إن إهانة الطفل لا يمكن أن يكون لها علاقة بتربيته وغرس القيم والأخلاق في نفسه. والهدف من التربية هو تهذيب سلوك الطفل لا إيذاؤه، والإهانة لا تسبب سوى الإيذاء الذي يدوم لسنوات طويلة وقد لا يتلاشى أثره، ولا تسهم أبدا في تهذيب السلوك. ولو فهمنا السبب وراء سلوك أي إنسان لاستطعنا بسهولة تامة تغييره؛ فالسلوك يصدر عن قناعات ومشاعر، ولا يمكن تغييره إلا بتغيير هذه القناعات والمشاعر. والقناعات لا يمكن تغييرها إلا بمخاطبة عقل الطفل، الذي يختلف عن عقولنا نحن الكبار ويحتاج لطريقة تناسبه لإقناعه، منها القصة التي تعتبر أسلوب غير مباشر للتعلم. وأما محاولة تغيير السلوك الظاهر دون تغيير القناعات والمشاعر فحتما ستؤول إلى الفشل، وستزيد من عصبية الأبوين من طفلهما وستجعلهما يزيدان من إهانتهما وعقابهما له.
استكشف هذه المقالة
إهانة الطفل أمام الناس
كثيرا ما يصدر عن الطفل سلوكيات تكرهها الأم، والأسوأ أن يحدث منه ذلك أمام الناس. وهنا تسرع الأم لردع طفلها وزجره، الذي غالبا ما يتم بأسلوب مهين للطفل. وعلى الرغم من أن الكثير من الأمهات يعلمن التأثير السلبي الذي تتركه إهانة الطفل أمام الناس، إلا أن الإحراج الذي يشعرن به جراء تصرفات الأطفال العفوية يدفعهن إلى الضرب أو السب أو رفع الصوت أو غير ذلك مما يسبب الشعور بالإهانة والخزي للطفل. إن تحكم الأم في انفعالها وغضبها هو مربط الفرس الذي يمكنها من التعامل بشكل صحيح مع الموقف، بحيث تتمكن من إيقاف الطفل عما يقوم به من تصرفات غير لائقة دون أن تلحق به الأذى. وهذا لا يعني أن تقوم بتلقينه وإعطائه درسا في الأخلاق أمام الناس، حيث لا يقل ذلك ضررا عليه من السب أو الضرب أو رفع الصوت، حيث أن تقديم النصيحة له على الملأ تعتبر فضيحة له. ولكن المطلوب في هذه المواقف هو تأجيل الكلام والتأديب لحين العودة إلى المنزل، وعندها سيكون الطفل أكثر استعدادا لتلقي أي معلومة.
إن احترام الأبوين للطفل وتعاملهما معه على أنه بشر يستحق التقدير ولا يمكن إهانته يعود بالنفع عليه وعليهما في الوقت ذاته؛ فالطفل الذي يشعر بقيمته واحترام المحيطين به له غالبا ما يتصرف بأسلوب حكيم محترم يليق به، لأنه يرى نفسه ذات قيمة في أعين المحيطين به، كما أنه يبادل أبويه وجميع المحيطين به نفس الاحترام. على عكس الطفل الذي يتعرض للإهانة ويعتادها؛ فإنها أبدا لا تزجره ولا تنهيه عما يقترف، كما أنه يتعامل بالأسلوب المهين نفسه مع من حوله. وأنا أذكر ذلك الطفل الذي قامت أمه بضربه في الشارع أمام الناس، فما كان منه إلا أن ضربها بشكل مهين للغاية كما فعلت هي معه. ولو تمعنا في موقف كهذا، فإننا نحاسب الكبير قبل الصغير، فهو القدوة والمعلم الذي يكتسب منه الطفل أسلوب التعامل والأخلاقيات. ولو كان هو يتعامل بشكل غير لائق، فهل يتوقع من الطفل أن يكون خلوقا؟
أضرار إهانة الطفل
ثبت من خلال الدراسات والتجارب أن إهانة الطفل وإيذائه، سواء بالضرب أو غيره، تسبب له الكثير من المشاكل النفسية التي تظل ملازمة له حتى عند الكبر، كما أنه لا تسهم في تربيته تربية حسنة ولا تجعل منه إنسانا سويا يشعر أبويه بالفخر عندما ينظران إليه. وإذا كانت إهانة الطفل لها أضرار عليه، فإن إهانته أمام الناس أكبر ضررا وأعظم جرما. وأتحدى أي أم أو أب يدعون أن إهانة الطفل تؤتي ثمارا حميدة، فالتجارب أثبتت عكس ذلك، والطفل التي يتعامل معه المحيطين بأسلوب مهين لا ينتهي عما يفعل من أشياء سيئة، بل يزداد عناده حتى يثبت لهم أنه موجود وأن شخصيته تستحق الاحترام والاعتبار. والطفل إن كان يرتدع عن فعله عند قيام أحد الأبوين بضربه في حينها، فإنه يعود ليقترف نفس الخطأ بمجرد نسيان العقاب الرادع. وفي هذا دليل على أن تربية الطفل بشكل مهين لا تسهم في غرس القيم والمبادئ في نفسه، بل تردعه درعا مؤقتا ثم تتركه بلا تغيير جذري حقيقي.
إن أحد الآثار السلبية لممارسات إهانة الطفل هو أن يعتاد عليها ولا يرتدع عند التعرض لها، بخلاف الإنسان الذي يعامل معاملة محترمة تخلو من أي إهانة، فإنه عند الشعور بالإهانة نراه متأثرا للغاية ولا يمكنه تحمل ذلك. والفرق بين هذا وذاك هو أن أحدهما سلبت إنسانية ولم يعد يشعر بقيمته وأصبحت الإهانة بالنسبة له شيئا عاديا طبيعيا له أن يتعامل مع جميع الناس به، وأما الآخر فليس من السهل عليه أن يتعرض للإهانة، كما أنه لا يمكن أن يتعامل مع أحد المحيطين به بأسلوب غير آدمي مهين، وهو لا زال يشعر بقيمته كإنسان ويعلم في قرارة نفسه أنه مخلوق مكرم لم يخلق للإهانة وإنما يعتبر أحد أهم حقوقه على جميع المحيطين به هو الاحترام، حتى ولو لم يكن الحب موجودا بينهم.
تأثير الإهانة على سلوك الطفل
بالطبع لا يقتصر تأثير إهانة الطفل على الإبقاء على سلوكياته السيئة، بل إنها تتجاوز ذلك بحيث تجعله يكتسب سلوكيات سلبية أخرى ناتجة عن تعرضه للإهانة. وفيما يلي أهم السلوكيات السيئة التي تترتب عنها إهانة الطفل :
- تستبدل مشاعر الحب التي من المفترض أن تغلف العلاقة بينة وبين والديه بمشاعر الخوف، كما أن مشاعره تصبح سلبية للغاية تجاه المحيطين به، والمشاعر السلبية تتسبب في سلوكيات سلبية.
- تجعل من الصعب على الوالدين التواصل معه، حيث أن الخيط بين الطفل وبينهما ينقطع بسبب الإهانة. وهنا يكون من الصعب توجيهه وتعليمه.
- يشعر الطفل بأنه منبوذ وغير مرغوب فيه، خاصة لو رأى أن الأطفال حوله لا يتلقون نفس المعاملة التي يتلقاها هو من أبيه وأمه، وشعوره بأنه طفل منبوذ يدفعه لارتكاب كل ما هو خطأ والبعد عن كل ما هو صواب.
- تجعل إهانة الطفل من السهل عليه على الكذب لأنه يخاف من قول الحقيقة لئلا يعاقب أو يتعرض للإهانة أمام الآخرين.
- تتحول شخصية الطفل بسبب الإهانة إلى شخصية معقدة نفسيا عدوانية ضعيفة وانطوائية، كما تتحول كل مشاعره وسماته الشخصية الإيجابية إلى النقيض.
- يشعر الطفل بالإهانة طوال الوقت، وليس فقط وقت تعرضه لها، وخاصة لو حدث ذلك أمام أصدقائه الذين يسخرون منه فيما بعد كلما رأوه.
- تجعل الإهانة من الطفل شخص غير سوي عندما يكبر فيتعامل بالطريقة العنيفة نفسها مع أطفاله، اعتقادا منه بأن ذلك هو الأسلوب الأمثل للتربية والتأديب.
- تولد الإهانة سلوك التمرد لدى الطفل، فتجده يتمرد على أبويه وجميع من حوله ويكن لهم روح العداء والكراهية.
- لا تعطي الإهانة للطفل الفرصة ليتعلم الدرس الذي حاول أبويه تعليمه له، بل يبقى في ذاكرته فقط العقاب والإهانة وما رافقهما من مشاعر سلبية.
- تكون الإهانة بلا أي جدوى ولا تضيف شيئا إيجابيا لسلوكيات الطفل، خاصة لو حدثت أمام الناس، حيث أنه لا توجد الفرصة لتعليم الطفل وتوصيل الدرس له.
- كما أن الإهانة تظهر جوانب سلبية في شخصية الطفل، فهي تدمر الكثير من الجوانب الإيجابية، فنجده فاقد الثقة بنفسه جبانا منطويا على نفسه غير قادر على الانخراط في المجتمع المحيط به والتعامل مع الناس ولا يمكنه تعلم المهارات المختلفة.
كيفية العقاب دون إهانة الطفل
إن حديثنا في السابق لا يعني أن لا يتعرض الطفل للعقاب الذي يهدف إلى تهذيب سلوكه، بل إننا نصبو إلى عقاب الطفل مع تجنب إهانته والإساءة إليه. ويمكن استخدام أساليب تربوية سليمة لعقاب الطفل، مثل أسلوب الثواب والعقاب، بدلا من استخدام الطرق التقليدية القديمة التي تعتمد على الضرب والإهانة ورفع الصوت واستخدام الكلام السلبي الذي يشوه نفسية الطفل. وقد ثبت أن الأساليب الحديثة تؤتي ثمارها على المدى البعيد وتغير من سلوكيات الطفل للأفضل، بخلاف الطرق القديمة التي لا تأتي إلا بنتائج مؤقتة لا تلبث أن تتلاشى بمجرد انتهاء العقاب.
والخطوة الأولى للانتهاء عن إهانة الطفل هو تمالك أعصابك والتخلص من الغضب الذي تشعر به جراء ما ارتكبه الصغير من أخطاء. نعم، نعلم أن استخدام هذا الأسلوب، وهو الإهانة، يخلصك من الطاقة السلبية التي تسبب الطفل فيها ويشفي غليلك منه، لكنها تترك أثرا نفسيا سيئا على الطفل ويدوم معه لسنوات وسنوات، إن لم يكن يبقى معه مدى الحياة. وإذا أضفنا إلى ذلك أن إهانة الطفل لا تسهم في تربيته تربية حسنة فإننا نخرج بنتيجة مفادها أن الفائدة الوحيدة للإهانة هي التخلص من الطاقة السلبية لديك، ثم لا تلبث أن تتركك وأنت تشعر بالندم لمرأى طفلك يبكي ويشعر بالخزي بسبب إهانتك له. وطالما أن الأمر كذلك فلم لا نتخلى عن هذا الأسلوب العقيم الذي ثبت فشله في تربية جيل سليم نفسيا؟
ويمكن اختيار أساليب غير مهينة لعقاب الطفل، خاصة لو كان ذلك أمام الآخرين، بحيث لا يشعر أحدهم بما يدور بينك وبين طفلك، ثم تأجيل العقاب الفعلي لحين الوصول إلى المنزل. ولست في حاجة إلى الإشارة إلى أن العقاب في المنزل لا يعتمد كذلك على الإهانة. ولابد من أن يكون العقاب مناسبا للخطأ الذي اقترفه الطفل؛ بل لابد من أن يتماشى مع شخصية الطفل، حيث أنه ليس بالضرورة أن ينجح نفس أسلوب العقاب مع جميع أطفالك، فهم مختلفون في الشخصية وفي الطباع. ومن أهم النقاط التي أود التنويه عليها هو أن توضح للطفل السبب الذي عرضه للعقاب، لأن الهدف منه هو تعليمه لا مجرد معاقبته، وجزء من احترام عقل الطفل هو توضيح السبب له.
ولو هيأنا أنفسنا ووطناها على أن تربية الأطفال ليست بالأمر الهين وأنه يحتاج لبذل الكثير من الجهد، الذي حتما ستكون له نتائجه الطيبة، لكنا أكثر هدوءًا ولتخلينا عن كل ما يؤذيهم ولتعاملنا معهم بأسلوب أكثر حكمة ورحمة بدلاً من إهانة الطفل .
أضف تعليق