تسعة
الرئيسية » معتقدات وظواهر » آكلي لحوم البشر : كيف يختلط تفسير سبب أكل لحوم البشر عن العلماء ؟

آكلي لحوم البشر : كيف يختلط تفسير سبب أكل لحوم البشر عن العلماء ؟

بالتأكيد سمعت في يوم من اﻷيام عن آكلي لحوم البشر ، فما هو سبب هذا السلوك البشري الشاذ؟ وهل هو مرض يمكن البحث عن علاج فعال له؟

آكلي لحوم البشر

عندما نتكلم عن آكلي لحوم البشر تبدأ عقولنا بالتفكير في الكثير من الأشياء المقززة ونتخيل مجموعة من البشر يقطعون في إنسان أخر متعطشين للحم والدماء. كما سنطلق كمية لا بأس منها من الأحكام الأخلاقية والدينية دونما أن نعرف ونفهم الموضوع من الأساس. أحب أن أقول لك عزيزي أن آكلي لحوم البشر لا يفعلون شيء غير طبيعي عن الطبيعة حولنا، لأن الحشرات والحيوانات تأكل لحم أبناء جنسها وتلتهم بعضها ونحن لا نحكم عليهم مثلما نحكم على آكلي لحوم البشر. إذاً بالنسبة للطبيعة حولنا نحن المختلفون وقد تقول إن كذلك بسبب أننا الأكثر تطوراً، ولكننا لا نتكلم عن الأكثر تطوراً بل عن الطبيعي والذي يجب أن نفكر فيه قبل إلقاء الأحكام. في مقالي ستتعرف أكثر عن آكلي لحوم البشر ولماذا يفعلون ذلك وبعض الأفكار الأخرى التي ستعتق عقلك من التفكير المظلم.

آكلي لحوم البشر والتفسير المنطقي لهذا الشذوذ

قبيلة الواري من آكلي لحوم البشر حتى ستينات القرن الماضي

قبيلة الواري هي قبيلة من الهنود الحمر ويعيشون بغرب البرازيل وهي قبيلة كانت تأكل لحوم البشر المتوفين حديثاً حتى الستينات الماضية. قامت بزيارتهم العالمة بيث كونكلين ومكثت معهم مدة تتابع أسلوب حياتهم ونظام الدفن الجديد لديهم فعبر لها أعضاء القرية عن حزنهم الجديد بنظام دفن الميت تحت التراب لأن ذلك يجعلهم يقلقون على ابنهم المتواري في ظلمة الأرض. إذ إنهم لم يأكلوا الميت لأنهم متعطشون للدماء بل فعلوا ذلك بسبب حبهم للميت، واحتراماً له ولأهله ولتخفيف عن حزنهم. ولم تكن مراسم الأكل بشعة وهمجية بل هي مراسم حزينة ويأكلون إيماناً منهم باستمرار الميت في الحياة من خلالهم. المراسم تتم في هدوء وحزن وتبدأ بعد موته بثلاثة أيام إذ تخبز النساء الخبز والرجال يجمعون الحطب الذي يزين بألوان من الأشرطة وريش الطيور، ثم يتم دعوة كل الأقرباء ولا يأكلون الأقرباء من الدرجة الأولى. يقطع الجسد إلى أجزاء صغيرة وينظف في هدوء ووقار واحترام مع أغاني وتعزية للأهل، ثم يشوى اللحم على النار الهادئة، ثم يؤكل من الغروب إلى الشروق بهدوء بدون همجية أو سخرية، وأخيراً تكسر العظام إلى قطع صغيرة وتدفن في مكان نوم العائلة. لا يذكر اسم الميت فيما بعد تقديراً للحزن الذي سيسببه هذا في نفوس عائلته، وحتى أملاكه يتم تدميرها حتى تنساه عائلته فلا تعود للحزن عليه.

ليست قبيلة الواري هي وحدها الباقية من آكلي لحوم البشر في التاريخ لأن في بابو غينيا الجديدة توجد قبائل تمارس نفس العادات. وفي بعض المناطق النائية بالصين تأكل الأمهات أطفالهن المولودين موتى وذلك يدل على الحنان والأمومة في اعتقادهن. قد يختلف هذا الأمر عن معتقداتك ولكن ذلك لا يجعلهم دمويين وغير إنسانيين كما ستصفهم. المشكلة تكمن في الادعاءات الكاذبة والتصوير المقزز أو النكات والسخرية على آكلي لحوم البشر في القرون الماضية، فارتبط الأمر في أذهاننا بالقرف والهمجية. فكانت الجيوش تطلق على أعدائها بأنهم آكلي لحوم البشر ويجب أن يموتوا فيجعل الحماسة تسري في دماء الجنود والممولين، وبهذه الطريقة تم قتل جميع السكان الأصليين في الأمريكيتين. يحاول اليوم بعض العلماء تقريب المسافات وإقناع البشر أن آكلي لحوم البشر ليسوا شياطين وهمج، وإقناع آكلي لحوم البشر من ناحية الأخرى مخاطر الأمر ليتوقفوا بإرادتهم بدون تدخلات عسكرية وسياسية.

آكلي لحوم البشر في التاريخ

هل سأصدمك لو قلت لك أن جدك الكبر كان من آكلي لحوم البشر؟ لأن البشرية عزيزي القارئ لم تعرف الدفن في أوائل حياتها بل تعلمت من الطبيعة أن أكل أبناء جنسها هو الطريق الأمثل في الحياة. السبب الحقيقي وراء أعداد البشر الغفيرة أننا لا نفعل ما تفعله جميع الكائنات الأخرى، ونحن من خرجنا عن الهرم الغذائي بأكلنا لغيرنا من الحيوانات. فحين توقف البشر عن أكل جنسه زادت أعداده لتصل إلى المليارات ولا يوجد نوع أخر تمكن من الوصول إلى هذا العدد قبلنا. أكل أبناء الجنس شائع جداً في مختلف الكائنات حتى وإن لم تكن من أكلات اللحوم أساساً، ففي وقت معين حين يزيد أعداد القطيع ولا يوجد تهديد من الخارج يبدأ في أكل بعضها حتى تحافظ على الأعداد محدودة ولتكون الموارد الغذائية كافية. فرس النهر ورغم أنه من آكلي الأعشاب إلا إنه يأكل في بعض الأحيان أفراس النهر الأخرى ليستفيد بنوع نادر من البروتين. أنثى العناكب تأكل ذكر العناكب بعد التلقيح حتى يطمئن العنكبوت أن حيواناته المنوية هي من ستلقح الجيل القادم، وليصير مصدراً غذائياً لاستمرار الأنثى. القوارض تأكل بعضها إذا رأت أن العدد زاد مما سيجلب الحيوانات المفترسة وتهدد القطيع كاملاً. هذه بعض الأمثلة فقط التي تثبت أن الطبيعة بأكملها تأكل نفسها لا لأنها متوحشة بل لأن ذلك هي الطريقة الصحيحة للبقاء وعدم إيذاء الأرض كما فعلنا نحن.

النيندرتال من آكلي لحوم البشر

النيندرتال هو الجد الأكبر للإنسان أو الإنسان البدائي بمفهوم أبسط، ومن المتفق عليه من كل علماء الأنثروبولوجيا أنهم كانوا من آكلي لحوم البشر. الدليل هو الاكتشاف المنتشرة حول العالم كله من عظام وجماجم عليها علامات تشير إلى فصل اللحم عن العظم بالسكين، وأثار السلق أن الشوي كما هي الطقوس المعروفة. تعود هذا الآثار إلى 14 ألف عام ومع الطرق الحديثة لقياس العمر أصبح من السهل القول بإن البشر توقفوا عن أكل بعضهم قبل 1200 قبل الميلاد، وفي أواخر الأمر كان الإنسان يمارس عادات أكل البشر في المجاعات وكطريقة لتبجيل الموتى فقط أو لإخافة الأعداء. أما أسباب آكلي لحوم البشر الأقدم من ذلك فكانت تتلخص في عدم قدرة الإنسان على اصطياد غيره فكان لحم الميت أو الإنسان عموماً هو الأسهل والأقرب إليه تماماً كما كان يشاهد الحيوانات الأخرى تفعل بالمثل، ولكن عندما تطور وأصبح على قمة الهرم الغذائي وبدأ في إتقان الصيد والحفاظ على الغنائم والزراعة ترك أكل لحوم جنسه. لأن ذلك الأمر أصبح يعيق تطوره وانتشاره، وكانت كثرة الأعداد هي المطلوبة لحماية أقوى من بطش الطبيعة.

إثبات أن أجداد البشر من آكلي لحوم البشر

أثار السكين على العظام لا تكفي لتأكيد أن البشر أكلوا بعض قبل ألاف السنين بل يثبت فقط أن العظام تم سلخها ولكن الأدلة القادمة تعطي الدلائل الأكيدة. في مغارات كالورادو اكتشف العلماء عملية قتل لسبعة أشخاص قبل 850 سنة، وبعد قتلهم تم غليهم في قدر وجدوا بقياه وكانت أثار السكين على العظام واضحة جداً للعيان. في بقايا القدر وجد العلماء أثار لبروتين مايوجلوبين وهو بروتين بشري يدخل في تكوين نسيج العضلات، وبالاستعانة بالتحليل البيو كيميائي تمكن للعلماء من تتبع أثار نفس البروتين داخل المغارة إلى أن وصلوا لبقايا غائط بشري بجانب مكان الأكل. من حظ العلماء أن واحداً من آكلي لحوم البشر في ذلك الوقت تغوط في نفس المغارة ووجدوا فيه نفس البروتين، ولأن هذا البروتين لا يوجد في الأمعاء بشكل طبيعي فهذا دليل قاطع على إن هذا البشري قد أكل بشري أخر في هذا المكان.

آكلي لحوم البشر عانوا مرض في الدماغ

السبب الأخر لتوقف الإنسان عن تناول أبناء جنسه هو المرض العقلي الذي أصابه بعد أكل أبناء جنسه، وكان ذلك هو سبب انقراض الإنسان البدائي وبقاء الإنسان الحديث. صاحب هذه النظرية هو بروفيسور في جامعة أكسفورد بحسب دراسته على قبائل بابو غينيا الجديدة. هذه القبائل كانت تأكل موتاهم تبجيلاً لهم حتى وقت قريب وبينما يحظى الرجال بكامل الجسد كانت النساء والأطفال تكتفي بالمخ والأمعاء. في الخمسينات أصبح الكثير منهم يعانوا من نوبات ضحك هستيرية ولا يتحكمون بها ومن ثم حركات لا إرادية واختلال بالحركة والوعي وأخيراً الموت، بما جعلهم على حافة الانقراض. هذا المرض تم تسميته “كورو” لأنه مختلف عن أي مرض في الدماغ وهو ناتج عن أكلهم للموتى، بحيث تعمل تلك البروتينات الخاطئة الداخلة إلى الجسم إلى تلف بروتينات الخلايا السليمة بالمخ، فيحدث لها التصاق وتصبح مثل الإسفنجة. توفى إثر هذا المرض أكثر من 90% من أهل القبائل مما جعل القضية تثبت نفسها، بحيث يكون الإنسان البدائي صاحب الدماغ الأكبر قد انقرض فجأة من التاريخ بسبب أكله لحوم البشر، وحيت يتم دراسة العظام المتبقية من تلك الحقبة قبل 100 ألف عام ستجد الآثار الحادة تدل على نزع اللحم من العظم، وكذلك سحق عظام العمود الفقري والجمجمة للحصول على المخ والنخاع. بحسب طرق حساب انتشار وقوة المرض يمكننا القول بأن كل 250 سنة سيموت 15 ألف شخص بسبب أكله للحم البشر لأن المرض المميت لا تظهر أعراضه سوى بعد عشرين سنة من بداية تلك العادة.

لماذا تخلى البشر عن كونهم من آكلي لحوم البشر؟

إذا لماذا لم نعد نأكل بعضنا البعض اليوم وسؤال هنا يطرحه العلم في وقت سابق لظهور الأديان والمعتقدات والقوانين التي تجرم آكلي لحوم البشر. أي ماذا حدث ليتوقف الإنسان عن أكل أبناء جيله بدون وعي؟ الإجابة تأتي من الباحث جيمس كول ولاحظ في دراسته على الكروموسومات البشرية المختلفة أنها كلها تحمل أثار مناعية ضد نفس المرض “كورو” الذي عانت منه قبائل البابو، بمعنى أبسط أن في وقت ما من التاريخ أصيب البشر بهذا المرض وتطورت الأجهزة المناعية عندهم بسبب طفرة جينية، دفعتهم للتوقف عن أكل لحوم البشر بدون وعي تام ودون معرفة أنه له أخطار من الأساس. وجود بعض البروتينات المتضررة والتطور في الكروموسومات تثبت تلك النظرية، وكانت هي الطفرة التي أنقذت الجنس البشري كلهم وتمنع الدماغ من التحول إلى كتلة مثل الإسفنجة.

آكلي لحوم البشر في نظر الأديان

بالطبع تحرم الأديان السماوية وعلى رأسهم الإسلام عادات آكلي لحوم البشر لأن عادات الدفن أصبحت مختلفة وأصبح التقدير هو دفن الميت تحت التراب وليس تشويه جثته. ولكن يبقى السؤال بهل يصح إنقاذ البشر من المجاعات بأكل موتاهم؟ عند بعض أراء علماء الدين بأن الأمر لا يصلح أبداً وهو جريمة بكل الأحوال، ولكن عند البعض الأخر خاصة في أيام فجر الإسلام ووقوع بعض البلاد في حالة مجاعة شديدة بأن الأمر صالح في الضرورة القصوى وليس لسبب إلا لإنقاذ البشر لأنفسهم من الموت وعند أول فرصة للتوقف يتوقفون. ويبقى الجدال قائماً ونتمنى ألا نقع أبداً في موقف نتجرد فيه من إنسانيتنا لإنقاذ ما بقي منها على قيد الحياة.

في الأخير عزيزي هذا هو الشرح العلمي لفكرة أكل البشر بدون تهيج للمشاعر أو انفعال لأن الأمر مماثل تماماً لأي تقاليد تمارس بالعالم المختلف عنا. أنت يحق لك أن تكره الفعل وتبتعد عن ممارسيه ولكن لا يجدر بك إلقاء الأحكام والسخرية منهم بدون وجه حق، فهم بشر مثلك ولكنهم مختلفون عنك في العقائد والمفاهيم. وكلنا بالأخير مولودين من نفس الجنس البشري الذي مارس نفس العادات في زمنٍ ما.

سلفيا بشرى

طالبة بكلية الصيدلة في السنة الرابعة، أحب كتابة المقالات خاصة التي تحتوي علي مادة علمية أو اجتماعية.

أضف تعليق

2 × ثلاثة =