين إنسانٍ وحيوان وإنما كلها أرواحٌ تلاقي روحه فيسعد ويأنس بها. خاصةً الأطفال الذي يعون على حياةٍ أسريةٍ تتضمن الحيوانات الأليفة كفردٍ من أفراد الأسرة فيتقبل الطفل فكرة رقي روح الحيوان ووجوده مع البشر بدون تفكير، ومع ازدياد وعي الطفل وعمره تزداد قدرته على التمييز والتفرقة بين البشر والحيوانات وإيجاد الفروق بين نفسه وبين القطط أو الكلاب واستيعاب كون الحيوانات كائناتٍ أخرى تختلف عنّا. وبناءً على هذه الفكرة والدرجة من الوعي والتمييز تختلف ردود أفعال الأطفال نحو الحيوانات وتصرفاتهم معهم ومدى تقبلهم لهم أو النفور منهم وتكوين أفكارهم عنهم، فكيف تعلم طفلك التعامل مع الحيوانات ؟
التعامل مع الحيوانات : خطوات تعليم طفلك التعامل مع الحيوانات
علاقة البيئة وتعامل الطفل مع الحيوان
يبدأ تعليم الطفل التعامل مع الحيوانات أو الكائنات الحية الأخرى عمومًا بناءً على ما يراه في بيئته وبداية حياته والسلوك الذي يجد والديه عليه معهم، حين ينشأ الطفل في بيئةٍ تنتشر فيها الحيوانات أو في بيتٍ يضم الحيوانات الأليفة فإن ذلك يؤثر كثيرًا على نظرته وتعامله معهم، كما أن عدم وجود الحيوانات في بيئة الطفل قد تعطي تأثيرًا عكسيًا كالخوف منها وعدم تقبلها واستغرابها.
البعد عن الحيوانات أو كرهها من قبل الوالدين
كذلك أن يكون والدا الطفل من كارهي الحيوانات أو يشمئزان منها ويخافان اقترابها يؤثر سلبًا على الطفل ويطبع في لاوعيه فكرة كونها كائناتٍ منفرةٍ وغير مرغوبٍ فيها ولا يجب الاقتراب منها أو التعامل معها بما يتضمن العطف عليها أيضًا، بل مع بعض الأطفال تصل الإشارات السلبية إلى حد اعتقاده بأن زجرها وتعنيفها إن حاولت التقرب إليه من واجبه وكذلك الاعتداء عليها وكرهها بغير سببٍ محدد، كل هذه الأسباب تؤدي إلى نفور الطفل من التعامل مع الحيوانات .
وليس المقصود بسلوك الأبوين الخاطئ الذي يسبب للطفل ذلك الإحساس هو السلوك العدواني أو القاسي الصريح، وإنما يتضمن ذلك صغائر الأشياء كازدراء أحد الحيوانات أو النفور والخوف منها أمام ناظري طفلك يبعث له برسائل سلبيةٍ واضحة ويضع الحيوانات في خانة الأعداء، فالأطفال أذكياءٌ وشديدو الملاحظة أكثر مما نتخيل. لذا إن كنت من كارهي الحيوانات فاحرص على تحسين علاقتك بهم قدر الإمكان والتغلب على خوفك أو نفورك أمام طفلك على الأقل واحرص على البعث بالرسائل الإيجابية له بالقول إن لم تستطع بالفعل رغم أنك لست بحاجة للتواصل المباشر مع الحيوانات للبعث بهذه الرسائل وإنما تكفي بادرة عطف أو نظرة رحمةٍ و وضع بعض الماء لحيوانٍ عطشانٍ بمساعدة طفلك، اجعله يشعر بقيمة الحيوان وأنه يستحق العطف والحب ولا تقف حاجزًا أمام تلاقي روح طفلك مع أرواحهم بمشاعرك المنفرة منهم.
تبني الحيوانات الأليفة
وتبنّي الحيوانات الأليفة من أقوى وسائل تعليم الطفل الرأفة والرحمة و التعامل مع الحيوانات ، وأكثرها تأثيرًا في نفسه وقلبه، لأن علاقةً شخصيةً تنشأ بينه وبين الحيوان فيحبه كما يحب والديه وإخوته وأصدقائه مما يغير من نظرته له، ويتحول من الكائن المبهم الغامض الذي نخاف أحيانًا على طفلنا من الاقتراب منه في الشارع خشيةً من الأمراض إلى أحد أفراد الأسرة. فإن كنت من محبي تبني الحيوانات الأليفة والقادرين على ذلك فبادر بتلك الخطوة أيًا كان ذلك الحيوان الذي ستختاره لصحبة لطفلك وحبذا لو أحب الطفل ذلك وعرض رأيه في الحيوان الذي يود تبنيه ومصادقته.
عند أول تعارفٍ بينهما ستجد عيني طفلك متسعتين من الدهشة والإثارة والحذر تراقبان صديقه الجديد وترصدان كل تحركاته وتفاصيله فبادر بإظهار حبك وسعادتك بهذا الفرد الجديد في الأسرة وادعُ طفلك للاقتراب ولمسه والترحيب به. صفه بصفاتٍ رقيقةٍ ولطيفةٍ على مسامع طفلك ليشعر بالانجذاب والود نحوه، ثم ابدأ بعرض واجباتكم ومسئولياتكم نحو حيوانكم الأليف والتأكيد على الاهتمام به والعطف عليه واجعل طفلك يشارك في جزءٍ من المسئولية ليزداد ارتباطًا به كإطعامه مثلًا بين الحين والآخر.
احرص على سلوكك الجيد دائمًا في التعامل مع الحيوانات فلا ترفسه أو تؤذه في لحظة غضبٍ مثلًا ولا تهمله فترةً لأن ذلك سينعكس على طفلك وبدلًا من الرأفة سيتعلم أن الحيوان للهو واللعب ولا قيمة له أو لروحه، كلما زاد وعي طفلك وقدرته على الفهم حاول مخاطبته بقدر وعيه وبسط له فكرة الحياة والروح وأهميتهما، وأن الحيوانات والنباتات تشعر مثلنا وتتألم وتعاني وتحب وتفرح وتشعر بحبنا لها، وأن حيواتها وأرواها ليست أقل قيمةً من أرواحنا.
كن يقظًا مع تصرفاتك
وكما أننا نجد من يحبنا فهذه الحيوانات تحب أن تشعر بالأمان أيضًا وتجد من يحبها ويألفها ويعطف عليها، كن يقظًا مع تصرفات طفلك ومنتبهًا لها واستغلها في النصح والتوجيه كأن يبدر منه سلوكٌ عنيفٌ مع الحيوان فبادر بمنعه وإظهار اعتراضك فورًا وأبعد الحيوان عنه وأنت تظهر أسفك عليه وتوضح لطفلك مقدار الألم والحزن اللذان أصابا صديقه نتيجة فعلته. الجأ لحيلة “هل ترضى أن يفعل ذلك أحدٌ معك؟” واجعل الطفل يتخيل أن أحدًا عامله بالطريقة ذاتها فينفر من عمله ذلك ويترسخ في ذهنه مع الوقت الإحساس بالحيوان وشعوره وأنه لا يختلف عنه في الإحساس والمشاعر، إذا كنت تسير مع طفلك في الشارع مثلًا ثم رأيت موقفًا مسيئًا لأحد الحيوانات فاستغل الموقف في مناقشة طفلك وجعله يخلص بنفسه إلى رفضه الإساءة للحيوان.
لا تنهر الخطأ وتهمل الصواب
احذر ارتكاب خطأ ملاحظة الخطأ ونهره عنده وتجاهل الصواب، فإذا بدر من طفلك تصرفٌ ودودٌ أو حنونٌ تجاه الحيوان فسارع بمدح رقة إحساسه واجعله يشعر بسعادتك وبالتالي بالفخر من تصرفه وحب تكرار سلوكه العطوف. احرص على أن تشكل قصص الحيوانات جزءًا غير يسيرٍ من طفولة صغيرك حتى إذا لم يسبق له التعامل مع الحيوانات ، فإظهار الحيوانات بشخصياتٍ لطيفةٍ في القصص والحكايات المختلفة وجعل خيال الطفل يتفاعل ويتعاطف معها ويهتم بها ويحب سماع سيرها وحكاياتها سواءً كانت قصص أطفالٍ خياليةً أو مواقف وحكاياتٍ حقيقيةٍ مع الحيوانات فتلك تترك أثرًا أكبر في قلب طفلك.
تشبيه الحيوانات بالبشر
كذلك فإن تشبيه الحيوانات بالبشر في القصص في قدرتها على التفكير والإحساس وأحيانًا الكلام تؤكد في عقله على أهمية الحيوان وروحه، التربية الدينية مدخلٌ جميلٌ للطفل بأن نوضح له بأن ديننا يأمرنا بالرفق بالحيوان والرأفة به كما الرفق واللين مع البشر وينهانا عن أذاهم واستغلال ضعفهم، كما أن القرآن وقصص الأنبياء والسيرة النبوية تعج بقصص الحيوانات وأدوارها ومكاناتها وأهميتها. يتأثر الأطفال كثيرًا بهذه الحكايات ويحبونها ويجعلونها مثلًا يقتدون به في التعامل مع الحيوانات ، ولزيادة توضيح أمر الدين في الرفق بالحيوان نسرد عليهم قصة المرأة التي دخلت النار في قطةٍ حبستها والرجل الذي دخل الجنة في كلبٍ سقاه وغيرها من القصص.
التقدم في العمل و التعامل مع الحيوانات
يظهر بعض الأطفال حبًا واهتمامًا زائدين بالحيوانات مع تقدمهم بالعمر وازدياد وعيهم بتواجد الأنواع المختلفة منها سواءً من التلفاز أو الزيارات العائلية لحديقة الحيوانات، فنجد الطفل ذو اهتمامٍ كبيرٍ وأسئلةٍ لا تنتهي وتكون هذه لفتة ذكاءٍ من الطفل وحبًا واهتمامًا يجدر تنميتهما والانتباه لهما. لذا عندما يبدر اهتمامٌ كهذا من طفلك لا تتجاهله بل ساعده على تنميته وزيادة معلوماته ومجال شغفه سواءً بكتب الأطفال المبسطة عن الحيوانات أو بمشاهدة الأفلام الوثائقية عنها معًا، صحيحٌ أن طفلك لن يعي كل المعلومات المذكورة لكن مشاهدة الحيوانات وسلوكها وتعاملها يجذب انتباهه وحواسه كلها ويثير عنده التساؤلات العديدة التي ستحاول الإجابة عليها أو تعلمه كيف يجد إجاباته بنفسه ويبحث عنها.
الخوف غير المبرر من التعامل مع الحيوانات
يظهر بعض الأطفال خوفًا غير مبررًا تجاه الحيوانات ويرجع ذلك إلى أسبابٍ عديدةٍ ومختلفة فإن كان طفلك منهم فساعده بالتغلب على خوفه ذلك بالوسائل السابقة، حاول جعله يحبه عبر حبك له وعطفك عليه وأن تظهر له أنه لا بأس في ذلك وتشجعه، لا تسخر من خوفه لأن ذلك يجرحه ويزيد المشكلة تعقيدًا وإياك وإجباره على الاقتراب من الحيوان والتواجد معه بغير رضاه فذلك سيفزعه منه أكثر وسيفزع الحيوان.
الممارسات السادية مع الحيوانات
يعمد بعض الأطفال إلى الممارسات السادية والعنيفة مع صغار الحيوانات وضعافها، إن كان طفلك ممن يتلذذون بتعذيب الحيوانات ألأضعف منه فأنت بحاجةٍ عاجلةٍ لوقفةٍ مع نفسك وطفلك وأن تعرف أن طفلك يواجه مشكلةً نفسية قد تحتاج إلى تدخل الطب النفسي لحلها وتقويمها حتى لا تترسخ في نفسه.
أن تعلم طفلك الرحمة والرأفة بالحيوان ليس ترفًا أو رفاهيةً وإنما من أساسيات تقويم شخصيته وتهذيبها، وغرس اللين والرحمة في قلبه مع المستضعفين والأقل منه وإعطائه درسًا عن الروح والحياة، فاحرص على أن يحصل طفلك على ذلك الدرس الثمين.
أضف تعليق