يُعد التسمم بأول أكسيد الكربون أو القاتل الصامت كما يدعونه واحدًا من أخطر حالات التسمم، فهو قاتل خفي يتسلل بأريحية داخل صدورنا ومجرى دمائنا نتيجة إهمال مُسبق منا دون أن نشعر به وكأنه لص يسرق حياتنا خِلسة مُرتديًا قُبعة الإخفاء. فكيف تكتشفه وتنزع عنه هذه القبعة القبيحة المُخادعة في الوقت المُناسب لتحمي نفسك وأسرتك من مخاطره الجمة؟ هذا ما سنعرفه خلال الموضوع التالي.
استكشف هذه المقالة
ما هو أول أكسيد الكربون وأين يتواجد؟
غاز أول أكسيد الكربون هو غاز شديد السُميّة ليس له لون ولا رائحة وهُنا تُكمن خطورته؛ فالمُصاب يختنق ويسري الغاز المُسمّم في دمه دون أن يشعر حتى تبدأ الأعراض الفُجائية التي لا يفهم لها تفسير تظهر عليه، بل وفي بعض الحالات قد يتوفى المُصاب فجأة دون اللحاق به وإسعافه. ويتواجد غاز أول أكسيد الكربون حولنا في كل مكان، فيظهر في احتراق غير كامل للوقود الحفري والفحم والخشب والحطب، تسرب الغاز الطبيعي وغاز الأنابيب الذي يُستخدم في تشغيل البوتاجازات والسخانات أو انسداد المواسير والمداخن وعُطلها. إلا أن تأثيره السام والضار يضيع ويتطاير مع ذرات الهواء في الأماكن المفتوحة ولكن حينما يتسرب الغاز في مكان مُغلق يفتقد إلى التهوية الجيدة في حضور الإنسان ترتفع احتمالات وقوع التسمم بأول أكسيد الكربون. ولعل الاختناق بعادم احتراق الفحم الذي يكثر استخدامه في التدفئة شتاءً أو بتسرب الغاز الطبيعي وغاز الأنابيب من أكثر حالات التسمم بأول أكسيد الكربون شيوعًا.
أعراض الاختناق من الفحم
إذ يُمكنك معرفة أنك أو من أمامك يواجه حالة من التسمم بأول أكسيد الكربون حينما تظهر عليه العلامات التالية: ألم في الرأس، اختلاج، دوار وتشوش في الرؤية وعدم ثبات الحركة أثناء السير، صعوبة التنفس “اللهث” وزيادة في ضربات القلب، توعك، قيء وغثيان شديدين ثم إغماء، تغيرات غير طبيعية في لون الجلد مع تطور الحالة “احمرار أو اصفرار أو ازرقاق” ثم أزمة قلبية.
أعراض استنشاق الغاز
لا تختلف أعراض التسمم بأول أكسيد الكربون عبر استنشاق الغاز الطبيعي أو غاز البوتاجاز عنها عند استنشاق عادم احتراق الفحم؛ فكلاهما يحتوي على العنصر المُسبّب ذاته، مما يجعل الأعراض واحدة.
كيف يحدث التسمم بأول أكسيد الكربون ؟
يحدث التسمم بأول أكسيد الكربون بسبب سرعة تسلل وسريان الغاز في مجرى الدم بمعدل أكبر من سريان الأكسجين، بل وفي بعض الأحيان تقوم خلايا الدم بتحويل ما تبقى فيها من أكسجين إلى غاز أول أكسيد الكربون مما ينتج عنه نقص شديد في الأكسجين الواصل إلى الدماغ وخلايا القلب أو منع وصوله من الأساس، وبالتالي الوفاة أو الإصابة بمُضاعفات خطيرة نتيجة تضرر وتلف أنسجة الجسم. ومن هُنا جاءت تسمية التسمم بأول أكسيد الكربون بالقاتل الصامت، حيث يمر الغاز على أنسجة الجسم واحدًا تلو الآخر عبر سريانه في مجرى الدم، فيُتلف ويقتل منها ما يستطيع حتى يقضي على حياة الجسم ككل حينما يكون المُصاب سيء الحظ ولم يتلق الدعم والإسعافات والرعاية الطبية اللازمة في وقتها المناسب.
مُضاعفات التسمم بغاز أول أكسيد الكربون
يُعد الحوامل وأجنتهن والأطفال ومرضى الجهاز التنفسي والقلب والأنيميا أو الأنيميا الحادة من الأشخاص الأكثر عُرضة لمُضاعفات التسمم بأول أكسيد الكربون والتي تصل إلى تلف في خلايا المخ، وبالتالي تضرر في وظائف الحركة “رعشة مُزمنة أو شلل” والأداء الذهني أو فقدان السمع أو البصر، انسداد وتصلب الشرايين، وقد يصل الأمر إلى الغيبوبة ثم الوفاة. أما الحوامل المُتعرضات للتسمم بأول أكسيد الكربون فترتفع لديهن احتمالات الإجهاض وولادة طفل مُبتسر. وعادةً ما تظهر المُضاعفات في 20% من حالات التسمم بأول أكسيد الكربون مع رصد 700 حالة وفاة بالغاز خلال العام 2011 منها 200 حالة لاقت حتفها قبل إسعافها إلى المستشفى وفقًا لإحصائية أصدرها مركز علاج السموم المصري، بينما تصل نسبة الإصابة بالتسمم بالغاز في الولايات المتحدة إلى 500 حالة منها 2000 حالة انتحار سنوية.
كيف يُمكن إسعاف المُصاب بالاختناق بالغاز؟
يُمكنك إنقاذ مُصاب التسمم بأول أكسيد الكربون من موتٍ مُحقق من خلال إتباع الإجراءات التالية:
- نقل المُصاب إلى مكان جيد التهوية مع فتح النوافذ في منطقة انتشار الغاز، إجراء الإنعاش القلبي الرئوي للمُصاب الفاقد للوعي في حال مُلاحظة تراجع النبض ومستوى التنفس من خلال جعله في وضع الاستلقاء على الظهر مع جعل رأسه لأعلى برفع الذقن بيد وإمالة الرأس للخلف باليد الأخرى لفتح مجرى التنفس. أخذ المُسعف لنفس عميق حتى ملء الخدين مع إبقاء الفم مُغلقًا ثم نفثه بهدوء في فم المُصاب مع إطباق شفتي المُسعف على شفتي المُصاب بإحكام، وذلك لعدة مرات.
- تحسس عظمة القص في منتصف العنق حتى نهايتها ثم وضع الكفين فوق بعضهما البعض في منتصف هذه المنطقة والضغط بقوة مع العد. التناوب بين الإنعاش القلبي والرئوي حتى ينتظم تنفس ونبض المُصاب مع تحسس كليهما كل 10 دقائق حتى وصول سيارة الإسعاف. يتم التأكد من وجود النبض بتحسس جانبي الرقبة، والتنفس بمُلامسة الخد لفم وأنف المُصاب للشعور بوجود أثر للنفس من عدمه. وفي المستشفى يتم منح مُصاب التسمم بأول أكسيد الكربون جلسة أكسجين أو وضعه على جهاز التنفس في الحالات الشديدة، ويتم إجراء فحوصات كاملة بالأشعة للمخ للتأكد من حجم تضرر الخلايا والأنسجة وتحديد كيفية التعامل الطبي الصحيح معها مع ضرورة المُتابعة الطبية اللاحقة والانتظام على تناول مُنشطات للدورة الدموية موصوفة طبيًا.
كيف يُمكن الوقاية من التسمم بالغاز؟
فمن خلال بعض الإجراءات البسيطة يُمكنك وقاية نفسك وأسرتك من احتمالات التسمم بأول أكسيد الكربون مثل عدم تركيب سخانات الغاز في الحمامات التي يتم إغلاق جميع منافذها عند الاستخدام فتُصبح مكانًا غير جيد التهوية، واستبدالها بالتركيب في مكان جيد التهوية كالمطابخ أو الشرفات إن أمكن، والاستعانة بالفني المُتخصص في تركيب السخانات وتوصيل إمدادات الغاز لها. الفحص الدوري للمداخن ومواسير الغاز الخاصة بالسخانات والبوتاجازات والأجهزة ذاتها على يد الفني المُختص لعلاج أي عطل أو انسداد وتلافي أي تسريب مُحتمل. ضرورة إبلاغ الفني المُختص في حال لاحظت تحول شعلة البوتاجاز أو السخان من اللون الأزرق للأصفر أو شممت رائحة مُقلقة وغير مألوفة فربما كانت تلك إشارة لتسرب الغاز في منزلك.
عدم استخدام دفايات الغاز أو الفحم أو أي أداة تعتمد في تشغيلها على احتراق الوقود في مكان غير جيد التهوية، مع فحصها بصفة دورية للتأكد من سلامتها، ويفضل إطفائها قبل النوم، ويُحذر عدم تثبيت أيًا من مُلحقاتها بمادة صمغية أو أي مادة لاصقة، وعدم استخدامها في حرق شيء لمنع تسرب غاز أول أكسيد الكربون منها. الفحص الميكانيكي الدوري للسيارات ونظام احتراق الوقود بها منعًا لأي تسريب يتسبب في التسمم بأول أكسيد الكربون، مع عدم تشغيل السيارة لفترات طويلة في الأماكن المُغلقة كالجراجات مثلًا، مع ضرورة فتح نوافذها ولو قليلًا أثناء التواجد داخلها سواء في حالة التشغيل أو عدمه لمنع تراكم الغاز داخلها وبالتالي الإصابة بالاختناق. يُفضل عدم استخدام شوايات الفحم أو إشعاله بجميع أشكاله بصفة عامة داخل المنزل، على أن يتم ذلك في مكان جيد التهوية كالحدائق مثلًا.
أخيرًا، فبخطواتٍ بسيطة يُمكنك حماية نفسك وأسرتك من براثن التسمم بأول أكسيد الكربون القاتل فلا تُهملها.
ملحوظة: هذا المقال يحتوي على نصائح طبية، برغم من أن هذه النصائح كتبت بواسطة أخصائيين وهي آمنة ولا ضرر من استخدامها بالنسبة لمعظم الأشخاص العاديين، إلا أنها لا تعتبر بديلاً عن نصائح طبيبك الشخصي. استخدمها على مسئوليتك الخاصة.
أضف تعليق