ربما تأتي معرفة الدول العربية بقصة استقلال جنوب أفريقيا من مباريات كرة القدم ودروس التاريخ التي تلقاها البعض في أعمار مبكرة خلال الدراسة، خصوصا في دول شمال أفريقيا. لذا فأن معرفتنا كعرب عن تاريخ جنوب أفريقيا منتقصة بعض الشيء، فجمهورية جنوب أفريقيا كما يعرف الجميع هي دولة جمهورية تقع في أقصى جنوب القارة الأفريقية، وبالإضافة للتقدم الكبير الذي تتوسع فيه جنوب أفريقيا، فأنها أحد أكثر الدول المتعددة الأعراق في العالم، فبجانب أغلبية السكان الأصليين، يوجد تجمعات كبيرة من الهنود والأوروبيين؛ تعد جنوب أفريقيا الأكبر أفريقيا من حيث عدد السكان الذين يحملون أصولا أوروبية بيضاء في جيناتهم. ترتبط قضية استقلال جنوب أفريقيا لدى الكثيرين بنيلسون مانديلا، من الصعب أن يذكر أحدهم دون الآخر، يعرف مانديلا على أنه الزعيم الذي قاد دفة السكان الأصليين في القضاء على النزاع العنصري بين البيض والسود، لكن القصة لا تتوقف على مانديلا وجذورها التاريخية أكبر من ذلك بكثير، فكيف كان الأمر إذا؟
كيف حقق الحرب والسلام استقلال جنوب أفريقيا ؟
يرجع تاريخ بداية حضارة جنوب أفريقيا إلى القرن الثاني، حيث يرجع إلى تلك الفترة هجرة أعداد من المزارعين المقيمين بوسط وشرق أفريقيا، لاحقا في القرن السابع عشر الميلادي أتى أول المستعمرين الأوروبيين، وهم الهولنديون والذين سارعوا بتكوين جمهورية مستقلة لهم في منطقة الكاب. في بداية القرن التاسع عشر جاء الاستعمار الأوروبي الثاني لجنوب أفريقيا بعد هبوط بريطانيا على أراضي جنوب أفريقيا واستولت أيضا على مستعمر الكاب بعد ما رحل الهولنديون. أراد البريطانيون بعد فترة من تواجدهم كسر شوكة السكان الأصليين وتقويض استقلال مملكتهم؛ مملكة الزولو. استطاعت بريطانيا إيجاد ذريعة لجر الزولو في حرب، وفي عام 1879 م استطاعت بريطانيا هزيمة الزولو في الحرب الإنجليزية الزولوية. بعد الانتهاء من الزولو أتى الدور لإنهاء السيطرة الهولندية للسكان المتبقيين منهم. كونت بريطانيا دولة جنوب أفريقيا من أربع دول مختلفة وهم (الكاب، الأورانج، الترنسفال، وأخيرا الناتال.) لم تواجه بريطانيا الكثير في الكاب، لكنها خاضت حروب ضد جماعة البوير؛ وهم السكان الذي ترجع أصولهم للمستعمرين الهولنديين الأوائل ويطلق عليهم الأفريكانز أيضا، كان البوير هم المؤسسين لمقاطعتي الترنسفال والأورانج، لذا فالسيطرة عليهم وإخضاعهم كان أمر هام لبريطانيا. في الحرب الأولى قاموا البوير بمقاومة الإنجليز بعنف وحاربوهم بضراوة حتى هزموهم مما جعل الإنجليز يرسلون تعزيزات تتعدى النصف مليون جندي لتدعيم قواتهم، وعادوا في حرب ثانية استطاعوا هزيمتهم فيها وهي حرب البوير الثانية التي انتهت عام 1902 م.
بداية عصر السلام
في السنوات التي تلت الحرب الأنجلو-بويرية والتي أنهت معها حقبة الحروب وبدأت عصر السلام في جنوب أفريقيا وأعلنت السيطرة الكاملة لبريطانيا عليها، عمد البريطانيون إلى توحيد جميع المقاطعات الأربعة الموجود تحت حكمهم في جمهورية واحدة ذات حكومة موحدة تحت أسم اتحاد جنوب أفريقيا، هذا لم يأتي بالسهل بالطبع لكن لغة السلام أخذت طريقها لمحاولة تسوية الأمور العالقة بين جميع الأطراف لتمكين قيام الدولة، وهكذا في العام 1910 تكونت الدولة الجنوب أفريقية من المستعمرات الأربعة مجتمعة ونالت استقلالا جزئيا ولكنه بقيت في خدمة التاج البريطاني كأحد المستعمرات، لكنهم تمتعوا بشكل من أشكال الملكية الدستورية في طريقة الحكم. خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية قامت جنوب أفريقيا بالاشتراك مع قوات الحلفاء في الحرب وبريطانيا بوجه خاص ضد أعدائهم، بعد انتهاء الحرب الثانية بين الدول الإمبريالية تعالت الأصوات المنددة والمطالبة بإلغاء الاستعمار الخارجي لدول العالم الثالث، وانفتاح العالم أكثر على بعضه البعض جعل الضغط أكبر على الدول الاستعمارية وهذا ما ساعد كثيرا في نيل استقلال جنوب أفريقيا . في الأخير فأن الاستقلال لدى جنوب أفريقيا مر بأربع مراحل رئيسية:
- الأولى كان الاتحاد الذي عقب الحرب البويرية الثانية عام 1910.
- الثانية كانت نتيجة صلاحيات الحكم الذاتي من المملكة المتحدة عام 1931.
- الثالثة كان تأسيس الجمهورية الموحدة عام 1961
- الرابعة كان الشكل الحالي للدولة بحدودها الجغرافية المعروفة، وباستقلال تام كان في العالم 1997.
أما عن التنوع العرقي، فلا شك أن السبب الرئيسي لوجود كل ذلك التنوع العرقي واللوني في جنوب أفريقيا كان الاستعمار الأوروبي؛ نحن نتحدث عن الدولة الأفريقية الوحيدة التي تملك نسبة كبيرة من السكان ذوو أصول أوروبية، بجانب التجمع الكبير للعرق الهندي الذين قدموا كأغلبية كقوات مساعدة للقوات البريطانية في حروبها العديدة في جنوب أفريقيا، ومنهم المحامي الشهير مهاتما غاندي لكنه عاد إلى بلاده مرة أخرى وقاد مسيرة الكفاح لأجل استقلال وحرية الهند.
أخيرا فأن النضال الذي قاده السكان الأصليين وطريقهم نحو استقلال جنوب أفريقيا لم يكن مفروشا بالورود، فالدول الاستعمارية دائما تحاول سلب الشعوب الأخرى حقها في الحياة الحرة وكذلك استغلال مواردها وحينما انتهت معركة الاستقلال كانت هناك معركة العنصرية ضد السكان الأصليين وتلك كانت أشد ضراوة.
أضف تعليق