اضطراب الشخصية الارتيابية يندرج تحت المجموعة (أ) في تصنيف اضطرابات الشخصية، وتعرف تلك المجموعة بذات الطابع الغريب، وتحتوي هذه المجموعة على ثلاثة اضطرابات هي: الارتيابية، الانعزالية، الفصامية، فيعاني المرضى من انعدام العلاقات المقربة، والتشوهات المعرفية، وغرابة السلوك، ويتشابه مرضى هذه المجموعة مع مرضى فصام الشخصية، لكنهم يميلون أكثر للتمسك بالواقع، ويمثل المصابون باضطرابات المجموعة (أ) نسبة 2.3% و4.4% من عدد السكان، ونسبة الإصابة في الذكور أعلى من النساء. تعرف الشخصية في علم النفس بأنها مجموعة من الصفات أو العادات السلوكية والعقلية الثابتة، وهي المسؤولة عن الاختلافات الفردية بين البشر، وعادة يواجه المصابين باضطرابات الشخصية الكثير من الصعوبات في الإدراك والسيطرة على التصرفات، وتمثل اضطرابات الشخصية حوالي 40-60% من المرضى النفسيين، فتعد بذلك أكثر الأمراض النفسية شيوعا، فنقدم في هذا المقال تعريفا لمرض اضطراب الشخصية الارتيابية وكيفية علاجه وتشخيصه.
استكشف هذه المقالة
اضطراب الشخصية المرتابة
من الطبيعي أن يشعر الإنسان أحيانًا بالريبة في من حوله، لكن المصابون بمرض اضطراب الشخصية الارتيابية يرتابون دون وجود أدلة أو أسباب مقنعة لذلك، فيشعرون دائما أن من حولهم يكنون لهم الحقد والكراهية ويفكرون في إلحاق الأذى بهم، ويفترضون دوما رغبة الناس في استغلالهم وخداعهم، وبالتالي يفقد المصاب المصداقية في غيره ويجد صعوبة في بناء العلاقات في دائرته الصغيرة، ويضع كل علاقاته دائما تحت التهديد وعرضة للفشل، فقد يقوم الزوج بالتجسس على زوجته ومراقبة هاتفها والعودة من العمل فجأة والنوم بعدها وتركيب الأقفال للأبواب وعدم السماح لها بالخروج دون أن يصاحبها، وقد يبدأ في إيذاء زوجته لإجبارها على الاعتراف بخيانتها له، والرجل أو المرأة المصابين بالمرض قد يبدؤون أسوياء جدا، حتى تقترب منه وتصبح في دائرته المقربة لتكتشف جحيم الشكوك غير المبررة لذلك فعلى الأغلب تتحطم العلاقات الزوجية للمرضى وتتفكك الأسرة ويتعرض الأطفال لاضطرابات نفسية مما يعني الأذى لكل من يتعامل مع مصابي اضطراب الشخصية الارتيابية .
أعراض اضطراب الشخصية الارتيابية
الشك المكرر غير المبرر في الآخرين، والشك الدائم في وفائهم، مع عدم وجود أسباب أو دلائل، يتعامل مع كل تصرفات الآخرين الطبيعية كأنها تهديد خفي أو إهانة مبطنة، وبناء على ذلك يقوم برد فعل عنيف وغاضب تجاههم، الميل الشديد للاستقلال والاكتفاء الذاتي، والميل للغموض وعدم الإفصاح عن حياتهم خوفا من الاستغلال، العدوانية والهجوم وعدم تقبل النقد، ولا يسامح ولا ينسى الإهانة مع الإفراط في الحساسية، يلجأون إلى الإسقاط أي يرون في غيرهم عيوب نفسهم، سريعو الثأر ويصعب عليهم الاسترخاء، يرون أنفسهم دائما في دور الضحية ويستبعدون أن يكون لهم يد في المشاكل، ويميلون للتحكم والغيرة في علاقاتهم مع الجنس الآخر، لا يتأثرون بالتبريرات المنطقية لتصرفات الغير، بل يستنبطون أمورا غريبة من الحديث العادي ويرى من تصرفات من حوله ما لا يراه غيره، وتلك الأعراض تكون تجاه كل الناس إلا أن نصيب البعض يزيد عن الآخر مثل الزوج والأبناء والأهل.
أسباب اضطراب الشخصية الارتيابية
حتى اليوم لا توجد أسباب واضحة وصريحة للإصابة بهذا الاضطراب، ومازال البحث جاريا من قبل المختصين، لكنهم يرجحون وجود عامل جيني، واجتماعي أي نشأة الفرد في طفولته، وصفاته المكتسبة من حوله، وتشير بعض الأبحاث إلى إمكانية نقل الاضطراب وراثيا، وإصابة الأطفال به، وتلعب الصدمات العاطفية والجسدية دورا مهما في الإصابة بذلك الاضطراب، والضغط الأسري ونفوذها يسبب نزع الأمان من الطفل مما يرفع احتمالية اضطرابهم.
مضاعفات اضطراب الشخصية الارتيابية
قد تتضاعف الشكوك لدى المصاب وتصل إلى خوض المعارك القانونية ضد الأفراد لاعتقاده المستمر بأنه مستهدف وخوفا من الأذى. يستمر الاضطراب مدى الحياة في الأغلب، وقد يتمكن بعض المصابون من الزواج والحفاظ على العمل، ويفشل البعض الآخر في ذلك لرفضهم العلاج، فتكون المحصلة سيئة.
التشخيص
كعادة اضطرابات الشخصية، يحتاج التشخيص إلى المتابعة لفترة طويلة وسلوك نمط معين خلال ذلك، ولا يتم التشخيص قبل البلوغ بسبب تغير الشخصية ونضجها، ويتطلب وجود الأعراض لمدة عام كامل على الأقل، وللأسف، قد يسقط تشخيص المرض عند وجود اضطراب آخر عند المريض، مما يعني صعوبة العلاج.
العلاج
يعتمد علاج اضطراب الشخصية الارتيابية على العلاج النفسي طويل الأمد مع معالج نفسي متمرس في هذا النوع من الأمراض، وقد يصف المعالج بعض العقاقير لمواجهة بعض الأعراض المثبطة للعزيمة، لكن لسوء الحظ تعد نسبة نجاح العلاج قليلة، فالعلاج بشكل أساسي يستوجب ثقة المريض في المعالج، الإشكالية هنا أن المريض يفتقد قدرته على الثقة في الناس فلا يثق في طبيبه، وتشتد الأعراض وتبلغ ذروتها في سن الأربعينات أو الخمسينات، لكن الأمر السار أن العلاج من الممكن أن يعلم الأشخاص كيفية التعامل مع اضطرابهم، وكمعظم الاضطرابات الشخصية، تخف حدة المرض بالتقدم في العمر.
سمات الشخصية في علم النفس
تختلف مفاهيم الشخصية، فإنه يمكن افتراض بعض السمات المشتركة في كل الشخصيات تبعا لطبيعة النفس البشرية، وتلك السمات هي:
- التكافل: أن تكون عناصر تكوين الشخصية منسجمة ومتناسقة.
- الدينامية: أن تكون الشخصية متفاعلة بين العناصر الشخصية، ونموها المستمر.
- التكيف: التعامل مع البيئة المحيطة والتكيف معها، فللعوامل البيئية دورا هاما في تكوين الشخصية.
- التمايز: الطابع المستقل والمتميز لكل شخص.
- الثبات النسبي: بعض الصفات تحتاج إلى الثبات بما لا يتعارض مع الدينامية، مثل: الذكاء، والخبرات، والمهارات المكتسبة.
العوامل المؤثرة في تكوين الشخصية
الوراثة: يكتسب الإنسان بعض الصفات بالوراثة من والديه، مثل: الدعابة أو الجدية.
الأسرة: تلعب الأسرة والتربية دورا مهما في النمو النفسي للطفل، وتأثر في مشاعره وإدراكه وسلوكه وتفكيره، مما يؤثر ذلك في تشكيل الشخصية، وكلما زاد استقرار الأسرة زاد شعور الأمان والثقة لدى الطفل.
الخلقة: أثبتت الدراسات أن الدماغ يحتوي على المراكز الحيوية المسؤولة عن المشاعر والأفكار، مما يكون الشخصية تبعا لتلك المراكز ونشاطها.
الثقافة والمجتمع: المعلومات والمعرفة تؤثر في شخصية الفرد وتتحكم في استجابته لمدى المؤثرات حوله، والعادات والتقاليد كذلك.
الشخصية الشكاكة في علم النفس
يتناول علم النفس الدراسة العلمية لتصرفات الإنسان، وسلوكه، وتوافقه مع البيئة المحيطة، والشخصية هي الأثر والتأثير الذي يتركه الشخص في من حوله، وهي صيغة منظمة بشكل نسبي لنماذج السلوك والاتجاهات والقيم.
تتميز الشخصية الشكاكة بارتفاع نسبة مادة الدوبامين وهي إحدى النواقل العصبية في الدماغ، وتفكر بشكل طفولي، فالأمور عنده إما بيضاء إما سوداء، ويتعرض للقسوة والحرمان العاطفي في الطفولة، فتلك المسببات تؤدي لتولد مشاعر العند والتحدي والخوف والشك وانعدام الأمان، مما يسبب الحذر الشديد والتوجس من الآخرين والشك المرضي، وللتعامل مع الشخصية الشكاكة، يجب الحرص على الصراحة والصدق في الأقوال والأفعال والحذر في انتقاء الألفاظ أثناء الاعتذار وتجنب المناقشة أو الجدال أمام الآخرين واللطف في التعامل وعدم التعامل مع شكوكه بعنف أو توبيخ، واحترامه وتقديره والعطف عليه، ويجب الأخذ في الاعتبار أن الشك المرضي يختلف عن اضطراب الشخصية الارتيابية فالشك المرضي لا ينمو من الطفولة عكس اضطراب الشخصية، ولا يشمل كل نواحي الحياة ولا كل الناس، بل يعتمد على فكرة بعينها يجزم الاعتقاد بها، فتصبح تلك الفكرة هي شغله الشاغل، ويسعى دائما لإثباته بجميع الأدلة والبراهين.
يُلاحظ دائما أن اضطرابات الشخصية بمختلف أنواعها تعتمد بشكل ما على الأسرة وظروف التنشئة، لذلك على الأهل مراعاة ذلك والحرص على استقرار الأسرة وتربية الأبناء تربية سليمة سوية واستشارة الأطباء والأخصائيين النفسيين لمعرفة كيفية التربية السليمة، وعدم التأخر في عرض أبنائهم على المختصين عند ملاحظة أي أعراض تشير لإصابتهم بمرض اضطراب الشخصية الارتيابية أو أي اضطراب غيره.
أضف تعليق