آكلي اللحوم والنباتيون في حرب على هوامش الحياة بشكل مستمر، حرب هادئة لا ينتج عنها فتات خبز ولا لمعة دهن، لكنها ضرورية لإثراء الحياة البشرية بم فيها من جدالات فلسفية وعلمية، فكثيرٍ من الأبحاث العلمية وُضعت بسبب هذه الحرب واستطعنا أن ندخل لعلم النفس البشرية الغامض بشكل أفضل من خلال الجدالات والمناظرات المستمرة بين النباتيين وأكلي اللحوم على مر العقود الماضية، النباتيون يختلفون مع آكلي اللحوم في نظامهم الغذائي وطريقة المعاملة مع أجسادهم التي مرتبطة بشكل وثيق مع عقولنا وأرواحنا، لذلك الخلاف بين الفريقين ليس خلاف على نوعية الطعام فحسب بل هو خلاف يكاد يرقي لتعقيد الخلافات العقائدية لما يحمله بين طياته من أفكار فلسفية وعلمية مختلفة من كلا الفريقين الفريق النباتي وفريق آكلي اللحوم.
استكشف هذه المقالة
من هم النباتيين وما نوعية الغذاء الذي يتناولون؟
بعضنا لا يفهم بالأساس مصطلح “النباتية” خاصة من يعتبرون أنفسهم من آكلي اللحوم فهم يعتقدن أنهم من يرفضون أكل اللحوم الحمراء “كالبقر والجاموس والخرفان.. ألخ ” في حين أنهم لا يمانعون اللحوم البيضاء “الطيور بأنواعها” أو لحم السمك وهذا المعتقد خاطئ، النباتي شخص يرفض تناول اللحوم بكافة أنواعها البيضاء والحمراء، قد نقول باختصار أن النباتي يأكل فقط كل ما يُزرع ويُغرس ولا يأكل غيره.
النباتيين يتفاوتون في درجات نباتيتهم إن جاز التعبير، لكن كلهم يتوافقون حول رفضهم للحوم بكل أنواعها، لكن هناك نباتيون متشددون أكثر من غيرهم، فمنهم من يفضل تناول النباتات في حالة شبه أولية وبدون إضافات ولا نكهات صناعية، شيئا يشبه “حساء الخضار” للتقريب، ومنهم من لا مانع عندهم من النكهات الصناعية والإضافات.
ومن الضروري هنا أن ننبه أن عالم النباتيين أنقسم هو نفسه إلى فريقين فمنهم الفيجتيرين وهم من يمتنعوا عن اللحوم والأسماك والدواجن، لكنه يمكن أن يأكل منتجات الألبان ومشتقاتها، ومنهم الفيجن وهو البُعد عن كل هذا، اللحوم ومشتقتها والألبان، يمتد كذلك للبعد عن منتجات اللحوم من ملابس الفرو مثلا، اعتقادا بأنه حفاظا على الحيوان.
آكلي اللحوم طباعهم وتفاوتهم وأنواعهم
لكل مذهب أو فكر متطرفون ومتزنون، وأظن أن بصورة عامة التطرف دائماً صورة بشعة للفكر أو للطريقة، لكنها مع ذلك قد تعطي إنذاراً يوضح خطورة الفكر ويوضح أدق تفاصيله النفسية والعلمية، فعندما نتحدث عن آكلي اللحوم فنحن نتحدث عن فئة واسعة من البشرية، في الغالب هم مجرد أناس تحب اللحم ولا تجد مانع أخلاقي يحول دون أكلها، لكن التطرف في التلذذ بذبح الحيوان أو التسلط عليه بأي صورة والذي نجده في فئة من آكلي اللحوم، كما أن الإفراط في تناول اللحوم بأنواعها الحمراء والبيضاء والصيد الجائر وما يرافقه من عمليات وحشية يقترفها بعض آكلي اللحوم هي السمات المخيفة التي تلفت النظر لفئة آكلي اللحوم وتعيد للذهن تساؤلات حول جدال النباتيين وفرضياتهم عن آكلي اللحوم.
الإنسان كائن نباتي والسلسلة الغذائية خُدعة يسوقها آكلي اللحوم
اعتدنا في مدارسنا أن ندرس ما يسمى “بالسلسة الغذائية” أو الهرم الغذائي وكانوا يقولون لنا أن الإنسان طبيعته آكل للحم وأنه يتواجد في أعلى الهرم الغذائي، في حين أن تلك الصورة الأولية للحياة على كوكب الأرض أثبت العلم خطئها بل تبدو ساذجة جداً أمام الدراسات الحديثة، تستطيع معظم الكائنات الحية النباتية كبيرة الحجم الفيل، والغوريلا مثلاً أن تقتل الإنسان بسهولة في حال استفزازها؛ فهذه الحيوانات سبقتنا في السلسلة الغذائية، أما البشر فإنهم علمياً وتاريخياً في المرتبة السفلى من السلسة الغذائية، والسبب أن الإنسان لا يستطع أن يقتل حيوان بدون الأسلحة، ولم تكن لديه القدرة على تناول اللحوم بعد قتل الحيوانات وأكلها نية دون أن يتسبب ذلك في الإصابة بتسمم غذائي أو مرض في مرحلة لاحقه في حياته، وهذا يُعني أننا لسنا آكلي لحوم بطبيعتنا فجميع آكلي اللحوم الحقيقيون يتناولون كل اللحم دون طهي ويفترسوه دون حاجة لأداة أو مساعدة، أما البشر فيحتم عليهم طهي بعض أجزاء الحيوان المقطعة أوصاله للابتعاد عن الأمراض، ونحتاج للأسلحة لنقترب حتى من أي حيوان، وهذا مما لا شك فيه يجعلنا آكلي لحوم مزيفين۔
آكلي اللحوم يؤكدون أن في اللحوم فوائد لا عوض لها في النباتات
إشاعة أخرى يروج لها آكلي اللحوم ويدحضها العلم، صحيح أنه لا يمكن أن ننكر أن اللحم الأحمر والأبيض بأنواعه ممتلئ بالبروتينات والفيتامينات ولكننا لا ننسى أبدا تشبعه بالدهون وخطرها على القلب والشرايين، أما عن البروتينات الحيوانية والفيتامينات فمن الخاطئ الاعتقاد أن الاستغناء عن أكل لحم الحيوان والطير يفقدك ميزة الحصول عليها، فإن عالم النباتات أوسع وأرحب من الحيوان في تنوعه وغناه بكافة البروتينات والفيتامينات الخاصة بجسم الإنسان والتجربة خير دليل، التجربة العلمية والتجربة الإنسانية، أما عن التجربة العلمية فقد أثبتت الدراسات العلمية أن الأغلبية العظمى من الفيتامينات والألياف والبروتينات التي يحتاج لها الجسم موجودة في النباتات وحتى ما يتم امتصاصه ببطء كالحديد من النباتات إذا ما قورن باللحوم كما يرد آكلي اللحوم فإن بعض الوصفات الغذائية النباتية تحل هذه المشكلة ويظل النبات فضل صحياً بوجه عام للإنسان من اللحوم.
النباتيون يحرمون أكل اللحم مما يخالف الشرائع الدينية
كالعادة يحتد النقاش دائماً إذا تناول معتقدات دينية، ودائماً ينشط النباتيون في الدفاع عن فكرتهم ضد آكلي اللحوم في موسم ديني هام وهو “عيد الأضحى” ربما يكون توقيت سيء لكن الربط ليس مقصود، النباتيون يعبرون عن غضبهم من ذبح الحيوانات وما يرافقها من مشاهد في الغالب وبالطبع في موسم الذبح يشتد هذا الرفض ويعلو صوتهم ليظهروا مساوئ هذا الفعل، الموضوع بالطبع ليس ديني ومن الخطأ إقحام الأديان في المسألة فلا تحريم ولا تحليل، الموضوع علمي معملي وفلسفي ولا دخل للدين به، فلا يوجد نص يحرم الامتناع عن تناول اللحم الأحمر لا في الإسلام ولا المسيحية ولا أي دين سماوي.
ليس آكلي اللحوم هم فحسب من يقحموا بالدين في المسألة فالفئة الأشهر في مسألة التحريم لأكل اللحم هم بالطبع الهندوس لما لديهم من اعتقاد في قدسية البقرة، لسنا بصدد الحكم على معتقدات أي شخص أو التسفيه من أفكار جماعة أو فئة، لكننا بالطبع نرفض إقحام المسائل الدينية بشكل عام في نقاش النباتيين وآكلي اللحوم، فهناك بعض المعتقدات تحرم شيئا من الطعام، كلحم الخنزير مثلا في الإسلام، فإن امتنعنا عن نوع من الطعام كنوع من الطاعة لمقدساتنا هو أمر مختلف عن كونك نباتي أو من آكلي اللحوم فلا حاجة لنقاش ديني حول المسألة.
مشاهير آكلي اللحوم والمدافعين عنها من فنانين وعلماء
مايكل روسيلن، أستاذ التغذية الأميركي، يقول أن آكلي اللحوم أقل عُرضة لمشاكل القلب وتقليل الكوليسترول في الدم على عكس الاعتقاد الشائع كنتيجة لوجود حامضين دهنيين يوجدان باللحم وهما الستياريك وهو حامض دهني مشبع، والأوليك وهو حامض دهني أحادي غير مشبع.
الدكتور بلال صفوت يؤكد نفس الرأي لكن يضيف أن تناول اللحم يشترط أن يكون بنسبة قليلة جدا بعدد من الغرامات لكي يستفيد منه آكلي اللحوم دون ضرر.
تتفق معهم جيسيكا جيردوين، اختصاصية حمية وتغذية رياضية “إن اللحوم الحمراء تزوّد العدائين بالمغذيات التي يحتاجوا مثل الحديد، فتساعدهم على الاحتفاظ بمستويات الطاقة اللازمة، كما أنها تزودهم بالبروتينات والأحماض الأمينية اللازمة لترميم التمزقات العضلية الصغيرة التي يتعرضون لها في أثناء التدريبات.” وتضيف أن “قطعة لحم بقر منزوعة الشحم، مثل لحم أعلى الخصر أو لحم ما بين أضلاع القفص الصدري وأعلى الخصر، تُعد مصدرا غنيا بالزنك والحديد، وأيضا بفيتامينات ‘بي’ التي تساعد على تحويل السكريات (الكربوهيدرات) إلى الوقود الذي يمنح الجسم الطاقة اللازمة للقيام بالتدريب والتمارين الرياضية”.
مشاهير النباتيين عبر الزمان والقارات
بطبيعة الحال يجذب النظام الغذائي الصحي مشاهير الفن خاصة والشخصيات المختلفة من السياسة والمجتمع عامة، فالحفاظ على صحة وشكل الجسد مسألة هامة لكل من يعمل في مجال الاستعراض ولمن يعمل في مجال الفكر أو الرياضة أيضاً، لذلك نجد العديد من الأسماء البارزة نذكر أشهرهم من البلدان العربية والأجنبية: الكاتب أنيس منصور، الإعلامي الساخر باسم يوسف، النجمة العالمية جيسيكا شاستين وهى ابنة إحدى الطهاة النباتيين، النجم ليام هومسويرث الذي يقول أنه وبالرغم من أن الأطباء نصحوه بتناول اللحوم الحمراء إلا أنه أكد أنه بمجرد تناولها يشعر بأنه أصبح في أسوأ حال لذلك تخلى تماماً عن تناولها، بالإضافة إلى أنه جمع عدد كبير من المعلومات الخاصة بالحيوانات ومدى تعذيبها لذلك قرر عدم أكل اللحوم.
رئيس أمريكا الأسبق بيل كلينتون أيضا من أبرز الشخصيات النباتية، من النباتيين العرب أيضاً ابن البيطار ذلك الطبيب العربي الذي نشأ في الأندلس وبرع في الطب، والخوارزمي الرياضي والفلكي الإسلامي المعروف ومؤسس علم الجبر.
وفي الغرب كان هناك عدد كبير من النباتيين ومنهم إقليدس، بالإضافة إلى الفيلسوف والرياضي الشهير فيثاغورس الذي امتنع عن تناول اللحوم لاعتقاده فيما يسمى بتناسخ الأرواح.
وفي العصر الحديث، كان هناك فرانك جيمس عالم الفيزياء الأمريكي وأحد الذين عملوا بالطاقة الذرية والحاصل على جائزة نوبل عام 1925 وكان يتناول البقوليات بمختلف أنواعها، ويقول إن تناول اللحوم عادة حيوانية يجب أن يمتنع الإنسان عنها.
آكلي اللحوم والنباتيات في مواجهة الروح
العقل السليم في الجسم السليم، لا أتفق تماماً مع تلك المقولة فليس كل علة تصيب الجسد تؤثر على العقل سلباً بل ربما نفقد كفاءة أحد أعضاء جسدنا لنعوضها بتميز خاص في عقولنا، لكني أعتقد في مقولة الروح السليمة تطفو في بهاء عقل وجسد نقي، دعونا نترك المبالغات جانباً فكما أوضحنا المسائل الطبية هناك أقاويل من أطباء عن صحة آكلي اللحوم وهناك من يؤكد صحة آكلي النبات، لكننا نتحدث عن الروح وصحتها وهناك تجد آكلي اللحوم مستهزئين أغلبيتهم بمدى تأثر نفسيتك وروحك بنظامك الغذائي، إلا أنك لو جربت التعامل بنوع من الارتقاء مع متطلبات جسدك وشهواته فأشبعت حاجاته دون تدني لطمع أو إكثار، فإن النظام النباتي يساعدك على التخلص من الشحنات السلبية بالإضافة للدهون، ويرتقي بروحك بعيد عن فكرة التسلط والتعفف عن التسبب بأي أذى لأي مخلوق، هذا النظام يتبعه كثير من الرهبان لكثير من الأديان وأيضاً بعص لاعبي الرياضة الروحية كاليوجا.
آكلي اللحوم هم النسبة الغالبة من البشر إلا أن التطور الملحوظ في عدد النباتيين حول العالم أمر إيجابي لما يتضمنه من رسالة ضمنية من نبذ للعنف ومحاولة للارتقاء بالنفس البشرية عن كل تدنيس له بدم أي مخلوق آخر، بعيداً عن أي رسالة ظاهرية أخرى صحياً أو نفسياً لتفوق آكلي النبات على آكلي اللحوم.
الكاتب: شيماء سامي
أضف تعليق