اضطراب الشخصية الوسواسية أو ما يطلق عليه اختصارًا OCPD، واحد من أهم الأمراض النفسية التي وضع لها العلماء مسمى ولا ريب أنك قابلت شخص مصاب بهذا المرض في وقت من الأوقات في حياتك ونحن لسنا في مقام الحديث عن المرض بالتفصيل أو تشخيصه لأن هذه مهنة الأطباء بالطبع والاختصاصيين النفسيين، كما أن كل حالة قد تكون مختلفة عن الأخرى ولكننا الآن نتحدث عن شخص وجد نفسه في علاقة مع شخص يعاني من اضطراب الشخصية الوسواسية فكيف سيتصرف في هذه الحالة؟ هذا ما سنتحدث عنه في السطور التالية من هذا المقال، ولإدراك أنك وقعت في الحب مع شخص مصاب باضطراب الشخصية الوسواسية سنتحدث عن الأعراض العامة لهذا المرض النفسي المنتشر.
استكشف هذه المقالة
التطرف في السعي وراء المثالية
يعاني المصابون باضطراب الشخصية الوسواسية من التطرف في طلب الكمال، لا يقبلون بالخلل البسيط ولا يستوعبون أن ما من شيء كامل في الحياة وأن أي شيء مهما بحثت فيه ستجد فيه بعض العيوب ولو كانت غير ملحوظة ولكنك ستجدها وهم لا يرغبون في ذلك بل يرغبون في اكتمال كل شيء، مثلا على مستوى الأشخاص من حولهم فهم يرغبون ألا يخطئون أبدًا بل أن يفعلون الصواب فقط لا غير وغير متاح لهم أي مجال للخطأ، وأن يفعلون كل شيء بشكل نموذجي مثالي غير قابل ولو لخلل صغير، على مستوى الأشياء التي يقومون بها يجب أن يقومون بحل كامل الامتحان يجب أن يلمون بكافة أوجه المادة يجب أن يأتون بالدرجات النهائية، غير مسموح بغير ذلك، وغيرها الكثير والكثير من الأمثلة لذلك هناك أزمة كبيرة في التعامل مع الأشخاص الذين يعانون هذا المرض، خصوصًا من يدخلون معهم في علاقة عاطفية لأنهم يفاجئون بأنهم بصدد الركض في مضمار الوصول لعلاقة مثالية تمامًا، وأي مثالية؟ مثالية مناسبة فقط للتصور الذي في ذهن الطرف الآخر عن المثالية.
الانتظام الهستيري
هناك أزمة كبيرة يعاني منها المصابون باضطراب الشخصية الوسواسية من هستيريا الانتظام، يعشقون النظام لدرجة تجعلهم يتقززون من أي عشوائية، إنهم يطمحون إلى التحول إلى آلات إن لزم الأمر كل شيء لديهم بحساب وكل شيء لديهم موزون وبدقة وما من وسيلة لترك الأمر للظروف وما من مجال للارتجال، بالطبع النظام شيء عظيم ورائع ويعمل على التيسير على الإنسان والتسهيل عليه، ولكننا لسنا ماكينات تعمل بهذا الشكل الديناميكي المرهق، وليس مرهق لهم فحسب بل مرهق لكل من يتعامل معهم، لذلك إن كنت في علاقة مع شخص يعاني اضطراب الشخصية الوسواسية عليك أن تنتبه إن رأيت مثل هذه الأعراض لأنك غالبا في علاقة مع مريض نفسي.
الاهتمام المرضي بالتفاصيل
من الأمور التي تضايق أي شخص هو التعامل مع شص لديه هو الاهتمام بالتفصيل، بالطبع النظر بصورة سطحية من الأمور التي لا يحبها أحد ولكن هناك اهتمام مرضي بالتفاصيل يعاني منه المصابون بمرض اضطراب الشخصية الوسواسية حيث مثلا على سبيل المثال عندما تنظر نظرة معينة بعيدًا فلابد أن لهذه النظرة مغزى، تنهيدتك في لحظة معينة من حديثه، لم اخترت التنهد في مثل هذه اللحظة بالذات؟ وما هي الرسالة التي تود توصيلها من ورائها؟ إذا كنت تتحدث وخانك التعبير في لفظ ما، غير مسموح لك بالأسف لأنه غير مقنع، سيتم الإمساك في هذه الكلمة ومطالبتك بتفسير مقنع حول سر اختيارك لهذه الكلمة بالذات، ولن يكون مقنعًا أبدًا أن تقول أنه لم يكن هناك أي سر، لا يوجد أمور مثل هذه، لم ترتدي اللون الأصفر اليوم؟ لم تحت عينيك هالات سوداء؟ لم سهرت وأصبح تحت عينيك هالات سوداء؟ ما الذي أطار النوم من عينيك؟ اهتمام بتفاصيل صغيرة جدا وتهويلها وجعلها أمور عظيمة وهي قد تكون أمور تافهة ليس لها أي قيمة على الإطلاق أصلا، نحتاج إلى أن نكون أكثر بساطة في التعامل وأقل تعقيدًا بكثير.
حب السيطرة
لا يهوى الشخص المصاب باضطراب الشخصية الوسواسية بحب السيطرة أو التسلط في المطلق لأن هذه نقطة أخرى ولكنه يهوى السيطرة في بيئته سواء كانت بيئة معيشية كالمنزل أو بيئة عملية كالعمل فهو يهوى أن يكون المنزل كما يحب بالضبط لذلك يحب السيطرة على من يعيشون معه رغبة منه في إفهامهم كيف يعيشون بشكل مثالي خالي من الأخطاء وبدون عشوائية أو فوضوية ولا ينبغي أن يترك الأمور هكذا لأنه بهذا الشكل سوف يتحول محيطه إلى محيط من الفوضى وعدم النظام التي يكرهها، لذلك من الأعراض التي يعاني منها المصابون بالمرض والذي في علاقة مع المصابين بالمرض أن يكون هناك حب للسيطرة على الأشخاص الذين في محيطهم خوفًا من إفساد الأمور.
الرغبة في المزيد من العمل
يجد الشخص الذي يعاني من اضطراب الشخصية الوسواسية نفسه لديه الرغبة في المزيد من العمل ويعاني من بعض البخل أيضًا، والرغبة في المزيد من العمل نابعة من كونه على الدوام يشعر بأن الوقت ينفد منه ولا وسيلة لإرجاعه مرة أخرى ولم يتبق الكثير من الوقت لإنجاز المهمات التي في يديه، والتي ينبغي أن ينجزها بدون نقصان وبمنتهى المثالية بالطبع حد التطرف ولذلك هو يصاب بالقلق الدائم بسبب سريان الوقت وإنجاز القليل من الأعمال ولذلك هو شاعر بالتوتر وهذا الشعور يضفيه على كل من حوله فطبيعي أن يجعل من يتعامل مع متوترًا أيضًا وقلقا باستمرار ولا سبيل عنده للراحة أو الاسترخاء، من الصعب أن يأخذ المصابون بالمرض فرصة للاستراحة أو الاسترخاء، بل هم شعلة من العمل المضني والذي يكون ويا للأسف عديم الجدوى في كثير من الأحيان؟ والسبب هو الآتي.
الرغبة في تنظيم الأمور بشكل مثالي والإعداد
يستهلك الشخص المصاب باضطراب الشخصية الوسواسية معظم وقته ومجهوده في الإعداد للأمور لصالح فعل الشيء نفسه أي أنه يمكن أن يهتم بالمظهر على حساب جوهر المهمة ثم يعود ويصاب بالقلق الذي يأتيه بسبب شعوره بمرور الكثير من الوقت دون إنجاز أي شيء يذكر فيضطر إلى المزيد من العمل دون رغبة في الاسترخاء أو أخذ استراحة، فمثلا قد يأخذون وقتًا كبيرًا في إعداد جدول زمني للمذاكرة، واستغراق معظم الوقت والمجهود في إخراج هذا الجدول بأفضل صورة ممكنة ولكن المذاكرة الحقيقية تأتي في مرحلة متأخرة ليجد بعد فترة أنه أعد جيدًا للمذاكرة ولكن دون مذاكرة حقيقية وهذا ما يجعله دائمًا متأزمًا ومهمومًا وشاعر بنفاد الوقت وعدم الإنجاز.
الشخصية الوسواسية القلقة
يتقاطع مرض اضطراب الشخصية الوسواسية مع عدة أمراض مشابهة أبرزها مرض الشخصية الوسواسية القلقة ومرض الشخصية الوسواسية القهرية أما عن الشخصية الوسواسية القلقة فمن أعراض هذا المرض القلق بشأن المستقبل والقلق بشأن الأمور العملية والحياتية بشكل عام وتغلب النظرة التشاؤمية على المصابين بهذا المرض وهذا يجعلهم معرضين للإصابة بأمراض عضوية مثل انهيار الأعصاب أو الأزمات القلبية أو غيرها، وتضاف إلى ذلك الشعور العام بعدم الإنجاز أيضًا والتفاني في العمل والتمسك الشديد بالمبادئ والخلق والضمير الحي المتيقظ لدرجة مرضية ولدرجة تقديس الروتين واللوائح والمنظومات المهنية بشكل عام.
اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية
الشخصية الوسواسية القهرية أو اضطراب الوسواس القهري هو مرض أعراض أكثر منه صفات ويكاد يكون مرحلة متقدمة من اضطراب الشخصية الوسواسية وعلاجه أقل سهولة، والشخصية الوسواسية القاهرة عادة تكون مصابة بفكرة تسيطر على رأسها حتى تجعلها ترى الدنيا كلها من منظورها وتجعلها موسوسة بشكل قهري تجاهها وقد تتباين خطورة هذه الفكرة فهناك من هو موسوس تجاه النظافة وهناك من هو موسوس تجاه أن أحد الأشخاص يتعقبه ويطارده وهناك من هو موسوس تجاه أنه لا يوجد من يحبه ويهتم به وغيرها من الأمور.
الشخصية الوسواسية وكيفية التعامل معها
الدخول في علاقة مع شخص لديه اضطراب الشخصية الوسواسية من الأمور الصعبة ولكنك بالخيار إما تركه ومصيره وإما مساعدته لكي يصبح شخص أفضل ويتعافى من هذا المرض النفسي، وإن قمت بتركه فلن يلومك أحد، فمن يصبر على علاقة مع مريض نفسي، أما في حالة الوقوف بجانبه ومساعدته فإليك أبرز الإرشادات للتعامل معه.
الوعي بأنه مريض
أولى خطوات العلاج أن يفهم الشخص المصاب باضطراب الشخصية الوسواسية أنه مريض كونه يرى نفسه هو السوي والصحيح والباقون هم الأشخاص المختلون فلا ريب أن هذا الشخص من الصعوبة التعامل معه وبالتالي يجب عليك الهروب منه مباشرة ولا ينبغي انتظار أمل منه، الوعي بأنه مريض أولا ثم بعد ذلك يأتي التعامل، أما معاملته بكل هذه الصفات التي ذكرناها على أنه إنسان سوي فهذه من الأمور التي لا يقبلها أحد.
عدم مسايرته في أي شيء
مقاومة الشخص المريض بالطبع ليست في صالحه في كل الأحوال ولكن ينبغي عليك ألا تسايره في كل شيء أو توافقه لأنه بذلك سيتأكد لديه أنه على صواب بدليل موافقتك له، الحقيقة لا ينبغي التضحية على الإطلاق من أجل شخص مريض لن يقدر حتى تضحيتك من أجله وسيراها حق مكتسب، لذلك قلنا وعيه بمرضه قبل أي شيء.
عدم الخضوع لرغباته التحكمية أو سيطرته
التفهم التام لأن الخضوع لرغباته وسيطرته أمر مرفوض بالطبع لأنه بذلك سيثبت على أسلوبه ولن يتزحزح عنه، وسيراه أمر واجب منك لذلك عليك بالتخلي عن أي ابتزاز عاطفي يقوم به يجعلك عرضة لسيطرته وتسلطه.
الشخصية الوسواسية والزواج
إذا كنا نقول أن التضحية تجاه شخص لديه اضطراب الشخصية الوسواسية والبقاء بجواره أثناء الارتباط وهو مريض أمر غير مستحب وغير محمود من الأساس فمن باب أولى أن يكون الزواج من شخص لديه هذا المرض كارثي ولا يمكن أن يكون مقبولا في أي سياق ولنتخيل معًا شخصية مصابة بهذا المرض كيف ستتحمل مسئولية بيت مبنية على التشارك والتكافل والسكن والمودة؟ كيف سيكون لديه أطفال وكم سيتعذبون مع تسلطه وتحكماته وهواجسه ووساوسه الغريبة، لا ريب أن الخوف على الأطفال أمر مفهوم لأنهم لن يسلمون نفسيًا من تربيتهم بواسطة شخص بهذا الشكل، لذلك لا يمكن الزواج بشخص مثل هذا إلا بعد التعافي تمامًا وبالمناسبة هناك طرق عدة لعلاج هذا المرض، وهو ليس بعيب أو بأزمة والعديد من الناس يصابون به، الأهم كما قلنا هو الوعي به كمرض أصلا.
خاتمة
اضطراب الشخصية الوسواسية مرض يأتي لشخصين من كل ثماني أفراد وهو ليس بمرض بعيد على الناس وبالتالي لا يجب إغفاله أو التعايش معه لذلك إذا وضعتك ظروفك في علاقة مع شخص مصاب بهذا المروض فلا ينبغي أن تتعايش معه واسع لأن يتعالج منه قبل أي شيء.
أضف تعليق