قراءة أعمال نجيب محفوظ أمر ليس سهل بالمرة، خصوصًا لأولئك الذين في بداية طريقهم ولا يزالون يتحسسون الطريقة المُثلى للقيام بعملية القراءة هذه، فقد كان أديب نوبل المصري غزير الإنتاج بصورة مُلفتة، وهو الذي أدى طبعًا إلى وجود روايات كثيرة تمتد لأكثر من خمسين سنة من الكتابة، ومن هذه الأعمال ما سبق الحصول على جائزة نوبل ومنها ما جاء بعد الجائزة، منها ما جاء في مرحلة الشباب ومنها ما جاء في مرحلة البلوغ ومنها ما جاء في مرحلة الشيخوخة، وبالطبع عزيزي القارئ كل ذلك يحظى بقدر كبير جدًا من الاختلافات تجعل عملية القراءة في حاجة إلى مرشد أو طرق مُعينة من أجل بلوغ الهدف، عمومًا، السطور القليلة المُقبلة سوف تحمل لكم الطرق التوضيحية لقراءة أعمال الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ، فإذا كنتم في شوق لاستكشاف هذا الرجل فإن السطور القادمة موجهة بالكامل لكم.
استكشف هذه المقالة
من هو نجيب محفوظ؟
قبل أن نشرع في طرق قراءة أعمال الأديب العربي المصري نجيب محفوظ لابد وأننا في حاجة قبل ذلك للاقتراب أكثر من هذا الرجل والتعرف عليه حتى ندرك ما نحن مُقبلون عليه، فهو نجيب محفوظ صاحب الاسم المُركب الذي جاء تيمنًا باسم الطبيب الذي أشرف على عملية ولادته، وُلد في الحادي عشر من ديسمبر عام 1911 وبدأ الكتاب في الأربعينيات، وتحديدًا سن الثالثة والعشرين، وقد برع نجم نجيب محفوظ سريعًا بعدما عرف النشر في المجلات، حيث أُطلق عليه لقب عميد الرواية العربية لكونه من الأوائل الذين كتبوا الرواية بصورتها الصحيحة، إذ أنه كانت هناك محاولات عادة لكن لم تكن مثالية.
شهرة نجيب محفوظ بدأت بعد دخوله في عالم السينما وتحميل أغلب رواياته إلى أعمال على شاشات السينما، هذا قبل أن تأتي جائزة نوبل في التسعينات لتضع محفوظ في الصورة بقوة شديدة، وعلى الرغم من كثرة أعمال محفوظ إلا أن جميعها يتفق في كونها تدور أساسًا داخل القاهرة، وتحديدًا الأحياء الفقيرة منها، وربما سيدهشكم ذلك، إلا أن نجيب محفوظ ظل يكتب الرواية حتى سن التسعين من عمره، أي ما يقترب من الستة عقود، وخلالها أنتج ما يستحق القراءة بالفعل.
أعمال نجيب محفوظ
أغلب الأدباء في العالم تكون لهم بعض الأعمال الخالدة الشهيرة بينما تكون هناك بعض الأعمال التي لا تحظى بشهرة كبيرة، لكن هذا الأمر لم يحدث مع نجيب محفوظ، فهو يمتلك رصيد كبير جدًا من الأعمال التي تُعتبر كلها ناجحة على حدٍ سواء، وقد بدأت روايات هذا الرجل بالثلاثية التاريخية، وهي أول ثلاث روايات كتبها في حياته، وأهمها كان عبث الأقدار وكفاح طيبة، ثم بعد ذلك جاءت روايات تفجر الموهبة الأدبية مثل خان الخليلي والسرداب وبداية ونهاية واللص والكلاب، تلتها مجموعة من الروايات الشهيرة كذلك، لكن الشهرة قد غمرت محفوظ مع ثلاثية القاهرة وهي المتمثلة في قصر الشوق وبين القصرين والسكرية، ولا ننسى بالطبع المرور بأعمال محفوظ الأخيرة التي أضفت بريقًا خاصًا على مشروعه السينمائي مثل ملحمة الحرافيش وبداية وأحاديث الصباح والمساء وأفراح القبة، وكانت قشتمر هي آخر رواية لمحفوظ بخلاف المجموعات القصصية التي كان آخرها أحلام فترة النقاهة، لتنتهي بذلك سلسلة أعماله المكتوبة، لكنها لم تنتهي أبدًا في القلوب.
قراءة أعمال نجيب محفوظ
بعد أن تعرفنا على أبرز أعمال نجيب محفوظ فبكل تأكيد نحن الآن في حاجة للتعرف على كيفية قراءة هذا الرجل في صورة رواياته، خصوصًا إذا كنا نريد فعل ذلك الأمر من خلال تتابع مناسب، على العموم، أولى المراحل أو الطرق الخاصة للقيام بهذا الأمر ترتيب الأعمال بأكملها ترتيبًا تاريخيًا.
ترتيب الأعمال ترتيبًا تاريخيًا
يُقصد بالترتيب التاريخي ذلك الترتيب الذي يعتمد على توقيت الصدور، بمعنى أن يتم حصر كل الأعمال التي صدرت للكاتب وتبدأ بالأقدم فالأحدث، وإذا طبقنا هذا الأمر على أعمال نجيب محفوظ فإن أولى الروايات التي ستستحق القراءة، أو دعونا نقول المجموعات الروائية، مجموعة ثلاثية القاهرة، وهي تلك الثلاثية الشهيرة التي صدرت نهاية عام 1939 وكانت تحتوي على ثلاث روايات منها كفاح طيبة وعبث الأقدار، فهذه الثلاثية هي التي قدمت محفوظ للقراء، لاحقًا صدرت الروايات بترتيب تاريخ معروف ويُمكن الحصول عليه بسهولة، وهي في الحقيقة تبدو طريقة مثالية مئة بالمئة لقراءة أي كاتب وليس محفوظ فقط، كذلك دعونا لا ننسى أن هذه النوعية من العرض سوف تُحدد بشكل كبير مراحل تدرج قدرة محفوظ في الكتابة، فمرحلة البداية من حيث المستوى ستختلف كثيرًا بالطبع عن مرحلة التفجر أو مرحلة النهاية.
مشاهدة الأفلام السينمائية مع الروايات
بعض النقاد يرون أن أفضل طريقة لقراءة أعمال محفوظ بتتابع مناسب يسهل من خلاله فهم العمل أن يكون هناك مزج أو خلط بين القراءة والمشاهدة، فبالتأكيد كلنا على علم بمسألة تحويل سبعين بالمئة أو أكثر من أعمال محفوظ إلى أفلام ومسلسلات ومسرحيات، بل إن محفوظ كان يكتب بنفسه معظم السيناريوهات، وبالتالي التعرف على هذا الرجل وقراءته بطريقة مناسبة يستدعي مشاهدة الأعمال التي أُخذت أساسًا عن رواياته، والتي بالتأكيد ستكون مُكملة للعمل بطريقة أو بأخرى وليست مجرد تجسيد له في صورة يُمكن مشاهدتها، عمومًا، أشهر أعمال محفوظ التي حُولت إلى أفلام ملحمة الحرافيش وبداية ونهاية والطريق وبين القصرين واللص والكلاب وقصر الشوق، والكثير من الأفلام السينمائية المميزة التي كانت في الأصل واحدة من روايات نجيب محفوظ الشهيرة والمنتشرة على نطاق واسع.
شراء السلاسل المُجمعة
أنسب طريقة للقارئ الذي يقرأ أعمال نجيب محفوظ لأول مرة ويُريد الخروج بأفضل شكل ممكن هي شراء السلاسل المجمعة التي تُصدرها دور النشر لأجل هذا الغرض تحديدًا، فأولئك الذين لم يشتروا روايات نجيب محفوظ رواية برواية لديهم فرصة ذهبية لاختزال الكثير من الوقت والتكاليف المادية من خلال شراء السلاسل التي تضم كافة أعماله دفعة واحدة، وبالطبع هذه السلاسل تكون كبيرة جدًا في الحجم ويتم إطلاق لقب الأعمال الكاملة عليها، لكنها تكون أفضل تأريخ للكاتب وحياته، إذ أنه نادرًا ما يخرج حرف واحدة من صنيع ذلك الكاتب عن تلك السلاسل، كما يجب أن نضع في الاعتبار احتوائها للمقدمات النقدية وربما كلمة من قِبل نجيب محفوظ نفسه، وفي الوقت الحالي تُعد دار الشروق الأكثر نشرًا لأعمال محفوظ الكاملة.
قراءة الثلاثيات ثم الفرادى
خلال رحلة نجيب محفوظ الأدبية تمكن الرجل من كتابة أكثر من ثلاثية أو دعونا نقول سلسلة أعمال روائية، وهذه السلسلة تمتاز بوحدة الموضوع قبل أي شيء آخر، المهم أن القارئ الذي يود الاطلاع على أعمال نجيب محفوظ سوف يجد بالطبع الفائدة الأكبر داخل الثلاثيات، كذلك سوف يختصر كثيرًا في الوقت، فحتى لو لم تكن الروايات المنسوبة للسلسلة قد نُشرت بشكل متتابع فعلى القارئ أن يبدأ عملية القراءة بالشكل المتتابع من تلقاء نفسه، بعد ذلك يُمكنه أن يلجأ إلى الروايات والمجموعات القصصية الفردية، والتي من الممكن جدًا أن تأخذ كل واحدة منها ليلة واحدة فقط من القراءة، إنها بلا شك طريقة رائعة، إذ لم تكن مثالية، في الاطلاع على كنز الأديب العالمي نجيب محفوظ.
قراءة آراء النقاد عن الأعمال
لا شك أن خطوة مثل قراءة آراء النقاد حول أعمال الأديب نجيب محفوظ أمر في غاية الأهمية بالنسبة لأولئك الذين يدخلون مرحلة القراءة لأول مرة، فنجيب محفوظ أشبه بالبحر العميق، ولكي تتمكن من السباحة في هذا البحر فأنت مطالب أولًا بمعرفة كل التجارب الخاصة بمن قاموا بالسباحة قبلك، ومن الممكن جدًا العثور على مثل هذه الآراء على مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى من خلال المقالات التي يتم نشرها في كل الصحف والمجلات العربية، فلا أحد بالطبع سيتوقف عن القراءة لنجيب محفوظ، وبالتالي هذه المقالات والآراء النقدية ستظل موجودة، المهم أن تكون هناك دراية وثقة في ذائقة أصحاب هذه المقالات حتى يكون بمقدورك أخذ ما يُقال منهم بكل ثقة، ولا تنسى عزيزي القارئ أن نجيب محفوظ في النهاية بشر، لذلك ستجد من يمدح أو يذم فيه.
التركيز مع أعمال الجوائز
لا يخفى على أحد أن نجيب محفوظ كان كاتبًا مُكثرًا في الكتابة، وبالتالي من البديهي أن تعثر له على عدد كبير جدًا من الروايات والمجموعات القصصية، وربما يكون الحل الأمثل من أجل قراءة كل هذه الأعمال أن يتم تنقيتها واصطفاء الأفضل منها، وهذا الأمر سيحدث إذا قمنا بالتركيز مع أعمال الجوائز، فليست كل روايات محفوظ حاصلة على جوائز تقديرية أو تشجيعية أو حتى نوبل، بل البعض منها حظي بذلك التكريم، وكل ما عليك كي تنتقي الأفضل أن تبحث في السيرة الذاتية لهذا الرجل وتتعرف على الأعمال التي حصلت على جوائز ثم تقوم بقراءتها.
أهم أعمال نجيب محفوظ
الآن بعدما قمنا بذكر أبرز الطرق التي يُمكن من خلالها قراءة أعمال هذا الرجل فلابد أننا في حاجة شديدة للتعرف على أهم الأعمال الخاصة به، والتي لا يُذكر محفوظ إلا وتُذكر خلفه مباشرةً، ومن أشهر الروايات ملحمة الحرافيش.
ملحمة الحرافيش
على الرغم من كون ملحمة الحرافيش قد صدرت قبل الحصول على جائزة نوبل، وهي الفترة التي بدأ الناس فيها يصبون كامل اهتمامهم على نجيب محفوظ وما يكتبه، إلا أن تلك الملحمة المكون من ثلاث روايات في صورة رئيسية أصلية قد حققت نجاحًا مُبهرًا، وهي تأخذ سلالة كامل وتقوم بتتبعها والبحث خلف حياتها في صورة تُشبه تمامًا الوصف الذي يُطلق عليها، وهو الملحمة، وقد حققت تلك الملحمة نجاحًا جعلها تتجسد في أكثر من فيلم سينمائي، كما أن نجيب محفوظ نفسه قد صرح أكثر من مرة بأن الحرافيش هي أقرب ما كتب إلى قلبه، ولهذه هي من الأهمية بمكان لدى القراء.
أولاد حارتنا
العمل الثاني الذي يُذكر كلما ذُكرت أعمال نجيب محفوظ ويُعتبر صاحب فضل في إبراز نجيب محفوظ إلى النور رواية أولاد حارتنا، وللمفارقة فإن هذا العمل في الأساس لم يخرج إلى النور وقت كتابته، وهو ما دفع محفوظ إلى نشره خارجيًا، وقد كان المنع بدعوى السب في الذات الإلهية أو التعريض بأشياء لا يجوز بأية حال من الأحوال التعريض بها، على العموم، العمل الآن بات متاحًا في كل مكان في العالم وبلغات كثيرة، وهو من الناحية الأدبية تحفة فنية خالصة.
أضف تعليق