أقلام الرصاص كانت ولا تزال من الوسائل التعليمية الهامة التي لا يمكن الاستغناء عنها، والتي تحتفظ بمكانتها دائمًا لدى الجميع، فهي الأساس الذي يسير به الصغار، وصديق الطفولة لكلٍ منا، والذي يظل مُصاحبًا لنا، فالتعليم لا ينتهي حتى يفرغ منه الإنسان وهو من المستحيل أن يحدث، فلا حدود للعلم، أو أن يتوقف الإنسان عن التعلم وهذا ممكن، ولكن تظل الأقلام معنا ليس فقط لنتعلم، ولكن ربما لتدوين بعض الملاحظات والأفكار، أو في العمل.. أو ربما في ممارسة هواياتنا مثل الرسم، أو الخط.. فأقلام الرصاص لا يمكن إنكار أهميتها، وقد صاحبت العديد من الفنانين والمبدعين من الذين أنجزوا بها أعمالهم التي أبهرت الملايين، ومن الجميل أن نعرف أن الكاتب “جون شتاينبك” كان يستخدم أقلام الرصاص في كتاباته، وقد صرح بأنه كان يستهلك حوالي 60 قلم رصاص يوميًا عند كتابة روايته الشهيرة “عناقيد الغضب”، فمهما تطورت وسائل التعلم، واندثرت أهمية الأقلام، واختفت الكتابة على الورق عمومًا.. فستبقى أقلام الرصاص ذات طابعٍ خاص لا يمكن أبدًا إهماله.
تطور أقلام الرصاص عبر التاريخ
ماهي أقلام الرصاص ؟
القلم الرصاص هو أداة يدوية تستخدم في الكتابة أو الرسم بشكلٍ عام، فقد يكون على الورق أو الجلود، أو أية مواد أخرى.. وهو عبارة عن أداة أسطوانية الشكل، دائرية أو مضلعة، يتم صنعها من مادة الجرافيت كمكون أساسي، وهذه المادة تُغطى بطبقة خشبية، أو بلاستيكية، وتتميز الأقلام الرصاص عن غيرها أنها قابلة للمسح لذا فهي صديق الطفل في مراحله الأولى، لتساعده على مسح ما كتب من أخطاء بسهولة، وقد يُصحب بممحاة مُثبتة في نهايته بواسطة حلقة معدنية.
سبب التسمية الجرافيت بالرصاص
لقد ذكرنا أن أقلام الرصاص صنعت من مادة الجرافيت، فلم نجدها قد سميت بالرصاص؟ يرجع ذلك إلى أن الكتابة كانت في بادئ الأمر في روما القديمة عن طريق عود معدني مبسط مصنوعة من الرصاص، يكتب به على أوراق البردي الذي كانوا يستخدمونه قبل ظهور الورق العادي، وكان هذا العود المعدني يترك أثرًا بسيطًا لا يمكن قراءته بوضوح، ولكنها كانت طريقة الكتابة آن ذاك، واستمرت حتى بدايات القرن الخامس عشر عندما اخترع القلم الرصاص بصورته، وعندما ظهر “الجرافيت” الذي يُستخدم في الأقلام الرصاص إلى الآن ظلت التسمية كماهي لأن سكان المكان الأصليون لم يكن لديهم علم بماهية المادة المستخرجة، فأطلقوا عليها “الرصاص الأسود” نسبة إلى المادة المستخدمة لديهم في الكتابة.
كيف ظهرت أقلام الرصاص ؟
بدأ الأمر عندما اكتشفت تراكمات جرافيتية عظيمة، في منطقة اسمها “فيثوات فيل” في بلدة “برودال” في الشمال الغربي لبريطانيا، قبل عام 1556م أو في أواخر عام 1500م.. وكان الجرافيت على شكل شوائب في الصخور على هيئة عروق لامعة ولينة، وقد كان هذا الاكتشاف في بداية الأمر مفيدًا للسكان هناك، حيث استخدموه لوضع علامات على الأغنام حتى يتم تمييزها، وكانت تلك التراكمات الجرافيتية شديدة النقاء والصلابة، وكان يسهل تقطيعها إلى أعواد.. لذا فإن السكان كانوا يقومون بتغليفها حتى يحافظوا على استقرارها وحمايتها حتى يتم استعمالها، وكانوا يقومون بتقطيعها على شكل قضبان رقيقة، أو على شكل شرائط، ويلف كل شريط بكمية هائلة من الخيوط حتى تكسبه القوة وتحميه، فكان إما ملفوفًا بسلسلة أو فروة أغنام، ولكن لم يكن ملفوفًا بالخشب الذي نعرفه الآن.. وليتمكن الشخص الذي يكتب من الإمساك به دون أن تتسخ يداه، وكان ظهور الجرافيت في بداية الأمر في تلك البلدة فقط، ولذا فقد احتكرته لأعوام طويلة.
مكتشف الكتابة بالجرافيت
وقد تم اكتشاف أن هذه المادة صالحة للكتابة عن طريق الكيميائي الفرنسي “جاك نقولا كونتيه” حيث قام بلف قطعة من الجرافيت بخشب الأرز، وقد شاهد الأثر المتبقي من تلك المادة على الأوراق، حيث أنه مادة يسهل انتزاعها، ولكن ما لبث أن قل المخزون منه لدى انجلترا التي ظلت محتفظة به لسنوات عديدة، حيث أنه في نهاية القرن الثامن عشر أوشك المخزون على النفاذ، وفي المقابل تم اكتشاف العديد من الكميات في المناجم المتواجدة في الولايات المتحدة، ولكنه لم يكن في جودة الجرافيت الذي كان متوفرًا في “برودال” من نقاءٍ وصفاء، لذا قد اكتشف العالم “نيكولاس كونت” عام 1975م أنه بإضافة كلٍ من الرمل والماء إلى الجرافيت مع التعريض إلى الحرارة في شكل أعواد يتم حرقها في فرن حراري، سينتج خليطًا يشبه الصافي الذي يوجد في بريطانيا في خصائصه، وبالتالي سيتم حل تلك الأزمة من استهلاك الجرافيت حول العالم، كما اكتشف العالم أن تغيير نسب الخلط بين الجرافيت والرمل سيساعد على التحكم في خصائص الجرافيت من ناحيتين، أحدهما القساوة في المادة، حيث أنه كلما زادت كمية الرمل.. زادت قساوته، والثانية وهي درجة اللون، حيث أنه كلما زادت نسبة الجرافيت أصبح لون المادة عند الكتابة أغمق. وأول قلم رصاص صنع كان في عام 1812م، لتتقدم صناعة أقلام الرصاص بعد ذلك، حيث أنه كان في البداية يتم حفر الخشب يدويًا لوضع الرصاص فيه، إلا أنه بعد ذلك قد تمت صناعة ماكينة تقوم بقص الخشب بدقة عالية حتى يتم وضع الرصاص فيه، ثم تطور الأمر على يد العالم الأمريكي جوزيف ديكسون، حيث أصبح يتم قص شرائح الخشب من المنتصف ثم توضع أعواد الرصاص فيه، وتلصق بعد ذلك، ولم يكن الإنتاج الأول لأقلام الرصاص ملونًا، حتى تظهر جودة الخشب المصنوع منه القلم، ولكن في عام 1890م بدأت المصانع في طلاء أقلامها، مع إعطاء أقلام الرصاص أسماءً وعلامات تجارية.
أخشاب أقلام الرصاص
كانت الأقلام في الولايات المتحدة تصنع من خشب الأرز الشرقي الأحمر، والذي كان يتميز عن غيره بالصلابة والقوة، وبأنه مقاوم للكسر، وكانت تزرع أشجار خشب الأرز الأحمر في ولاية “تنيس” والأجزاء الأخرى بجنوب شرق الولايات المتحدة، وأما الأخشاب التي يصنع منها القلم الرصاص عادةً فتكون من الصنوبر أو من خشب الأرز –كما ذكرنا- وتكون القطعة الخشبية مجوفة من الداخل على هيئة أخاديد طولية، حتى يتم وضع الرصاص فيها، ثم يتم قطعها إلى عدة أقلام منفردة وحتى تظهر بالشكل النهائي يتم طلائها وتلميعها.
كيف تصنع أقلام الرصاص ؟
يتم خلط كتل من مادة الجرافيت مع الرمل بخلاط يحتوي هذا الخلاط على أحجار كبيرة أو كسارات، تهرس المواد بداخلها حتى تتحول إلى مسحوق، يتم إضافة الماء إلى المسحوق المخلوط ثم يترك هذا الخليط ثلاثة أيام، تقوم ماكينة أخرى بعملية ترشيح المادة من الماء، ليبقى بداخلها خليط رمادي اللون، يتم تركه ليجف في الهواء الطلق لمدة أربعة أيام، ويصبح صلبًا متماسكًا، يتم إدخال الخليط مرة أخرى في الخلاط ليتم طحنه وتحويله إلى مسحوق ناعم، ثم يضاف إليه الماء حتى يصبح على هيئة معجون، يتم إمرار المعجون خلال رأسٍ معدني ليتم تشكيله، ثم يخرج منه على شكل فتلات رفيعة تسمي “رصاصات”، يتم قصها حسب الطول المطلوب للقلم، ثم تترك حتى تجف.. وبعد أن تجف توضع في فرن درجة حرارته 980 درجة مئوية، لتتصلب وتصبح ناعمة.
ويحدث هذا بالتزامن مع صناعة الخشب، لقد ذكرنا أن الخشب المستخدم في صناعة أقلام الرصاص يكون مصدره خشب الأرز، أو الصنوبر.. وذلك لتميزهما بالقوة والصلابة، وتحمل البري المتكرر دون الإضرار بالقلم.. فبعد تجميع الخشب يتم تقطيعه إلى كتل خشبية صغيرة، حتى تناسب صناعة أقلام الرصاص منها، حيث يتم تقطيعها في ماكينة خاصة والتي تقطعه إلى قطع صغيرة بسيطة تعادل مثلًا عرض 8 أقلام رصاص ، تتم معالجة تلك الشرائح الخشبية عن طريق الشمع والأصباغ، ثم تحفر مجارٍ أو أخاديد في القطع الخشبية ليتم وضع قطع الرصاص فيها بعد ذلك، قبل أن توضع الرصاصات في المجاري الخشبية أو الأخاديد يغطى أولًا بمادة صمغية ثم توضع تلك الرصاصات فوقها مباشرة، وتغطى قطعة خشبية أخرى بمادة صمغية ثم توضع فوق القطعة الأولى لتغطي الرصاص، وعندما تجف المادة الصمغية تمرر القطعة الخشبية على ماكينة تعمل كمقص آلي حتى يتم قصها إلى الأقلام بالحجم المعروف، فتعمل تلك الماكينة على تشكيل القلم فقد يكون مضلعًا، أو دائريًا، ثم يتم القص لتفصل الأقلام عن بعضها.. ثم تحتك تلك الأقلام بالرمال حتى يصبح سطحها ناعمًا، ويتم هذا بماكينة خاصة، يتم طلاء الأقلام بالعديد من الطبقات التي قد تصل إلى ثمانية طبقات، ثم يتم كشط جزء من طرف القلم حتى تُركب فيه الحلقة المعدنية، التي توضع فيها الممحاة الصغيرة، ثم يتم وضع ختم للأقلام والتي تظهر فيها الاسم الخاص بالشركة المصنعة، أو أي ملاحظة أخرى.. قد يبرى القلم، وقد يظل على حاله، ثم يتم وضعه في مجموعات ليتم الشحن. وبهذا يكون قد انتهت عملية تصنيع أقلام الرصاص .
ألوان أقلام الرصاص
قد تختلف ألوان أقلام الرصاص التي تتم صناعتها باختلاف المكان الذي تصنع فيه، فمثلًا الولايات المتحدة تقوم بصناعة أقلام الرصاص التي تحمل اللون الأصفر، ويرجع ذلك إلى أن الصين تقوم بتصدير نوع عالي الجودة من الجرافيت والذي يتميز بلونه الأصفر، ولذا فقد اعتمدت الولايات المتحدة هذا اللون دليلًا على أقلامها عالية الجودة، وليس اللون الأصفر معتمدًا لدى جميع البلاد، فهنالك ألمانيا تعتمد اللون الأخضر لطلاء أقلامها، والهند تعتمد اللون الأحمر مع الأسود، وأمريكا الأصفر، والولايات المتحدة الأصفر مع الأسود، وسويسرا تعتمد الأحمر، ولا يوجد ماكينات تصنيع أقلام في الوطن العربي، بل يتم تصنيعها من الخارج.. في ألمانيا، وإنجلترا، والصين، وهونج كونج، وبعض دول شرق آسيا.
رموز أقلام الرصاص
أشهر نظام لترميز أقلام الرصاص هو النظام الأوروبي الذي يقوم على رقم وحرف للإشارة إلى نوع معين من الأقلام.. وهو النظام الذي تم اعتماده في القرن العشرين، ويتم في هذا النظام الإشارة إلى نوع القلم من حيث درجة القساوة، ودرجة اللون، وعالميًا يوجد 22 نوع من الأقلام المعتمدة، والمستخدمة في الكتابة العادية، أشهرها HP ، أما الباقي فإنه يستخدم في مجالات أخرى كالرسم، والخط، وغيرها.. وتلك الأحرف المستخدمة لها دلالات خاصة بها، فمثلًا يرمز حرف الـH إلى درجة قساوة مادة الجرافيت ويعطي درجة أفتح للون، والحرف B يرمز إلى درجة اللون، أما الحرف F فإنه يشير إلى الدرجة المتوسطة بين الـ HB والـH ، فيوجد مثلًا: H-F-HB-2H-3H-4H-5H-6H-7H-8H-9H-10H فـ10H أكثر تلك الأنواع قسوة، بينما 10B هو أكثرها في شدة السواد.
استخدامات أقلام الرصاص في الرسم
من المعروف أن القلم الرصاص يعتبر الصديق الوفي لكل رسام، فلا يمكن الاستغناء عنه في كل رسمة، في التحديد والتخطيط والظلال وغيرها من المصطلحات الخاصة بالرسم والتي نسمعها كثيرًا لدى الفنانين.. فمثلًا قلم الرصاص HB يستخدم في تحديد هيكل الرسمة، لما يتميز به من درجة لون خفيفة، فهو معتدل وليس غامق، والأقلام التي تحمل أرقامًا مع الـH تستخدم في التظليل، وذلك لأن الرصاص فيها باهت، لذا فدرجتها فاتحة، مثل H1 وقد يصل إلى H8، أما الأقلام التي تحمل B وقد ذكرنا أنها تتميز بدرجة غامقة، ولذا فإن الرسامين يستخدمونها في تظليل الشعر والملابس وغيرها.
قلم الرصاص هو الوسيلة التي تسطر علمًا، وروايةً مشهورة، وتكتب لحنًا، وترسم لوحة، هو الذي يعبر إلى العين والقلم والأذن والعقل.. فهو وإن كان اكتشافًا بسيطًا إلا أنه اختراعٌ عظيم لا غنى عنه في أي مجال.. وبرغم تقدم كل الوسائل التي تجعلنا نستبدله بالحاسوب إلا أنه لا يمكن الاستغناء عنه بحال من الأحوال.
أضف تعليق