أمراض الطفل النفسية هي الخطر الأكبر الذي يهدد طفولة الأبناء، لا مبالغة في اعتبار صحة الطفل النفسية وأمنها بمثابة الحفاظ على حياته، فالمرض النفسي قد يهزم الكبار ويشقيهم، ويجعلهم غير قادرين على العيش والعمل والتفاعل الطيب مع أهلهم وأحبائهم، وحينها تصبح الحياة معاناة مستمرة، ولهذا تصبح أمراض الطفل النفسية وحشا مخيفا، فالفريسة هنا هي الطفل الضعيف الصغير، قد يخوض حربا شديدة مع مرض نفسي كبير بمفرده، ولا يكن لديه الإدراك حتى لمسمى هذا المرض، فالطفل لا يعرف وبالتبعية لن يخبر أحدا، ويقف الأهل حينها مكتوف الأيدي، ولا يمدون يد العون لفلذة أكبادهم، فيتركونه وحيدا في معاناته، لا لشيء سوى عدم ملاحظتهم لأمراض الطفل النفسية ، وربما لعدم إدراك خطورتها، وسنتحدث في هذا المقال عن علامات الحالة النفسية ووسائل علاج الأمراض وأسس التربية النفسية السليمة للطفل، لأن أطفالنا يستحقون.
علامات الحالة النفسية
بالطبع لا يعرف الطفل ماهية المرض النفسي، لا يعرف كل شيء عن نفسه وهويته ومشاعره، ومن البديهي تصور عدم قدرته على التمييز بين ما هو طبيعي وما هو غير طبيعي، لذلك قد لا يطلب الطفل مساعدة الأهل بشكل مباشر إذا أصابه المرض النفسي أو أي مكروه، لكن أمراض الطفل النفسية تعلن عن نفسها دائما، ويمكننا ملاحظة أي خلل يصيب الطفل من خلال بعض العلامات التي قد تعبر عن أعراض مرض نفسي ما كالقلق والاكتئاب وغيرهم، بالطبع هناك علامات للاستقرار النفسي لكن الشيء يتضح بضده، وهذه أهم العلامات التي يجب التدخل لمساعدة الطفل فور ملاحظتها عليه، مع الانتباه لأهمية التدخل المبكر للمساعدة ودوره في علاج أمراض الطفل النفسية .
التوتر والقلق الزائد
التوتر والخوف والقلق الزائد عند الطفل هم أبرز علامات أمراض الطفل النفسية ، ولا نعني هنا التوتر البسيط من المواقف الصعبة التي تشعرنا جميعا بالقلق، بل أن يصبح الطفل خائفا بشكل عام، أن يصبح القلق سمته والتوتر صديقه، فيكون هكذا في أغلب المواقف، هنا يجب الانتباه للطفل والحديث معه لمعرفة سبب الخوف والقلق.
المزاجية المتطرفة
التطرف المزاجي ليس طبيعيا، تغير الحالة المزاجية يتسم بالبطء والتدرج، لذلك يجب ملاحظة مزاج الطفل وتقلباته، فالتبدل المزاجي العنيف يعطي المؤشرات بوجود خلل ما، والمزاجية المتطرفة هي التي تأخذ الطفل من حالة اللهو واللعب للخوف بشكل مفاجئ، أو البكاء بدون أي داع، أن يطلب زيارة أقاربه ويلح على ذلك ثم يعدل عن طلبه بإصرار أيضا! كل التبدلات المزاجية التي تتسم بالعنف تستحق الاهتمام، إن كانت كثيرة وبدون أسباب وجب التدخل فورا.
العنف الزائد
يعتبر العنف الزائد من العلامات الواضحة على أمراض الطفل النفسية ، فيسهل تبينها بملاحظة مبادرة الطفل لاستعمال يده فور الغضب، ولا نتحدث هنا عن مشاحنات طفولية معتادة وبعض العنف خلال اللعب، إنما العنف المقصود هو تعمد إلحاق الأذى بإخوته وزملائه، ويسهل ملاحظة العنف الزائد من خلال حدة الصوت وتعبيرات الوجه، وتكرار العنف في السلوك اليومي للطفل يعد دلالة على وجود مشكلة نفسية تستوجب الرعاية.
الإفراط في الحركة
الأطفال يتحركون كثيرا بطبيعة الحال، إنها مرحلة الطفولة العادية والرغبة في اللهو واللعب واكتشاف العالم، لكن في بعض الحالات لا يكف الطفل عن الحركة، قد ينتهي زملاؤه من اللعب ويتوقفون لبعض الراحة لكنه لا يفعل، يعود مع أخوته من المدرسة وينامون جميعا بينما يظل هو مستيقظا، يجوب المنزل بدون توقف، الإفراط الحركي من علامات المرض النفسي، لكن لا ينبغي الاكتفاء بتلك العلامة فقط كعرض على أمراض الطفل النفسية ، ذلك لإنه يسهل على الأهل اعتبار نشاط الأطفال الطبيعي إفراط حركي، فالطفل بطبيعته محب للحركة واللعب، الإفراط هو المبالغة في ذلك مقارنة بمن في مثل عمره.
الخمول
الخمول هو المضاد للإفراط الحركي، فكما أوضحنا أن الإفراط الحركي يعبر عن وجود خلل ما في نفسية الطفل؛ فالخمول أيضا يعبر عن خطب ما في صحة الطفل النفسية، الخمول ليس من صفات الطفل الطبيعي، ولا يعبر عن نفسية مستقرة، ميل الطفل الصغير للكسل وعدم رغبته في اللعب ومشاركة أقرانه يعتبرا خللا في سلوك الطفل وشخصيته، والخمول أمر مختلف عن ميل بعض الأطفال للهدوء، الخمول هو الكسل الشديد والحركة المحسوبة للغاية، وهو من علامات أمراض الطفل النفسية .
الكذب من أهم أمراض الطفل النفسية
ليس طبيعيا أن يكذب الأطفال، الأطفال لا يجيدون ذلك ولا تهديهم عقولهم لتلك الصفة الذميمة، كما أنهم لا يجيدون التعبير بغير ما في نفوسهم، لذا يسهل اكتشاف أكاذيب الطفل، ويعتبر ممارسة الطفل للكذب من علامات المرض النفسي التي تستلزم التدخل، ويجب التمييز بين الكذب الواضح وبين الحكي الخيالي الذي يمارسه الأطفال جميعا، كأن يرى نفسه في شخصية الرجل العنكبوت وخلافه، فالكذب المقصود هو ما يبدو في إجابات خاطئة متكررة عند السؤال عن أفعاله، عما فعل وعما لم يفعل، وقطعا لا يمكن الحديث عن أكاذيب الطفل في بيئة تمارس الكذب كنوع من المزاح.
الفشل الدراسي
تغير المستوى الدراسي للطفل ليس بالشيء الخطير، لكن التغير الحاد والمفاجئ يعبر عن خلل ما، في أغلب الحالات يكون الفشل الدراسي مصحوبا بضعف قدرة الطفل على التركيز بشكل ما، ويرتبط الفشل الدراسي بالتشتت وعدم الانتباه كذلك، وهما من أهم العلامات على أمراض الطفل النفسية ، لذا ينصح بالتوجه للطبيب في حالة ملاحظة تشتت الطفل وعدم قدرته على التركيز أو الاستيعاب وانعكاس ذلك في صورة فشل دراسي.
الميل للعزلة والانطوائية
لا يرغب الطفل في العزلة إلا لسبب، ويجب معرفة السبب في كل مرة يميل الطفل فيها للعزلة والجلوس بمفرده، يجب معرفة لماذا لا يحب مشاركة أقاربه أو أخوته أو أقرانه اللعب، هل تتوقف مشاركته على الحدث أم على الأفراد؟ وإن كان سلوكه الدائم هو العزلة بغض النظر عن نوع اللعب وبغض النظر عن تفضيله لمن يشاركونه اللعب من عدمه فتلك مشكلة، فالعزلة الاختيارية من علامات أمراض الطفل النفسية ، وبالطبع هي إشارة للتدخل والمساعدة.
إيذاء الذات
إيذاء الطفل لنفسه أو مجرد المحاولة يعد علامة واضحة على وجود مرض نفسي، لا أحد يؤذي نفسه إلا مضطرا، ولا يجب اعتبار الأمر بسيطا أو اعتباره محاولة من الطفل لجذب الانتباه، إيذاء الذات قد يؤدي إلى إيذاء النفس وهو ما يحدث في بعض الحالات، لذا يجب الانتباه لكل الكدمات في جسم الطفل ولأي آثار أخرى لإيذاء النفس، ويجب معرفة أسبابها، وبمجرد ملاحظة إيذاء الطفل لنفسه يجب الذهاب للطبيب فورا، فإيذاء الذات من علامات أمراض الطفل النفسية وأكثرها وضوحا.
علاج أمراض الطفل النفسية
أمراض الطفل النفسية ليست بالبساطة التي يتصورها البعض، المرض النفسي بشكل عام أكثر جدية مما نتصور، فالمرض النفسي ليس اعتلال مزاج أو نزلة برد عارضة، إنما قد يكون بسبب وراثي أو لخلل ما في كيمياء الجسم، وبالتبعية فالعلاج النفسي يحتاج لإشراف متخصص من قبل الطبيب النفسي، والعلاج قد يكون دوائي أو عدد من الجلسات النفسية المتتالية، وعادة ما يتم المزج بين الطريقتين معا، هذا يحدده الطبيب المختص أو المشرف على الحالة بمفرده، لكن للأهل أيضا دور هام في علاج أمراض الطفل النفسية ، وهذه هي أهم النصائح للأهل في مرحلة علاج الطفل، وهي بمثابة جزء رئيسي في العلاج أيضا.
إعلام المدرسين بحالة الطفل
معرفة المدرسين بحالة الطفل يعد أولى خطوات توفير بيئة مناسبة للعلاج، إذ يستطيع المدرسون توجيه المزيد من الدعم للطفل، و أمراض الطفل النفسية ليست عارا لنخفيه، جميعنا بشر ومعرضون للمرض النفسي أو العضوي، وتجاهل معرفة المدرسين بحالة الطفل قد يعرضه للمزيد من الضغوط والمشكلات، ونحن لا نتحدث عن محاباة أو تمييز للطفل عن أقرانه، بل عن خصوصية حالته واحتياجه لدعم مختلف، قد يكون بالمزيد من التشجيع أو الدعم المطمئن أو غيره من صور الدعم، ويمكن الاستعانة بالطبيب لمعرفة الأفضل هنا وربما خلق قناة للتواصل بين الطبيب والمدرسين.
مشاركة الطفل أنشطة ترفيهية
مشاركة الأهل للطفل لبعض المهام والأنشطة جزء مهم من العلاج، الطفل يعاني في مرحلة العلاج، فالكبير قد يشعر بالوحدة والألم في مراحل العلاج، والطفل يحتاج للمزيد من الحب والترفيه والدعم، لذا فمشاركة الأب والأم للعبة يحبها أو برنامجا يفضله هي شيء ثمين، سيقدر وجودهم إلى جواره، وسيطمئن قلبه ويتمكن من المواجهة والبوح أكثر، لكن يراعى عدم الضغط على الطفل لذلك، الاقتراح الودود يكفي، ولاجتذاب الأطفال مسالك كثيرة يعلمها الأهل، فوحدهم يعلمون ما الذي يحبه أبناءهم.
الاستقرار الأسري
الاستقرار الأسري من أسس الحياة النفسية السليمة للطفل بوجه عام، ويصبح الاستقرار الأسري في مرحلة العلاج ركيزة رئيسية، ذلك أن الخلافات الأسرية تؤدي لإضافة الأعباء والهموم للطفل، بينما يعمل الاستقرار على تدعيم شعوره بالأمان، وتوفير جو مناسب لعلاج أمراض الطفل النفسية ، فالأسرة هي خط الدفاع الرئيسي لنفسية الطفل.
أسس الحياة النفسية السليمة للطفل
الوقاية دائما خير من العلاج، وبدلا من انتظار الضرر وعلاجه يمكننا الوقاية منه مسبقا، فإن أمراض الطفل النفسية لن تطرق الأبواب الحصينة، وبوجود حياة أسرية مستقرة تضمن للطفل تلبية احتياجاته النفسية؛ تقل فرصة الأمراض النفسية حتى تكاد تنعدم، يمكن تلخيص احتياجات الطفل النفسية في عدة عناصر هي التقبل والاهتمام والحب والأمن والدعم والتشجيع وأخيرا الثقة والتقدير الذاتي، وهو ما يسهل توفيره بالاستقرار الأسري والتعليم الجيد وتنمية الاستقلالية والابتعاد تماما عن كل أشكال العنف، أي أنه بتوفير احتياجات الطفل من الشعور بالحب والمساندة والتشجيع نكون قد بنينا الحصون والأسوار بينه وبين الأمراض النفسية.
الأطفال هم المستقبل، هم الثمرة التي ننضجها الآن عبر التربية والتعليم، ومن حسن الحظ أن لدينا الفرصة طوال الوقت للتصويب وتعديل المسار، فيمكننا التدخل سريعا عند ملاحظة أي أعراض لاختلال نفسي لدى الطفل، يمكننا البحث في احتياجاته وتلبيته، والنظر لمشكلاته بعين محبة معطاءة قادرة على الدعم، وفور ظهور أمراض الطفل النفسية نستطيع التدخل بتوفير العلاج، بشقيه الدائي والنفسي، ومن قبل الأهل بالتزامن مع عمل المتخصصين، وقبل كل هذا يمكننا الوقاية من الأمراض بتوفير ما يحتاجه الطفل نفسيا، وباتباع أسس الحياة النفسية السليمة، فالوقاية خير من العلاج.
ملحوظة: هذا المقال يحتوي على نصائح طبية، برغم من أن هذه النصائح كتبت بواسطة أخصائيين وهي آمنة ولا ضرر من استخدامها بالنسبة لمعظم الأشخاص العاديين، إلا أنها لا تعتبر بديلاً عن نصائح طبيبك الشخصي. استخدمها على مسئوليتك الخاصة.
الكاتب: أحمد ياسر
أضف تعليق