واحدةٌ من المشاكل التي قد تواجه بعض الآباء مع أبنائهم هي الإهمال الدراسي الذي يبدر من طفلك، عندما كنا صغارًا في المدرسة اعتدنا أن تنقسم فصولنا ما بين فئة الأطفال المجتهدين وفئة الأطفال المهملين أو المتأخرين دراسيًا، وغالبًا ما حصلت الفئة المهملة على النبذ والازدراء من الطلاب المجتهدين وأحيانًا من بعض المعلمين، لكننا في ذلك الحين كنا أصغر من أن نتساءل عن سبب التأخر والإهمال الدراسي عند هؤلاء الطلاب وما الظروف التي يتعرضون لها وهل هو نوعٌ من الغباء يجعلهم متأخرين عن الآخرين كما كنا نعتقد أم أن الأمر بخلاف ذلك؟ كنا صغارًا فلم نتساءل لكن ربما حظي البعض منا في المستقبل بأطفالٍ لاحظ عليهم علامات الإهمال الدراسي عندها سيكون بحاجةٍ لرؤيةٍ أوسع.
الإهمال الدراسي : العلاجات الناجحة للمشكلة
علامات الإهمال الدراسي
قد يظهر الإهمال الدراسي على أحد أطفالك من بداية مشواره الدراسي ليستمر معه للنهاية أو يظهر فجأةً في منتصف أو نهاية مشواره الدراسي بعد أن اعتاد الاجتهاد والنجاح والتفوق ينقلب به الحال، أو في بعض الأطفال يظهر الإهمال الدراسي كحادثٍ عارضٍ لفترةٍ معينةٍ في حياة طفلك ثم يختفي ويعود بعدها مجتهدًا كما كان، كل ذلك ممكنٌ ووارد ولكل تلك الاحتمالات أسبابٌ وظروفٌ تؤدي إليها، أول ما ينتبه إليه الوالدان من إهمال طفلهما وما يلفت انتباههما هو درجاته المتدنية والمتأخرة عن أقرانه بعدها يبدآ بالانتباه لبقية العلامات، كعدم الالتفات لدراسته أو قضاء الوقت الكافي للاستذكار، النفور من المدرسة وتهربه منها والبدء في نسج الاعتراضات حول الذهاب، عدم اهتمامه بتدني درجاته وتأخره ونظرته اللامبالية لحدثٍ كهذا، كما أن حالته النفسية والاجتماعية يصيبها التغير لا محالة خاصةً أولئك الذين اعتادوا التفوق ثم أصيبوا بداء الإهمال.
التعامل الخاطئ مع حالات الإهمال الدراسي
بعض الآباء خاصةً المهتمين والناجحين في حياتهم الحالية ودراستهم سابقًا يصيبهم الاندهاش والسخط والغضب من تأخر ابنهم وإهماله ويصبحون أكثر عدوانيةً في التعامل والحديث مع ابنهم من منطلق أن الابن ليس لديه إلا مهمةٌ واحدة وهي الدراسة فلماذا يتخاذل عنها ولا يتقنها؟! ومن هنا تبدأ نيران الحرب بين الوالدين وابنهما المهمل تستعر ومن دون إدراكٍ يدفع الوالدان بابنهما في الطريق الخاطئ والمعاكس للطريق الذي يريدانه له ظنًا منهما أنهما يفعلان الشيء الصحيح، يلجأ بعض الآباء للمعاقبة العنيفة والقاسية سواءً البدنية أو أحيانًا النفسية بالحرمان أو الربط بين كل حياة الطفل وما يحبه وبين دراسته وجعل حياته كلها متوقفةً عليها، يتجاهل كذلك بعض الآباء محاولة أطفالهم للتبرير أو التحدث أو الدفاع عن أنفسهم باعتبارها أسبابًا تافهةً وواهية وغير جديرة بالمناقشة ولا تستحق أن يتأخر ابنهم دراسيًا لأجلها، لكنهم للأسف لا ينتبهون لكون الطفل مقتنعًا بأسبابه الخاصة تلك وسيظل مصرًا عليها طالما لم يجد التوجيه المناسب والنقاش المنطقي العاقل.
أسباب الإهمال الدراسي
يحتاج الأبوان لعلاج الإهمال الدراسي بالبداية بفهمه والبحث عن أسبابه وما دفع الطفل لطريقه، هناك عدة أسبابٍ قد تدفع الأطفال لهذا الطريق، منها البعض المرضي بسبب التأخر العقلي أو تدني مستوى الذكاء، لكن الغالبية العظمى منهم يصيبهم التأخر الدراسي بسبب ظروفٍ أحاطت بهم سواءً في البيت أو في المدرسة منعتهم من التحصيل الدراسي بشكلٍ مناسبٍ وصحيح، فالطفل يحتاج لبيئةٍ مناسبةٍ للنمو واللعب والدراسة وتطور واكتساب السلوكيات والمهارات، وتحتاج تلك الأشياء إلى الاهتمام والعناية وتوفيرها بالشكل الذي يحتاجه الطفل وعندما يبدأ الطفل في سلوكٍ غير الذي نتوقعه منه علينا أن نبدأ بالبحث عن الأسباب فينا وفيما نعطيه له قبل أن نلقي باللوم عليه.
بيئة البيت
البيت واحدٌ من أهم البيئات والظروف التي تساهم في التقدم أو الإهمال الدراسي عند طفلك، ولا يعني البيت الجدران والغرف وإنما يعني الأشخاص المتعايشين معه تحت نفس السقف والتعامل الذي يحظى به الطفل والتربية والتوعية التي يتلقاها، عادةً ما يعاني الطفل المهمل دراسيًا من نقصٍ في توفير البيت المناسب له بدايةً من أحوال البيت نفسه كالضوضاء والإزعاج وعدم الراحة ووجود خلافات مستعرة والضغط النفسي على الطفل بسبب الجو المشحون، وكذلك ألا يحظى الطفل بالوقت الكافي للراحة أو النوم أو يجد من يلبي احتياجاته أو لا يحظى بالغذاء المناسب، بالنسبة للأبوين فإن الجزء الأكبر يقع على عاتقهما في تلك المسئولية لأن للطفل احتياجاتٍ من أبويه كالرعاية والاهتمام المناسبين لسنه وشخصيته واحتياجه النفسي، يحتاج الطفل إلى الدعم والتشجيع والثناء عند القيام بالأمر الصحيح وتشجيعه على الاستمرار في ذلك الطريق، بينما إهمال الطفل سيؤدي إلى إهماله هو نفسه في واجباته ولن يكون من العدل حينها أن نلومه وحده.
بيئة المدرسة
المدرسة هي العامل الثاني المؤثر على الطفل وفي بعض مراحل الطفل الحياتية تصبح المدرسة حرفيًا بيته الثاني الذي يقضي فيه ما يقارب نصف يومه، وللأسف فإن كثيرًا من العوامل والظروف الخاطئة في المدرسة من حوله تدفع الطفل للدخول في دائرة الإهمال الدراسي ، إن حالة الطفل الاجتماعية في المدرسة من أهم العوامل المؤثرة على سلوكه وإنتاجه واختلاطه وتقدمه أو تأخره الدراسي، والحالة الاجتماعية تشمل موقعه وتعامله مع أقرانه وكذلك موقعه من أساتذته ومعلميه وطبيعة علاقته بهم، الطفل الذي يتعرض للنبذ أو الإهانة أو السخرية من زملائه وأقرانه غالبًا ما يميل للانطواء وفي حالاتٍ كثيرة يعود ذلك عليه بالتأخر والإهمال الدراسي، وتختلف أسباب نبذ أقرانه له سواءً كان بسبب أنه بدينٌ مثلًا أو ساذج يسهل خداعه أو هزيل وضعيف ويسهل التعدي عليه أو يعاني من مشكلةٍ أو عاهةٍ جسمانية فيشعر بالغرابة بينهم، كذلك فقد يحب الطفل معلميه فيجتهد لأجلهم وقد يحدث العكس فيتأخر بسبب كرهه لأحد المعلمين أو لمادة ذلك المعلم أو بسبب تعرضه للأذى النفسي أو البدني من بعض المعلمين فيكون ذلك رد فعله.
أسبابٌ أخرى للإهمال الدراسي
قد لا تكون الأسباب السابقة هي الوحيدة للإهمال الدراسي وغالبًا يعاني الصغار من تلك الأسباب أكثر ممن هم أكبر منهم سنًا كفترة المراهقة مثلًا، فيتحول الإهمال لدى الابن وينتج بسبب المشتتات وصحبة السوء والاهتمامات خارج المجال الدراسي مما يعني إهماله لدى البعض منهم، كذلك قد ينتج الإهمال من عوامل نفسية كتغيير الطفل لمكان إقامته ومدرسته أو حدوث شيءٍ كبيرٍ عارضٍ في حياته تسبب في التأثير السلبي على نفسيته عندها يتأخر دراسيًا بشكلٍ لا إرادي.
علاج الإهمال الدراسي
دائمًا ما يكمن العلاج في التخلص من المسببات، فحين يصيب طفلك الخمول والإهمال الدراسي فلا تلجأ للعقاب والتهديد والغضب والصراخ عليه لأن تلك الوسائل لم تثبت نفعها أو نتائجها المرجوة مع أي أبوين استخدماها قط، إهمال طفلك الدراسي هو جرس إنذارٍ يخبرك أن هناك شيئًا غير صحيحٍ في حياته ويحتاج إلى التروي والمراجعة والإصلاح، يحتاج طفلك إلى أن تجلس معه وتتحدثا طويلًا في ما يتسبب في إهماله ذلك، وأحيانًا لن يكون الطفل قادرًا على تحديد السبب كأن يخبرك بأن إهماله الدراسي ناتجٌ من الضغط النفسي الذي يسببه شجارك مع والدته طوال اليوم أمامه! قد لا يستوعب عقله الصغير ذلك لكن نفسه أكثر حساسيةً مما تعتقد، جد المسبب وعالجه ثم الجأ للمكافئة والتحبيب في الدراسة والتفوق وأعطه الاهتمام والثناء المناسبين ليجد محفزًا لنفسه يدفعه للتقدم.
إصلاح البيئة
قبل تعرض الطفل لطريق الإهمال الدراسي يمكن أن نتجنبه من بدايته ونجنب أطفالنا المرور بتلك التجربة لو أننا كنا أكثر تفتحًا وانتباهًا واهتمامًا بما نعرض الطفل له، ففي البيت علينا خلق البيئة الصحية نفسيًا وبدنيًا والمناسبة للأطفال ليس من أجلهم فحسب ولا من أجل دراستهم فقط وإنما من أجل صحتهم ونموهم بشكلٍ عام ومن أجل راحتنا وسعادتنا نحن الكبار مما سينعكس بالإيجاب على الأطفال، بعض الأطفال قد يتعرضون للمسببات التي سبق ذكرها في المدرسة ولا يشتكي أحدهم لوالديه أو لشخصٍ مسئول ويلجأ إلى الكبت والانطواء على نفسه وعلى ما يشعر به إزاء ما يتعرض له لذا فعلى الأبوين أن يسعيا لإيجاد تلك الأشياء ومتابعة ابنهم بشكلٍ مستمر والتحدث معه عن علاقته الاجتماعية في المدرسة مع زملائه وأساتذته للتأكد من سلامته ومن أنه في أيدي أمينة ويتلقى الرعاية والتعليم والعناية المناسبين له.
الإهمال الدراسي ليس نهاية الطريق
ينشأ الإهمال الدراسي لدى بعض الأطفال بسبب كونهم يحملون عقولًا وأحلامًا وخيالًا أكبر وأوسع من حصره في موادهم الدراسية التي لا تروقهم، يشعر الطفل بأنه مسجونٌ بين تلك المواد وغير قادرٍ على ممارسة ما يريده، بعض الأطفال لديهم من المواهب ما تؤهلهم ليصبحوا عظماء حقًا لكن الضغط الدراسي عليهم بدون تفهم أو إقناع سيؤدي بهم إلى دثر الموهبة والفشل الدراسي معًا فتفسد حياتهم، قبل أن تخبر طفلك بذلك عليك أن تقتنع أنت أولًا بأن الإهمال الدراسي والتفوق الدراسي ليسا مقاييس الحياة الوحيدة، وأن الإنسان الفاشل دراسيًا ليس محكومًا عليه بالسجن في دائرة الفشل مدى الحياة، عرفت بنفسي أشخاصًا صاحبهم الفشل الدراسي في طفولتهم لكنهم الآن أصبحوا من الناجحين بمواهبهم، إن كان طفلك من ذلك النوع فاعلم أن من حقه عليك أن يكون له معاملةٌ من نوعٍ خاص تتفهم فيها موهبته وتحتويها وتنميها وتشجعه على الاستمرار بها، وأن تغرس في طفلك اليقين والإيمان بنفسه وموهبته والثقة فيما يفعله وأنه إن أحبه واستمر فيه وطور من نفسه سيكون من العظماء.
ترسيخ المبادئ في الطفل
من أهم ما على الوالدين زرعه في طفلهما من صغره هو ترسيخ المبادئ والقيم فيه وتعليمه تحمل المسئولية واتخاذ القرارات والاختيارات الخاصة بحياته وتحمل عواقبها، والتحصيل الدراسي واحدٌ من تلك الأشياء رغم أن كثيرًا من الآباء ستنتابهم نوبة اعتراضٍ حادةٍ على توكيل الطفل القرار في التقدم أو الإهمال الدراسي، ولأجل ذلك يلجأ بعضهم لإجبار أطفالهم بالعقاب والتهديد والتخويف لكن هل آتت تلك الوسائل ثمارها معهم؟ الحقيقة هي أن الطفل يحتاج إلى أن يُعطى المساحة والصورة الكاملة المتكاملة لحياته المستقبلية في ضوء تفوقه أو إهماله، والاستماع إلى رأيه وتصوراته ومناقشته فيها والوصول معه بالعقل والمنطق والإقناع إلى الرؤية الصحيحة وطريق الصواب ثم جعله يتخذ بنفسه قرار اجتهاده الدراسي ليصبح في المستقبل ما يريد.
ابنك صديقك
الأطفال أشخاصٌ كاملون بذاتهم لكن في أجسادٍ صغيرة وهم بحاجةٍ في بعض الأحيان إلى تلقي المعاملة على هذا الأساس واعتبارهم كبارًا وناضجين لإعطائهم بعض الخبرات التي لا تأتي ولا نتعلم منها إلا بالتجربة فحسب، في بعض الأحيان حاول للحظاتٍ أن تنسى أنك أبٌ وأنه طفل وصادقه واستمع إليه كما تريده أن يستمع إليك، وكن ذكيًا في تربيتك وتلقينك له لا تجبره أبدًا ولا تتخذ قراراتٍ بالنيابة عنه وإنما خذه من يده ووجهه بهدوء لتجعله يختار طريقه الصحيح بنفسه في النهاية.