هل تسيطر أفلام هوليود على صناعة السينما في العالم حقًا؟ عصر الأفلام الذي صرنا نعيش فيه يحتم علينا أن ننتبه لتلك الصناعة الضخمة التي تدور خلف كواليس الشاشة المتحركة، من اهتم قط بالكواليس قديمًا؟ كم من شخصٍ اهتموا بالرجال خلف الكاميرا؟ المخرج؟ الكاتب؟ الممول؟ الشركة المنتجة؟ من اهتم بشيءٍ آخر سوى وجوه الممثلين الحسان الذين يظهرون لنا أمام الكاميرات بابتساماتهم اللامعة وتعبيراتهم المؤثرة؟ لماذا من الأساس قد نهتم بشيءٍ يتعدى أحداث الفيلم الواقع أمام أعيننا؟ ما الذي سيهمنا خلف الكاميرا إن كان الفيلم جيدًا خطف أنفاسنا أو رديئًا قتلنا مللًا؟! لأن هؤلاء الرجال الواقعون خلف الكاميرا هم سبب ظهور هذه التحفة الرائعة أو الرديئة إلى حياتنا، هم سبب مشاهدتنا لفيلمٍ غيّر حياتنا أو فيلمٍ فتح لنا بعض الآفاق التي لم ندرِ بوجودها أو فيلمٍ حرك بداخلنا شيئًا مات منذ زمن، الأفلام خدّاعةٌ أحيانًا لكنها تعتبر في الكثير من أنحاء العالم ثقافةً كاملةً وجزءًا هامًا من ثقافة فن المجتمع، وصناعتها اليوم صارت عملاقةً ومتطورةً لدرجةٍ لا يمكن أن تتخيلها إن كنت من هؤلاء الذين يكتفون بمشاهدة الفيلم وإغلاقه دون الالتفات لما وراءه، لسنا جميعًا باحثين في مجال صناعة الأفلام لكن بعض الجهات فرضت على العالم اسمها وصار كل من يعلم ومن لا يعلم يعرف اسمها جيدًا حتى لو لم يعرف من هي، مثل أفلام هوليود وأفلام ديزني وبيكسار وغيرها من صناع الأفلام الذين فرضوا سيطرتهم على عالمها وعالمنا.
كيف سيطرت أفلام هوليود على صناعة السينما في العالم ؟
بداية هوليود
اليوم نسمع كلمة أفلام هوليود أو مجرد كلمة هوليود تشعرنا بالضخامة والروعة والجمال التي احتلتها تلك المنطقة من الولايات المتحدة الأمريكية بينما احتلت أفلامها العالم بأكمله، على نقيض ما هي عليه الآن بدأ مشروع هوليود كأرضٍ زراعيةٍ بسيطة لم تكن تحمل سوى الأخضر والحجارة بدون فنادق فارهة وأبراجٍ عملاقة وبدون سمعةٍ تهز أرجاء العالم كله، من اشتراها أنفق عليها الكثير واهتم بها وطورها وحسنها وتم افتتاح أول أكبر فندقٍ فيها عام 1902م لتبدأ الحكاية الكبرى.
هوليود ليست ولايةً كاملةً في الولايات المتحدة رغم كل الصيت الذائع لها إلا أنها جزءٌ من مقاطعة لوس أنجلوس الشهيرة والتي تعتبر جزءًا من ولاية كاليفورنيا، لكنها مع الوقت وحصولها على شهرتها ومنزلتها الخاصة المختلفة عما حولها استطاعت أن تحصل لنفسها على التفرد والحصانة وأن تحيط نفسها بحدودٍ خاصةٍ بها تفصلها عما حولها.
من الوهلة الأولى وأقل وأبسط ما قد تود معرفته عن هوليود هو أنها أرض السينما عليها تقع كل صناعة السينما الأمريكية الضخمة بشركاتها وسينماتها ومواقع تصويرها وتخرج منها أفلام هوليود لتغزو العالم بكل أرجائه.
أفلام هوليود تنافس وتكتسح
بدأت شركةٌ سينمائيةٌ صغيرةٌ عملها على أرض هوليود للمرة الأولى لإنتاج أول فيلمٍ من أفلام هوليود لهذا العالم، كانت تلك الشركة تسعى جاهدةً لمنافسة شركةٍ أخرى اكتسحت عالم السينما في ذلك الوقت واحتكرت الإنتاج السينمائي لنفسها واسمها، كانت هي البداية لكن توافد بعدها الكثير من الشركات السينمائية المختلفة بكل طاقم العمل السينمائي بدايةً من الكتاب والمخرجين وحتى الممثلين أنفسهم لاتخاذ قواعد سينمائية لهم على الأرض الغضة الخصبة وجعلها مركز أعمالهم قديمًا وحتى الآن.
ومع انتقال شركاتٍ كبيرةٍ لها ثقلها في تاريخ صناعة الأفلام والسينما بدأت قصة هوليود في التشكل ورُسمت ملامحها وأصبحت مركزًا للسينما والأفلام وجذبت ملايين الناس والمشاهدين لسينماتها، وكانت هي أول من ابتدع فن جذب المشاهدين والجماهير عبر اسم الممثلين كأن تستخدم شهرة ممثلٍ في الدعاية لفيلمٍ يكون مشتركًا أو بطلًا فيه لزيادة الأرباح والدخل والحصول على أكبر جمهور.
تطور صناعة الأفلام
بعد مرور عقدين من الزمان على بداية اتجاه الأعين لهوليود واعتبارها عاصمةً ومقرًا للشركات السينمائية بدأت صناعة الأفلام تزدهر وتطور، وبدأت هوليود تنتج ما قيل أنه تعدى الخمسمائة فيلم سنويًا من شركاتها المختلفة وأصبحت هوليود أيقونةً ثقافيةً للوس أنجلوس وتعتبر جزءًا هامًا وقويًا من ثقافة أميركا وقوتها وسمعتها أمام العالم أجمع، وعلى يدها بدأت فكرة الأبطال السينمائيين في الظهور وبرزت أسماء ممثلين وممثلاتٍ للساحة وتُوّجت وذاعت في كل العالم.
تعد أفلام هوليود منحنى تغيرت عنده ثقافة أميركا ونكهة الفن فيها تمامًا، رغم أن كثيرين يحبون أن يعتبروا هوليود منحنى تغير عنده فن الأفلام بالكامل تغيرًا تامًا، فبعد أن كان الفيلم هو الحدث الرئيسي الذي لا يمكن أن يعلو على اسمه شيءٌ ظهرت ثقافتان جديدتان تلقبان باسم المخرج والبطل، حصل ممثلون على الشهرة الواسعة لأدوارهم وصار البعض يدخلون أفلامًا جديدةً لا يعرفون عنها شيئًا لأجل بطلها المشهور وحسب.
ومن ناحيةٍ أخرى بعد أن كان المخرجون مغمورين غير معروفي الاسم والهوية بدأت مع الوقت أسماؤهم تظهر على الساحة تباعًا، وصار الفيلم الناجح الذي يحطم السينمات ومكاتب التذاكر ليس نعمةً ومحطة شهرةٍ لأبطاله وحسب وإنما لمنتجيه ومخرجيه، وانتقلت الشهرة لبعضهم ببطءٍ وعُرفوا بأسلوبهم المميز في تقديم أفلام هوليود بالصورة التي يبحث عنها الجمهور ويحلم بها، لتنال بعض الأفلام شهرةً واسعةً وإقبالًا كبيرًا بسبب شهرة مخرجيها وروعة أفلامهم السابقة وجودتها.
العهد الذهبي
كان العقد الثالث من القرن العشرين يُلقب بالعهد الذهبي لهوليود حين حملت للعالم تجربةً جديدةً وفريدةً تمامًا، بعد ثقافة الأفلام الصامتة دخل الصوت إلى عالم صناعة أفلام هوليود ليثير ضجةً كبيرةً ويحمل اسم هوليود لمكانةٍ أعلى مما كانت عليه، وجدت العديد من الأفلام التي يصاحبها الصوت مكانًا بارزًا في أذهان الناس في ذلك الوقت وظهرت على أنواعها المختلفة ما بين موسيقية ووثائقية واجتماعية وكوميدية وحتى أفلام الرعب.
بالرغم من أن العقد الرابع حمل بعض الصعوبات والأوقات العصيبة لهوليود إلا أن تجربةً جديدةً ظهرت في ذلك الوقت بصناعة الأفلام الملونة وإضافة البهجة على أفلام هوليود بالأبيض والأسود، وبالطبع وجد التطور في ذلك الوقت بشكلٍ عامٍ سبيله لهوليود فتحسنت جودة إنتاج الأفلام وإضافة المؤثرات المختلفة عليها ونقاء صوتها ووضوحها وجودة صورتها.
شهرة أفلام هوليود لليوم
خلال ذلك القرن الماضي نجحت هوليود في أن تضع لنفسها أساسًا صلبًا لم يعد أحدٌ قادرٌ على منافسته بعد اليوم في عالم صناعة الأفلام، وصار الجميع يدركون أن محاولة منافسة شيءٍ بهذه الضخامة والكبر لن تبوء إلا بالفشل المخزي لذلك من أراد الشهرة والنجاح في عالم الأفلام فليذهب لجانب هوليود ولا يحاول أن يقف ضدها.
بالطبع كأي شيءٍ آخر بهذا العمر الطويل كانت هناك سقطاتٌ في تاريخ صناعة أفلام هوليود، وواجهتها الكثير من المشاكل كانت المادية في بعض الأحيان على رأسها، ومشاكل أخرى عانت فيها هوليود من قلة الإنتاج وتضاؤله، إلا أن العقود الأخيرة شهدت ثورةً فكريةً وثقافيةً في أفلامها وبعد اعتماد الأفلام على أفكارٍ بسيطةٍ ومنتشرة تستوحيها من أرض الواقع بدأت باختراع الأفكار الجديدة والفريدة، وإيصال فكرةٍ قويةٍ وعميقةٍ وفلسفية عبر أفلامها ما صنع ثورةً جديدة.
ما تزال تلك الأفكار في تطورٍ وتقدمٍ حتى يومنا هذا وما زلنا نشاهد أفلامًا لم تكن أفكارها لتخطر على بالنا يومًا وتصبح قادرةً على سلب عقولنا منّا، ومع دخول القرن الواحد وعشرين بثوراته التكنولوجية حصلت أفلام هوليود على الكثير من الفرص التي استغلتها لتصنع أفلامًا تجاوزت الواقع في واقعيتها وجودتها بمراحل.
أضف تعليق