يعتبر تأثير الإعلام الحيادي أحد أهم العوامل المؤثرة في تشكيل الرأي العام تجاه القضايا المختلفة، فالإعلام المسموع والمرئي والمقروء كان ولا يزال وسيلة كثير من الحكومات والقوى السياسية المختلفة لإثبات قوتها ودورها المؤثر في المجتمع، لكن ذلك يؤثر دائمًا على الموضوعية والحيادية الواجب توافرها في الإعلام الحيادي ، كي يقوم بتوصيل رسالته المنوط به توجيهها للجمهور بطريقة موضوعية خالية من المجاملات والانحياز لصالح جهة معينة أو فصيل وتيار في الدولة له سياسات وتوجهات معينة يسعى من خلالها إلى خدمة أهدافه، لذا فإن التأثير السلبي للإعلام وعدم حياديته قد يجعل هناك عدم مصداقية من قبل الجمهور تجاه كافة الوسائل الإعلامية ليس على المدى القريب فقط، ولكن على المدى البعيد أيضًا، خاصة وأن تلك الصورة لابد و أن يتم تعديلها بحيث يكون هناك ثقة لدى الجمهور في كافة ما يتم بثه وأنه يحقق مصلحة الدولة في المقام الأول وليس مصلحة أفراد وتيارات معينة بالمجتمع، وبالتالي فإن كل من التأثير الإيجابي والسلبي للإعلام من الممكن أن يتم فرض أحدهما على ما يدور من أحداث وثورات وانتخابات كي يتم إقناع الجمهور بعدد من مزايا طرف على حساب طرف آخر، وهنا يفقد الإعلام الدور الذي تم إنشائه من أجله وهو الحياد.
استكشف هذه المقالة
الإعلام والمجتمع
علاقة الإعلام بالمجتمع علاقة وطيدة لدرجة أن كل منهما يؤثر مباشرة في الطرف الآخر، فهناك كثير من الأحداث الكبرى التي تحدث في المجتمع ويقوم الإعلام بتوجيهها إلى مسارات معينة، وهناك بعض الصحف والوسائل المرئية والمسموعة توجهها سياساتها التحريرية دون الالتزام بالحيادية المطلوبة في القضايا الكبرى بالمجتمع والتي لابد وأن يتم حينها التزام الموضوعية في عرض كافة وجهات النظر وجميع الأطراف في القضية كي يتم إتاحة الفرصة للجميع لعرض مبرراتهم وبالتالي مساندة الجمهور في تكوين آراءه بشكل سليم دون تحيز، لذا تهتم كثير من الأنظمة الحاكمة في عدد من الدول بالسيطرة على كبريات الصحف والقنوات التليفزيونية ومحطات الراديو ذات السيط الكبير كي يتم الترويج بشكل إيجابي لقرارات الحكومة وأفعالها وللقضاء تدريجيًا على سلبياتها، ويشير عدد كبير من أساتذة الإعلام إلى أن خضوع كافة الصحف والقنوات للسياسات التحريرية الخاصة بها هو ما يجعلها تكون بعيدة كل البعد عن الحيادية في تناول القضايا المختلفة، فمثلا الإعلام الحكومي يكون له ميول شديدة لقرارات الحكومة وإنجازاتها، في حين يقلل الإعلام المعارض من كافة خطواتها وسبل التنمية التي تسعى إلى تنفيذها.
فدور الإعلام الإيجابي تجاه المجتمع لابد أن يناقش كافة قضاياه بكل حيادية، من خلال عرض الإيجابيات وكذلك السلبيات لكن عن طريق طرح مجموعة من الحلول لقضايا المجتمع كي يساعد الإعلام القيادات الحكومية في تحقيق معدلات التنمية المستهدفة والقضاء على السلبيات الموجودة لديه، وهو ما دفع البعض للمطالبة لضرورة خلق بيئة إعلامية بالدولة تكون قادرة على نشر الإيجابيات خاصة وأن الإعلام لديه القدرة على الانتشار عالميًا بصورة سريعة، لذا بات من الضروري تصدير صورة إيجابية تحمل كافة معاني الأمان والرقي بالمجتمع وخلق رأي عام مستنير بالدولة كي يشارك أفراد الوطن في مختلف قضايا المجتمع بحلول ومقترحات تزيد من الإيجابية بالمجتمع وليس العكس.
الإعلام الحيادي المطلق : هل هو موجود حقًا؟
كثيرًا ما يتساءل البعض عن حقيقة وجود حياد مطلق في الإعلام، لكن الحقيقة توضح صعوبة تحقيق ذلك، فهناك كثير من الصحفيين والإعلاميين الذين ينحازوا إلى مواقف وأحداث تدور في المجتمع وهو ما يجعلهم يتبنون مواقف واضحة وآراء شخصية تعبر عن انحيازهم وعدم حيدتهم، وبالتالي فهؤلاء يؤثرون تأثيرًا سلبيًا على المجتمع باعتبارهم لا يعرضون كافة وجهات النظر تجاه مختلف قضايا المجتمع، كما أن كثير من الإعلاميين ينحرفون عن النص الحيادي من خلال عدم استضافتهم جميع أطراف القضية وقت مناقشة قضية معينة تؤرق المجتمع وهو ما يجعل الجمهور مغيب عن الحقيقة، ويتنافى ذلك مع ما ذكرته كثير من كتب الإعلام التي حذرت الإعلاميين والصحفيين من دمج آرائهم الشخصية مع المحتوى الإخباري أثناء عرض موضوعات معينة، فالإعلامي لا يجب أن يعبر عن توجهاته نحو أية قضية أو انحيازه لمرشح انتخابي دون غيره، فالعمل الإعلامي يشير إليه البعض بأنه أحد الأعمال التي لابد وأن تكون مجردة من الآراء والمواقف الشخصية، لذا هناك حتمية بأن يستمر الإعلامي في محاولات فرض الحيادية بحلقات برنامجه.
ورغم أن هناك كثير من البرامج التي تقوم على مدى قوة وتأثير الإعلامي في تحليل وتفسير الأحداث المجتمعية إلا أن ذلك لا يمنعه من ضرورة التزامه بالنسق الحيادي في توجيه الجمهور نحو قضايا المجتمع، فقد يتسبب انحياز قناة أو جريدة ما إلى مرشح انتخابي أو أحداث معينة في الدولة إلى إقناع شريحة كبيرة بالمجتمع إلى توجه هذه القناة وبالتالي الانسياق وراء هذه الحملة الغير حيادية وهو ما يفقد الإعلام دوره الرئيسي في تنوير المجتمع والالتزام بالحيادية لخلق بيئة ديمقراطية قادرة على تحقيق التنمية المجتمعية المستهدفة بالدولة من خلال الاعتماد على إعلام الدولة الهادف والقادر على إرسال صور إيجابية عن مجتمعاتنا للدول الأجنبية، وهو ما يزيد من مكانتها ودورها الريادي في المنطقة من خلال محور واحد وهو الإعلام الحيادي التنويري.
معايير الحياد
السياسات التحريرية
تعد واحدة من أهم وأبرز المعايير المتحكمة في الحياد الإعلامي هي السياسات التحريرية للمؤسسات الصحفية والقنوات التليفزيونية، فسياسة القناة في نقل الأحداث والالتزام بالتعبير عن كل ما يحدث بموضوعية يعد عنصرًا مؤثرًا في تشكيل توجهات الرأي العام بوضوح وإيجابية، أما السياسات التحريرية لوسائل الإعلام المنحازة تشكل توجهات بعيدة كل البعض عن الموضوعية في نقل الأحداث المجتمعية، فمثلا قد يقوم المصور الصحفي بتصوير زوايا معينة من الأحداث والتي قد تكون عكس واقع تلك الأحداث، ويتم تنفيذ ذلك رضوخًا للسياسات التحريرية بغض النظر عن الالتزام المهني والموضوعية.
نقل الواقع
يقول كثير من خبراء الإعلام الحيادي ، أن نقل الواقع كما هو في حالة وقوع أحداث مجتمعية مؤثرة قد يكون الحل الأفضل للوصول إلى الحيادية والموضوعية، أما محاولة تنفيذ السياسات التحريرية الموجهة لصالح جهة معينة أو فصيل معين سيؤدي إلى خلق تيار مجتمعي لديه فكره غير صحيحة عما يحدث بالمجتمع، وهو ما يؤدي إلى تشوه الوعي لدى الجمهور حول سياسة ومستقبل الدولة وما يدور بها، وقد يكون الانحياز لرأي أو مؤسسة معينة بسبب تأثير رأس المال أو الإعلانات الممولة التي تتحكم بشدة في سياسات المؤسسات الإعلامية.
منبر للتعددية
التعددية في نقل الآراء المعبرة عن أحداث المجتمع، بكل وضوح من خلال ممثلين لكافة طوائف المجتمع تسهم بشكل كبير في عرض مختلف زوايا القضية المجتمعية وهو ما يتيح للجمهور تحديد توجهاته ووجهة نظره المبنية على أساس إدراك كافة ما يدور حوله استنادًا إلى الآراء والتحليلات التي قام بتفسيرها ممثلي التيارات المختلفة بالدولة، وتلعب التعددية في الآراء دورًا في زيادة ثقة الجمهور بالمؤسسة الإعلامية نظرًا لعدم اعتمادها على نخبة معينة في تفسير الأحداث وبالتالي خلق تيار وتوجه واحد في المجتمع دون عرض كافة زوايا ومحاور القضايا المختلفة على الجمهور، فالإعلام كما يقول كثير من الخبراء إنه منبر خاص للتعددية في تناول قضايا المجتمع وليس وسيلة لإخفاء أحد زواياها ولو بطريقة سرية.
أضف تعليق