اختراع الورق أحد الاختراعات التي عرفتها البشرية في القِدم، ولقد جاء التفكير في هذا الاختراع على إثر ارتفاع أسعار الألواح والأحجار التي كان يٌنقش عليها قبل هذا الاختراع بالمقارنة مع المكونات التي يعتمد عليها صناعة هذا الاختراع، كما أنّ التنوّع في المكونات التي تدخل في تصنيع الورق كبير، ويوجد لها بدائل كثيرة منها الغالي والزهيد في الثمن، الأمر الذي جعل هذا الاختراع يتناسب مع كافة الفئات البشرية، حيث أنّه بالإمكان اختيار نوع الورق تبعاً للتكلفة وهذا يتوقف على قدرة الفرد المادية، وعن تاريخ اختراع الورق وطريقة صناعته والخطوات المٌتبعة للوصول إلى هذه الصناعة سوف أسرد لكم هذه السطور أملاً في الفائدة.
استكشف هذه المقالة
الكتابة واختراع الورق
لجأ الإنسان في كتاباته إلى كافة الإمكانيات التي كانت مٌتاحة أمامه للكتابة عليها سواء أكانت عظام أم حجارة أم طين أم جلد وغير هذا، ولكنّ المصريون القدماء فكروا في الاستعانة بلحاء نبات البردي للكتابة عليه، وهذا لخفّة وزنه وسهولة حمله، ومن ثمّ كان انتشار استعمال ورق البردي بعد مصر القديمة في كلاً من إيطاليا واليونان، ولكنّ اختراع الورق الذي نعرفه في هذا اليوم الفضل فيه يعود إلى الصينيين، حيث أنّهم اعتمدوا في صناعة اختراع الورق على سيقان البامبو وعلى عشب الصين والخرق البالية.
تطور اختراع الورق
بعد أن كانت تلك الصناعة تقوم على سيقان البامبو وعلى الخرق وعشب الصين الشهير وشبك الصيد والقنب بطريقة مٌباشرة من غير معالجة لتلك المكونات، تمّ التوجه إلى التحسين حتي كانت المكونات السابق الإشارة إليها من سيقان البامبو وغيرها تمر على العديد من المراحل حيث أنّها كانت تُغسل وتُنقع في الماء لتفقد لونها المعروف، ثمّ تٌدق حتى تتحول من صورتها إلى عجينة ذات قوام ليّن ومن ثمّ يٌضاف الماء إلى تلك العجينة لتٌصبح ذات قوام أشبه ما يكون بقوام الصابون، وبعد هذا يُصفى الخليط ويُستخلص منه الألياف بدرجة عالية من العناية ثمّ يتّم نشرها وتجفيفها تحت أشعة الشمس، وتأتي خطوة الصقل لألواح الورق بإضافة خليط من الدقيق والنشا، ويُعاد التجفيف من جديد للحصول على الورق القابل للاستعمال.
انتقال الورق إلى الدول الإسلامية
لقد كان أوّل إنتاج صفحات الورق في الدولة الصينية عام 105م، ودخل التطور على هذا الاختراع عام 700م، وفي معركة طلاس التي نشبت عام 751م كأحد معارك الفتوحات العسكرية بآسيا الوسطى؛ تمكن المسلمون من الاستيلاء على سمرقند ووقع في الأسر الكثير من صُنّاع الورق، ولقد كشف هؤلاء الأسرى السرّ في اختراع الورق وبهذا فلقد أصبحت مدينة سمرقند هي مركز صناعة الورق من القنب والكتاب بفضل هؤلاء الأسرى، ومنذ هذا الحين ارتبطت تلك الصناعة ارتباطاً وثيقاً بالتطور الحضاري بالعالم لإسلامي والعالم العربي، ومن ثمّ كان انتشار تلك الصناعة في العديد من المدن مثل دمشق وطبرية واليمن وبغداد من الشرق، بينما اتجهت تلك الصناعة في الانتشار من الشمال الغربي عبر القسطنطينية وأنطاكيا.
ظهور اختراع الورق في مصر
اختراع الورق ظهر في مصر في نهاية القرن الثامن الميلادي بكل من الإسكندرية والفسطاط، وخطوة بخطوة تلاشى استعمال ورق البردي ليحل محله اختراع الورق، كما تمكن كلاً من الشام ووادي النيل من الوصول إلى أحد أجود الأنواع من الورق، والذي كان مصنوعاً من ألياف القنب وألياف الكتان، وظهرت العديد من المراكز المتخصصة في إنتاج الورق في الأندلس وفي مصر في العصر الفاطمي الذي أُسست فيه مدينة القاهرة عام 969 م، وكانت هناك العديد من الأراضي تابعة لهم مثل المغرب وفلسطين وتونس وكان هذا الانتشار سبباً في براعتهم في صقل الورق.
اختراع الورق في أمريكا وأوروبا
في عام 1495م قد انتشر اختراع الورق في العديد من الدول الأوروبية، حيث أنّ هذا الاختراع انتشر في أمريكا بين القرنين السادس عشر والسابع عشر، بينما كان انتشاره في المكسيك في عام 1580م وانتقل بعد ذلك إلى كافة المستعمرات الإنجليزية، وفي القرن 15 انتشر اختراع الورق في إنجلترا وسويسرا وهولندا، بينما انتشر في فرنسا وألمانيا في القرن الرابع عشر الميلادي، ولقد تمّ إنشاء طاحونة لصناعة اختراع الورق على الطريقة الصينية بألمانيا عام 1390م على يد الفنان أولمان سترومر، ولقد كان انتشار اختراع الورق في أوروبا عن طريق البحر الأبيض المتوسط.
اهتمام الولاة باختراع الورق
هناك عدد كبير من الولاة المسلمون الذين اهتموا اهتماماً كبيراً بصقل اختراع الورق في البلاد، وعلى وجه الخصوص في خراسان وكان من أشهر هؤلاء الولاة، الطلحي والسليماني في عهد هارون الرشيد، والجعفري والطاهري، ولقد اهتم الولاة اهتماماً كبيراً ليس فقط بتصنيع هذا الاختراع وإنما كان لديهم اهتمام كبير بتجميله وتهذيبه ليكون مميز، ولقد تفننوا في إضافة المواد التي تجعل من الورق صناعة ناعمة ذات جودة عالية تُساعد الكُتاب ويكون في مقدور الجميع الحصول عليه.
صناعة الورق
على وجه العموم يٌمكن صناعة الورق بتفتيت الأخشاب ثمّ ضغطها في صورة شرائح بسمك ضئيل، والخشب الأبيض يمر بالعديد من المراحل للحصول منه على الأوراق، حيث أنّه يطحن فور وصوله إلى المصنع ويٌضاف إليه مواد كيميائية لإذابته، ومن ثمّ يُغسل للتخلص من الأتربة التي يُمكن أن تكون عالقة به ثمّ يُنقع بالماء فترة مع التقليب الدائم والإعادة لتلك العملية عدة مرات، غير أنّ الورق الذي ينتج عن هذه العملية يكون بلون بني ويُضاف إلى الخشب المنقوع مواد كيميائية مُبيضة للوصول إلى اللون الأبيض من الورق، كما يُمكن إضافة مواد مخصصة للتلوين للحصول على الأوراق الملونة. ومنقوع فتات الخشب يكون في هيئة عجينة تُجفف وتُصقل ويُضاف الماء إليها للوصول إلى الكثافة اللازمة لسهولة التشكيل، وتوضع العجينة على ألواح مستوية حتى تمام الجفاف ثمّ تأتي مرحلة الكبس، ثمّ يتم لف الألياف على هيئة مجموعة من الرولات كبيرة الحجم وتلك الرولات تُقسم تبعاً للحجم المطلوب.
اختراع الورق وقش الأرز
يُمكن الاعتماد على قش الأرز في صناعة الأوراق حيث أنّه غنيّ بمادة السليلوز، حيث يُمكن الاعتماد في تصنيعه على الطريقة اليدوية أو الطريقة الصناعية، والأولى يُقطع قش الأرز ثمّ يُنقع بالماء مع إضافة البعض من المكونات الكيميائية، ويترك الخليط لفترة مع التقليب الدائم، ويدخل الخليط بعد ذلك إلى غلايَات لعجن الخليط ولتصفيته، وتأتي بعد ذلك مرحلة الفرد والتجفيف، أمّا الطريقة الصناعية فيتم الاعتماد فيها على الميكنة المُتخصصة في صناعة اختراع الورق وغالباً ما يكون ناتج هذه الطريقة أقل في الثمن من الطريقة اليدوية.
وأخيراً اختراع الورق من أهمّ الصناعات العالمية وأحد العناصر التجارية الهامة، وتزداد أهمية تلك الصناعة على وجه الخصوص في الدول النامية، وهناك الكثير من الدول النامية تعتمد على تلك الصناعة في الحصول على المال من الدول الأخرى حيث أنّها تسد حاجتها من تلك الصناعة ثمّ تزج بالبقية إلى الدول الأخرى، وتلك الصناعة من الصناعات التي لا تحتاج إلى مشقة كما أنّها لا تحتاج إلى تكلفة مادية كبيرة، غير أنّ هناك البعض من الدول التي تعاني من ضعف القدرة الإنتاجية.
أضف تعليق