من الأشياء التي لا يمكن أن نختلف عليها في عصرنا الحالي هي أن اليابان هي دولة متفوقة وعملاقة في التكنولوجيا والمكانة الاقتصادية والتعليمية بين جميع دول العالم، وهذا بالتأكيد يعود لعدة سياسات تتبعها الدولة في تنشئة أبنائها، ورغم أن اليابان تعتبر دولة مليئة بالزلازل التي تحدث في كل وقت وبدون مقدمات إلا أنها رغم ذلك استطاعت أن تحتل مكانة عظيمة بين دول العالم المتقدمة والكل يشهد لها بذلك، ومما هو متعارف عليه أنه لا نمو لأمه بدون أبنائها وشعبها، وعند ذكر الشعب فإن أول طريق للاهتمام بالشعب هو الأجيال الجديدة بالتأكيد والنهج الذي تتبعه معهم في التنشئة والتربية حتى يكونوا مواطنين صالحين يستطيعون تحمل مسؤولية النهوض بهذا الشعب إلى الأمام، وعندما يكبرون سيكونون مسار تنمية أجيال جديدة، ولكي نتعلم نحن كعرب من الغرب ونري كيف يتعايشون ويرتقون يجب أن نرى رؤيتهم في الحياة مع الأبناء حتى نتعلم منهم ونأخذ ما يناسبنا من ثقافتهم حتى نتمكن من أن نحدث أي فارق وتأثير، لذلك محور حديثنا هنا هو التربية على الطريقة اليابانية وكيف يربي اليابانيون أبنائهم ويشجعون مواهبهم حتى يحدثوا كل هذا التأثير الذي يكبر ليصبح حضارة قوية، وبعد التعرف على أبرز القيم التي تساهم في رفع مكانتهم في كافة المجالات يمكننا أخذ القيم التي تناسب ثقافتنا العربية والأخلاقية ونحاول تنفيذها دون ضغط على أبنائنا، وهذا ما سيشمل حديثنا في هذا المقال.
استكشف هذه المقالة
كيف يربي اليابانيون أطفالهم؟
على عكس الثقافة الشرقية العربية التي تترك الطفل في أيدي الأجداد أو على أيدي حاضنات، يفضل في التربية على الطريقة اليابانية أن يعتني الآباء بأبنائهم ولا يتركونهم لأي أحد على الإطلاق وهذا يحدث في الثلاث سنوات الأولى من حياة الطفل على وجه الخصوص أي قبل أن يدخل الطفل مرحلة رياض الأطفال، ويعني الوالدين معًا بتربية الطفل والاهتمام به وليس الأم فقط، ويبدأ الوالدين في غرس المبادئ والقيم المهمة للطفل مثل العقل وكونه الأساس الذي يمكن أن يُميز به بين الناس بجانب الفضائل الأخلاقية التي يجب أن يعرفها الطفل على مدار حياته، ولا يهتم الآباء بالمشاعر والأخلاقيات الحميدة فحسب بل مع الوقت يطورون كل مهارة فيه ويعلموه كيف يكون إنسان مبدع، لأن بناء أي شعب يعتمد على الأطفال الذين سيكبرون ويكونون مستقبل هذه الأمة لذلك فمن الاهتمامات الأخرى التي يهتم بها الأطفال هي الكتب والألعاب الترفيهية التي تطور الذكاء مثل ألعاب طي الورق، لأن هذا يعزز قيمة التعليم والكتب والقدرات العقلية التي تميز الشخص عن غيره.
التعليم في اليابان
فكرة التعليم في اليابان ليست هدف ووسيلة للتعليم فقط، لأن التعليم لديهم ليس تعليم دراسي فقط حيث إنهم لا يفصلون بين التعليم الدراسي والقيم الأخلاقية التي يجب على كل طفل أن يتعلمها بل يقومون بدمج التربية على الطريقة اليابانية في التعليم الياباني، فالمدرسة هناك هي مزيج من الأخلاق التربوية التي تقوي السلوك وتقومه حتى يخرج طفل مميز على نمط التربية على الطريقة اليابانية السليمة، ومن الأمثلة التي تؤكد ما أقول هي أن الأطفال ينظفون مدارسهم بأنفسهم، لا يوجد رسوب في المدارس اليابانية حتى الصف الثالث المتوسط الذي يؤكد أن المدرسة مكان مخصص لعمليات أكبر من التلقين الدراسي مثل الأخلاقيات والتهذيب، لذلك تقوم حكومة التعليم اليابانية بوضع مادة للأخلاق توجد في المرحلة الابتدائية كلها، من الصف الأول الابتدائي إلى الصف السادس، تعلمهم كيف يجب أن تكون سلوكياتهم وأخلاقياتهم وكيف يجب أن يحيون مع بعضهم البعض. كما توجد طريقة التعليم التعاوني التي تشجع قيمة التعاون بين الأطفال وتغرس أهمية العمل في فريق، ويتم تطبيق ذلك من خلال حصص دراسية مختلفة يمارس فيها الطلاب أنشطة تعاونية مختلفة مثل الحوار والمناقشة والشرح التبادلي والألعاب الجماعية وغيرها، زمن الأمور اللطيفة التي تربط الحياة الإنسانية بالتعليم في المدارس اليابانية، هي أن المعلمين والتلاميذ يتناولون طعامهم في الحصة الواحدة وفي الوقت نفسه مما يقوي العلاقة بين التلاميذ والمعلمين ولا يجعلها مقتصرة على الشرح والتحصيل الدراسي فقط.
بعض المعلومات المميزة عن التربية على الطريقة اليابانية
هنا سأذكر بعض المعلومات عن اليابان بشكل عام وعن التربية على الطريقة اليابانية بشكل خاص، أي المعلومات التي قد تساعدنا في التعرف أكثر على هذا الشعب وكيف يتعايشون فيما بينهم حتى نطور من سلوكياتنا وطرق تربيتنا لأولادنا، إليكم الآتي:
- في اليابان يتم الاعتناء بالطفل منذ سنوات الحمل، وتولى المرأة الحامل اهتمام كبير من قبل الجميع، ويتم منعها من بعض الأكلات التي قد تضر بصحة الجنين مثل السوشي والقهوة مع تجنب كل المأكولات الغير صحية والتي لا قيمة لها، وذلك بشكل إجباري مع الحرص على تناول بعض الفيتامينات المفيدة.
- في الاحتفالات ينقسم اليابانيون من رجال ونساء ولا يحتفلون سويًا أو يختلطون إذ تقوم النساء بالالتزام بالمطبخ والطعام وفي ذات الوقت ترعى أبناءها بينما يشرب الرجال البيرة في غرف الاستقبال.
- يعرفون اليابانيون قيمة الوقت ويقدسونها جدًا أكثر من أي شخص آخر، لذلك فلا تجد لديهم وقت للترفيه إلا بعد انتهاء كل ما لديهم من مسؤوليات.
- لا يأكل اليابانيون إلا قدر حاجتهم، وهذا سبب رئيسي في منع انتشار العديد من الأمراض والحياة بصحة جيدة.
- يحرصون على النظافة العامة بشكل دقيق، فتجد الأطفال يصطحبون فرش أسنانهم في كل مكان حتى في المدرسة.
- يتناول اليابانيون دائمًا الأطعمة الصحية من الفواكه والخضروات التي تنفعهم أكثر مما تضرهم.
- تكرس المرأة وقتها لطفلها بعد الولادة ويتغير مسار حياتها في كل شيء، حتى موعد الطعام يتغير، حيث تستيقظ الأم باكرًا وتأكل هي وطفلها ويليها بعد فترة الزوج وذلك يعني أن التربية على الطريقة اليابانية مسؤولية كبيرة.
- معظم اليابانيين لا يتناولون من المطاعم الجاهزة ويعتمدون على الأكل البيتي خاصة مع ثمنه الباهظ جدًا، وهذه عادة نحتاج أن نتعلمها في بلادنا العربية.
- يقوم اليابانيون مرة كل شهر بتنظيف المعابد البوذية كما يصطحبون الأطفال معهم لكي يشاركوهم في ذلك أيضًا، بجانب قيامهم بإلقاء التحية على بعض وهم في الشارع وذلك بالأيدي والانحناء كما هو متعارف بينهم، وهذه العادة تعتبر من أنبل العادات التي يتعلمها الأطفال في التربية على الطريقة اليابانية وتفاصيلها.
- تتيح المدارس اليابانية لأبنائها فكرة تجريب كل المهن التي يتم مزاولتها في مدينة صغيرة حتى يستطيع الطالب أن يحدد بدقة ما المجال الذي يريد العمل فيه، وذلك قبل أن يدخل الأطفال الجامعة وبذلك يضمنون دراسة الطلاب لتخصصات يرغبون فيها ويفضلونها مما ينمي فرصة الإبداع في هذا العمل.
تعد التربية على الطريقة اليابانية مثال نموذجي لنا نحن العرب، بالتأكيد لكل تربية عيوب ومميزات ونقاط ضعف كثيرة ولكن نحن لسنا مطالبين بتقليد الثقافة كلها بدون وعي، بل كل ما علينا هو أن نلتقط ما نريد من هذه الحضارة العظيمة، ونعرف أن التربية على الطريقة اليابانية هي مجهود صعب مرهق ولكن له ثمار تنتشر في أرجاء العالم كله وتضع بصمتها عليه.
أضف تعليق