كل يوم تظهر كمية كبيرة من الاكتشافات الجديدة تغير رأي العلم والعلماء عما مضى من التاريخ وعن أفكار كانوا قد اقتنعوا بها من قبل. من ضمن تلك الاكتشافات الجديدة هي ما يتم الكشف عنه في “الكهرمان راتنج” ما معنى هذه الكلمة؟ الراتنج هو مادة صمغية تفرز من بعض الأشجار للخارج فتلتقط كل ما يمسك بها وتتجمد مع الوقت قاتلة ما أمسكته، وفي نفس الوقت محتفظة بما أمسكته. أما الكهرمان فهو اسم يطلق على تلك الأحجار العضوية المتحجرة من نتائج هذه المادة الصبغية، وهو يختلف عن الأحجار الكريمة أو المعدنية في باطن الأرض لأنها بالأصل مواد عضوية نباتية متحجرة. وأغلب الوقت تحتفظ بداخلها بحشرة ما أو شيء معين بحالته السليمة التي مات عليها هذا الكائن غالباً قبل ألاف أو ملايين السنين، فيصير تحت الميكروسكوب وكأنه مجرد حشرة نائمة يستطيع العالم تشريحها واكتشاف أمور عن التاريخ من خلالها لم تكن ستكتشف قبلاً ولا بأي طريقة ممكنة. ومن ضمن هذه الاكتشافات الجديدة ما سأذكره لك اليوم عزيزي في مقالي هذا سيجعلك تغير بعض الأفكار التي كنت تقتنع بها.
اكتشافات جديدة ربما لم تسمع عنها غيرت الكثير من الآراء
“جوراسيك بارك” ما هو إلا نسج من الخيال
رواية أو أفلام “جوراسيك بارك” من أشهر أفلام هوليوود التي حققت أعلى المبيعات في السنوات الماضية والفكرة الأساسية هي تخيل أن العلماء استطاعوا أن يستخلصوا حمض نووي للدينوصورات التي عاشت منذ ملايين السنين من قطعة كهرمان وجدوها في إحدى الاستكشافات الجيولوجية. ومن ثم صنعوا حديقة كاملة تحتوي على الدينوصورات وسُمحت الزيارة للناس فتخرج الأمور عن السيطرة وينتصر الديناصور على الإنسان أو العكس حسب خيال القصة. تلك الفكرة الخيالية جعلت العلماء يقتنعون بأن من الممكن تحقيقها حقاً ولما لا فالتقنيات الحديثة لاستخلاص الحمض النووي قد تمكن العلماء بالفعل، ولكن الاكتشافات الجديدة من أحجار الكهرمان أثبتت أنه من المستحيل على العلماء استخلاص حمض نووي لبعوضة مجمدة بتلك الأحجار لم يزيد عمرها ال60 عام فكم بالأحرى قدرتهم على استخلاصها من ديناصور متجمد بتلك الطريقة عمره يزيد عن مليون عام. مع إن فكرة تحلل الحمض النووي للحيوان أو الحشرة الميتة يبقى محط التساؤلات وليس لدى العلماء تحديد صحيح لعمر التحلل. ففكرة قرب خلق ديناصور تريكس مرعب يجول المدن فكرة بعيدة المنال، ولن تكون قريبة في الوقت الحالي، ومصدرها بالتأكيد لن يكون الكهرمان.
طبيعة غريبة كشفتها الاكتشافات الجديدة على حجر كهرمان
في إحدى أندر أحجار الكهرمان تم ملاحظة وجود حشرة “ذبابة مايو” محفوظة بداخلها، ذبابة مايو هي ذبابة تعيش ليوم واحد فقط والبعض المحظوظ يعيش لأيام إضافية قليلة على حسب النوع، طولها لا يتعدى ال50 مللي متر بحد أقصى والأدنى هو 4 مللي مترات، فيصعب مراقبة طريقة حياتها والتعرف عليها. ما كان غريباً بتلك الحشرة هو وجود حشرة أخرى على ظهرها مستخدماً إياها كناقل أو متطفل عليها وتلك الحشرة كانت “قافزة بالذنب” وهي الأخرى نادرة وأصغر منها جداً في الحجم، ورؤية الاثنين معاً أمراً نادراً جداً لا يمكن ملاحظته في الحياة البرية العادية بالمراقبة، وعلاقتهم ببعض كمتطفل أو عائل ليست مشهورة أو معروفة. بعد عمل 300 صورة مقطعية بأشعة إكس تمكن العلماء من تكوين صورة ثلاثية الأبعاد عن الاثنين، والذي ظهر هو صورة وكأنها التقطت من 16 مليون عام لذبابة مايو أمسكت في الراتنج وعليها قافزة بالذنب كانت تحاول القفز تماماً مباشرة قبل موتها وتيبسا هو الاثنين هكذا، ليثبت للعلم أنه مازال لا يعرف الكثير.
اكتشافات جديدة عن الأكسجين الجوي قبل ملايين السنين
في عملية حفظ الكائنات الحية في أحجار الكهرمان يتم دخول بعض الأكسجين ويحبس بداخلها على شكل فقاعات بجانب الحشرة، وتم اكتشاف الكثير من الأحجار في أكثر من 16 مكان مختلف حول العالم يحتوي على فقاعات أكسجين. وتم دراسة تلك الفقاعات بعناية بأجهزة حديثة لقياس كمية الأكسجين بالنسبة إلى المناخ الجوي الذي كان موجود بذلك الزمن. وعمل العلماء جدول زمني لأقدم الأحجار مقابل نسبة الأكسجين بها مع أحدث الأحجار مقابل نسبتهم أيضاً. والأمر الذي تم استخلاصه هو أن الهواء الجوي الذي نعيش به اليوم يحتوي على أكسجين أقل بنسبة 14% عما كان عليه منذ 67 مليون سنة ماضية، وبدراسة وتتبع الأحجار الأحدث سنجد أن النسبة تنخفض بالتدريج في السنوات البعيدة ولكنها انخفضت فجأة بقدر أكبر في السنوات الأخيرة. التخمين العام لذلك النقص في الأكسجين الجوي هو لسببين: الأول تقدم الإنسان العلمي وأجهزته الحديثة والعوادم البشرية والتلوث وقطعه المستمر للأشجار هو ما يؤدي إلى ذلك التدهور، الأمر الثاني هو الدينوصورات التي كانت تعيش في ذلك الزمن والتي كانت تستهلك نسبة أكسجين عالية جداً مقارنة بنا نحن البشر بسبب كبر حجمها الذي يتعدى المباني الكبيرة لدينا اليوم، وبسبب عدم توفر هذه الكمية ماتت أغلبها لعدم توفر الأكسجين الكافي لجسمها. في كل الأحوال تلك الدراسة غير مطمئنة بالمرة بسبب حال البشر المتدهور المستمر وغير المحافظ على صلاحية كوكب الأرض.
كيف انقرضت الدينوصورات
الاعتقاد السائد لسبب انقراض الدينوصورات هو اصطدام نيزك كبير جداً بالأرض قبل 65 ميلون سنة مضت كان السبب في محو كل حياة على الأرض، مخلفاً وراءه الدمار وبعض الآثار البسيطة عن وجود تلك الحيوانات يوماً ما. أما الاكتشافات الجديدة مع أحجار الكهرمان أظهرت تفكيراً مختلف، فقد وجدوا قطعة من كهرمان يحتوي على حشرة الحصاد أو ما تسمى بأزيز الحقول لصوتها المميز وهي تشبه كثيراً ما نراه اليوم وعمرها يتعدى المئة مليون عام، وكان بعض العلماء يشكون بأن العناكب والتي تقرب من نفس الفصيلة الحصاد، استطاعت أن تعيش بعد كارثة انقراض الدينوصورات وذلك الاكتشاف هو من أكد لهم صحة الاعتقاد. بالتالي اضطر العلماء للرجوع ومناقشة نظرية النيزك أو محاولة اكتشاف كيف استطاعت تلك الأنواع من الاستمرار قبل وأثناء وبعد الحادثة المفجعة.
اكتشافات جديدة عن شبه الجزيرة الهندية
الأدلة الجيولوجية تقول إن شبه الجزيرة الهندية هي أساساً كانت قطعة من القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا) منذ 150 مليون عام، ومن ثم بفعل بعض الزلازل والهزات الأرضية انفصلت وأخذت تسير سنتيمترات قليلة كل فترة أعوام حتى التحمت بقارة أسيا قبل 50 مليون عام من الآن. فكان من المتوقع أن تكون أي اكتشافات جديدة في الكهرمان المكتشف في الهند عن تلك الفترة يكون له طابعه الخاص وحمضه النووي الخاص وتطوره الخاص لأن المنطقة لم يمسها عامل حيواني خارجي سوى قبل 50 مليون سنة على الأقل، ولكن الحقيقة ليست كذلك لأن الاكتشافات تشابهت مع أخرى مثلها في كلاً من أستراليا وغنيا الجديدة وأمريكا الاستوائية وأوروبا (700 من الحشرات المحفوظة وأخرى تحتوي على عناكب). مما جعل العلماء يحتاروا في فهم هذا الأمر، والاعتقاد الأغلب الآن هو ارتباط تلك المواقع المتشابهة في شيء ما مع بعضهم في زمن سابق أو أن النظرية الجيولوجية الأولى خاطئة، ولكن الأمر لم يفسر بعد.
النمل وأجداده
على مر السنوات الأخيرة تم اكتشاف كهرمان يحتوي على النمل في منطقتين فقط: أمريكا الشمالية وجنوب أسيا، هذا الأمر جعل العلماء يعتقدون أن النمل لم يوجد سوى في تلك المنطقتين وانتشروا من هناك وهذا قد يقول إن تلك المنطقتين مرتبطين بشكل ما. هذا الاعتقاد تم نفيه حين اكتشفوا حجر كهرمان أثيوبي يحتوي على نملة صغيرة عمرها 95 مليون سنة فأضاف ذلك الاكتشاف لغزاً جديداً عن كيفية تطور حشرة النمل ومن أين أتت بالأساس وانتشرت في كل بلاد العالم، كذلك هذا العمر يضمها إلى قائمة الناجين بأعجوبة من الكارثة التي حلت بالدينوصورات.
حبوب لقاح من 20 مليون سنة
تلك القدرة العجيبة على حفظ الأشياء كما هي في مادة الراتنج استطاعت أن تمسك نحلة كانت في مهمة جمع حبوب اللقاح من زهرة ولتلقيحه في زهرة أخرى، وحين تم حفظها داخل الحجر حفظت معها حبوب اللقاح المعلقة على أجنحتها، مما جعلها من أندر وأقيم الأحجار من ذلك النوع لأن نبات الذي كان بها دخل كواحد من ضمن خمسة نباتات باقية حتى الآن من ملايين السنين على طبيعته، ثانياً أثبتت أن التلقيح لم يكن أبداً صدفة بل كان من نتاج الطبيعة عن طريق ذلك النحل الصغير كما هو الحال عليه اليوم أيضاً.
أهم اكتشاف يباع في الأسواق
من أهم الاكتشافات الجديدة كانت حجر كهرمان يحتوي على ريش طيور، وجده عالم بالصدفة يباع في أسواق بورما على إنه حجر كريم ويصلح لكونه مجوهرات في عام 2005 فأحجار الكهرمان دائماً ما تكون عرضة لصناع المجوهرات فيقطعوها غير عالمين بمدى ما قد تحمله من تاريخ قديم جداً ومهم إن وضع بين الأيدي الصحيحة. ومنها قصة هذا الحجر الذي كان يحتوي على ريش يدل للوهلة الأولى على أنه ريش طيور، وتحت الأجهزة والاختبارات تأكد للعلماء أنه ريش لطير عاش قبل مئة ميلون سنة، كان لون الريش فضي غامق مائل إلى اللون البني، نوع الريش مع باقيا صغيرة من العظم والعضلات تؤكد أنه طائر من نوع غريب وقد يكون طائر من أنواع الدينوصورات المنقرضة، ومن الواضح للعيان أن الريش على طرف الحجر المقطوع أي أنه من المحتمل أن يكون احتوى على كثر من مجرد ريش أو حتى جناح الطائر بل الطائر كله، ولكن الجهل أضاع فرصة علمية كبيرة مع الأسف.
بقايا دينوصورات حقيقية
أي اكتشافات جديدة مرتبطة بالدينوصورات تكون مشوقة، في هذا المجال مذهلة بالفعل، لأن لا وجود لبقايا ريش قد يكون لنوع من الطيور هذه المرة بل هو بالفعل ريش لديناصور عاش منذ 80 مليون عام ولكنه ليس ديناصور طائر بل تركيب الريش يدل على أن عمله كان بهدف السباحة وليس الطيران، لا تستغرب عزيزي القارئ، فكون الريش أكثر تكيفاً مع السباحة أمر غير غريب، فحتى أيامنا هذه توجد بعد الكائنات البرمائية يحتوي جلدها على ريش يساعدها في الحياة تحت الماء وكذلك فوق الماء. ذلك الاكتشاف أتاح فرصة انفتاح العلماء لعالم جديد وأفكار جديدة عن الدينوصورات لم تكن موجودة من قبل، كذلك فكرة ألوان الدينوصورات العادية والموحدة المملة التي دائماً ما يتم تصوريهم به في الأفلام أصبحت من الماضين لأن هذا الريش الذي وجد في منطقة ألبرتا قدم أدلة أكيدة على كون بعض الدينوصورات كانت تحمل ألوان كثيرة جميلة وخلابة ومبهرة تماماً مثل بعض الكائنات الآن.
والخلاصة عزيزي القارئ أن من يقرأ العلم و الاكتشافات الجديدة يومياً سيذهل عن مدى فهمنا عن الماضي السحيق وتغير أراء العلماء باستمرار، وكل كلامي السابق لم يتعدى مجال أحجار الكهرمان فقط لا غير فما بالك بكل المجالات الجيولوجية والبيولوجية الأخرى؟! فقط طلب أخير من كل من قرأ هذا المقال، بأنه لو وجد حجر مثل تلك الأحجار يباع في الأسواق وكأنه مجرد جوهرة للزينة والتعليق على السلاسل الذهبية لاحتوائه على كائنات أشكالها خلابة، يفكر كثيراً قبل استخدامه بهذا الغرض لأنه أهم بكثير ويصلح أن يكون هدفاً للدراسة العلمية المكثفة التي قد ينتج عنها اكتشاف عبقري جديد.
أضف تعليق