الانضباط الذاتي يُعَد سمةً رئيسية يتحلى بها جميع الناجحين وعاملاً أساسيًا في منظومة عناصر التفوق التي تدفع الإنسان إلى بلوغ أعلى درجات المجد. ويمكن تعريف هذه السمة بأنها القدرة على الالتزام بتنفيذ مجموعة من الخطوات المُخَطَّط لها بشكل مسبق مع الوعي بتأثير كل خطوة في التقدم تجاه الغاية المنشودة. ومن أجل تحقيق ذلك ينبغي للشخص أن يُدَرِّب ذاته على اتباع خطته الموضوعة دون الانحراف عنها مهما كانت الظروف والتصميم على عدم اتباع الهوى حتى في حالة وجود الكثير من المغريات والمشتتات الجاذبة. وبالتالي فإن معاهدة الذات وبرمجتها على هذا الانضباط يحتاج إلى الكثير من التخطيط وتحديد المتطلبات وتقديم الأولويات؛ ونظرًا لأهمية هذه السمة في حياتنا، نناقش في السطور التالية ماهية الانضباط الذاتي وأهميته وكيفية تحقيقه.
الانضباط الذاتي وفوائده في الوصول إلى النجاح السريع
الانضباط الذاتي أقصر الطرق إلى النجاح
لا شك أن مجاهدة النفس ومقاومة الهوى من المهارات الأساسية التي يحتاج إليها المرءُ من أجل تحقيق غاياته في الحياة وعلى جميع مستوياتها؛ حيث تظهر الكثير من الملهيات والمعوقات التي قد تؤدي إلى انحراف المسار الرئيسي للطريق المنشود، ومن ثَمَّ يجد الإنسان نفسه في دربٍ مختلف تمامًا عمَّا أراده وقد ضَلَّ بذلك عن هدفه ومقصده. لذلك يجب على الشخص أن يستبصر تمامًا بأهدافه وأن يضع خطة واضحة تشرح بالتفصيل إجراءات وآليات التنفيذ بحيث يكفل لنفسه الوصول إلى مقصده النهائي، ومن خلال النقاط التالية نوضح كيف يمكن تدريب النفس على الانضباط الذاتي وجعله جزءًا لا يتجزأ من شخصيتنا.
الرؤية الشاملة للهدف
لا شك أن الأهداف والطموحات الكبيرة تتطلَّب تخطيطًا واعيًا لجميع الأبعاد والعناصر المساهمة في تحقيق الغاية المنشودة. وبالتالي يجب على الإنسان أن يضع رؤية شاملة وخارطة طريق واضحة المعالم عند تصميم المسار الذي سوف يتخذه من أجل بلوغ غايته. ومن ثَمَّ علينا إدراك أنه كلما كان الهدف واضحًا، كانت الإجراءات قابلة للتنفيذ على نحوٍ أيسر. وعند بداية تصوُّر الهدف لا بد من وجود إيمان قوي بالغاية وتحدي شديد لكافة العوائق المحتملة التي قد تظهر في أثناء الرحلة؛ حيث يساعد ذلك على تهيئة وإعداد النفس من أجل استيعاب أية صعوبات وتعزيز الاستعداد لتجاوزها والانتصار عليها. ومن أجل ذلك يُوصَى دومًا بوضوح هذه الرؤية حتى يمكن ضبط مستوى الانضباط الذاتي وشحذ الهمم عند التنفيذ.
تحديد الأولويات
بعد وضوح الهدف العام وتبيُّن معالم الطريق ينبغي للشخص أن يحدد أولوياته وفقًا لقاعدة الأهم ثم المهم، ونتيجةً لذلك تنبثق بعض الخطط الفرعية اللازمة لتنفيذ وتحقيق الأهداف القصيرة والمتوسطة المدى؛ ما يؤدي إلى تسهيل إجراء الانضباط الذاتي حيث يصبح الالتزام محددًا بالمزيد من الخطط المُفَصَّلَة. وبالتوازي مع تحديد الأولويات يمكن أيضًا الوضع في الاعتبار قابلية تنفيذ المهام المحددة من أجل تجنُّب الإصابة بالإحباط واليأس في حالة عدم التوفيق في تنفيذ الخطة بحذافيرها.
التركيز والاجتهاد
إن الانضباط الذاتي مهارة يسهل اكتسابها بالمران والتكرار؛ طالما توفرت الإرادة القوية والإصرار؛ لذلك يجب على الإنسان الساعي إلى هدفه أن يركز تمامًا على ما هو مطلوب وعدم الانشغال بأية ملهيات أو مشتتات مهما ظهرت غير مؤثرة؛ وذلك لأن الاستسلام لأي عنصر مشتت قد يؤدي إلى الدخول في سلسلة من الإلهاء قد لا تنتهي؛ ما يؤدي إلى ضياع المسار الرئيسي وضبابية الرؤية ما يزيد من احتمالات التعثُّر وإطالة فترات التوقف، فضلاً عن الابتعاد لفترة طويلة عن ممارسة الأنشطة المتفق عليها سوف يؤدي إلى انخفاض الروح المعنوية وفقدان لياقة الأداء التي لا تُكتَسَب إلا بالاستمرار والمواظبة الدورية وتجنب الانقطاع.
تنظيم الوقت
يُعَد الوقت بمثابة رأس المال الحقيقي لكل إنسان ناجح؛ حيث يؤدي حُسنْ تدبير وتنظيم الوقت إلى تيسير تنفيذ المهام، ويساعد أيضًا الإطار الزمني لكل مهمة على التحلي بدرجة عالية من الالتزام وذلك لأن تقسيم الخطة إلى مهام فرعية وتخصيص وقت محدد لكل منها يجعل الأمر واضحًا، ويزداد ذلك الوضوح في حالة كتابة جدول زمني ووضعه في مكان بارز تراه العين دومًا؛ ما يؤدي إلى التحفيز الدائم والتذكير الدوري بما هو مطلوب ما يشحذ الهمم ويرفع من الروح المعنوية.
ويعتبر تنظيم الوقت أحد الآليات المهمة الفعالة فيما يتعلق بترويض الهوى وذلك لأن ربط المهمة بنطاق زمني محدد سوف يحد من نزعة التمرد الذاتي؛ لأن الشخص هنا يرى أن الوقت محددٌ وبالتالي فإن فترات الراحة والترفيه محددة أيضًا، ومن ثَمَّ يصبح الانضباط الذاتي أمرًا قابلاً للتطبيق نتيجةً لفهم طبيعة النفس البشرية التي تمتثل إلى التقسيم العادل للوقت.
الرقابة الذاتية
يهدف الانضباط الذاتي إلى فرض رقابة لصيقة على الحيل الدفاعية الممثلة في اتباع الهوى والتنصل من الضغوط والمسؤوليات التي تفرضها الحياة العملية والاجتماعية للإنسان، وبالتالي على الإنسان الراشد والواعي أن يكون مستبصرًا بتلك الحيل وأن يخضعها إلى رقابة ذاتية صارمة تحد من حالات التهرُّب وتجبر الذات على الالتزام بكل ما هو مطلوب تنفيذه.
إن الشخص الواعي الذي يستطيع الانقسام على نفسه والنظر إلى ذاته من الخارج كوحدة منفصلة ليرى نفسه، من منظور علوي، بعين الرقيب يستطيع أن يحقق أهدافه بصورة أكثر دقة، وذلك يرجع لقدرته على جهاد نفسه، ومن ثَمَّ سهولة العودة إلى المسار الأصلي في حالة حدوث أية انحرافات لاإرادية نتيجة لعناصر خارجية أو داخلية.
وجدير بالذكر أن تطبيق ثنائية الثواب والعقاب بشكل ذاتي تمثل قمة النضج للشخص الواعي؛ حيث يكون مدركًا وملمًا تمامًا بمعاييره ومبادئه المرجعية، وعارفًا بمواضع الصواب والخطأ، ومن ثَمَّ يمكنه تحديد متى يُوَقِّع على نفسه عقابًا ملائمًا ومتى يكافئ ذاته بثواب جرَّاء نجاحه في تحقيق إحدى مهامه التي حددها لنفسه.
التقييم الدوري
إن التقييم الدوري للإنجازات المُحَقَّقَة والإخفاقات المخزية يُمَثِّل مؤشرًا مُهِمًا لمدى إتقان مهارة الانضباط الذاتي، وبالطبع يجب أن يقوم هذا التقييم على مقياس واضح بحيث يسهل قياس درجة النجاح أو الفشل. ويُعَدُّ التوصُّل إلى أسباب النجاح أو الفشل أمرًا ضروريًا لتحديد ملامح نموذج النجاح فيما يتعلق بمدى الالتزام؛ وذلك من أجل تدعيمه وتعزيزه والتركيز عليه، ومن ناحية أخرى لا تقل معرفة أسباب الفشل من حيث الأهمية؛ وذلك من أجل تجنبها لاحقًا.
إن التقييم الدوري يساعد على تشخيص الأداء بوضوح، وإدراك نقاط الضعف والقوة وما يستلزم ذلك من إجراءات مُحَسِّنَة ومُطَوِّرَة للأداء، ويؤدي كذلك إلى الوعى بمدى الرقابة الذاتية التي يفرضها الشخص على نفسه. وبطبيعة الحال، ينبغي أن يُوضَع في الاعتبار إجراء هذا التقييم في فترات متباعدة بالتساوي، مثل عطلة نهاية الأسبوع أو أول يوم في الشهر، وذلك من أجل الاستعداد لبداية جديدة واعية ووفقًا لخطة معدلة خالية من العيوب السابقة ومزودة بمزايا جديدة متسقة مع المميزات الحالية.
وهكذا يتضح لنا أن الانضباط الذاتي هو أحد العناصر المهمة في منظومة النجاح، وهو الأداة التي تساعد الشخص على الالتزام والانضباط بتنفيذ كل خطوات وإجراءات خطته ومشروعه. ولا شك أن هذه المهارة ستكون عاملاً فارقًا ونقطة تحول في معدل أداء أي إنسان يطمح إلى تحقيق المزيد من النجاحات في حياته العملية والاجتماعية.
أضف تعليق