ليس هناك من يستطيع التحدث عن الموت أكثر من منفذي الإعدام. القتل يعتبر جريمة بشعة وتلك الجريمة تجبر نفس المجرم إلى المرور بحافة الجنون. الأمر معقد جدًا، حتى أعتى السفاحين ولابد لهم أن شعروا بشيء ما في أول مرة سلبوا فيها نفس إنسانية. ولكن عملية القتل الوحيدة التي لا يعاقب عليها القانون، هي تنفيذ حكم الإعدام، الذي أصدره القاضي بالفعل على المجرم. فيضع منفذي الإعدام بذلك في مكان لا يحسدون عليه. لابد لهم وأن يشعروا بمشاعر مختلطة في الوقت الذي يقتلون فيها هذا المجرم، مهما كانت جرائمه. ولك أن تعرف أن منفذي الإعدام متواجدين منذ فجر الإنسانية، فلابد أن يوجد من ينفذ حكم القاضي. هنا في هذا المقال قصص من أفواه منفذي الإعدام أنفسهم، يرون فيها ما يشعرون به في تلك المواقف. إن الأمر ليس كما الأفلام أبدًا في الحقيقة.
من أبشع الوظائف وظيفة منفذي الإعدام ، فمن هو؟ وكيف يشعر؟
فريد ألين
فريد ألين هو واحد من فريق الضباط المسئولين عن ربط السجناء، حتى لا يفروا أو يتمردوا في تلك اللحظات الأخيرة قبل تنفيذ حكم الإعدام. وذلك في سجن هانتسفيل بولاية تكساس. فريد مع باقي فريق منفذي الإعدام، شاركوا في أكثر من 120 عملية إعدام. ومن بين هذه العمليات من قاوم الفريق إلى أخر نفس لديه بشراسة. وقد قال إنه كان يعمل في بيته، وفجأة بدت وجوه الأموات كلها وكأنها تهجم عليه من داخله مرة واحدة. فبدأ جسمه يرتعش ويرتجف دون توقف، إن الأمر أتى إليه فجأة وكأن الأفكار تراكمت مرة واحدة مجمعة. الدموع الغزيرة لم تتوقف ولم يقدر على السيطرة على نفسه. كل عمليات الإعدام التي نفذها مرت أمام عينيه بسرعة وأخذت تهاجمه في تلك اللحظة بالضبط.
بعد تلك اللحظة قرر فريد أن يترك عمله نهائيًا. وقد قال رئيسه جيم ويليت، أنه لا يعرف لما قد انهار بتلك الطريقة بشكل مفاجئ، بدون أي بوادر. النفس البشرية معقدة جدًا وقد يبقى الإنسان صامتًا إلى وقت الانفجار. إنه كان يقلق حقًا على باقي فريقه، وإنه يلاحظ ذلك الألم أحيانًا في أعينهم. خاصة بعد انتهاء كل عملية.
بدون أسماء
حين يتعلق الأمر بمنفذي الإعدام فهم بالتأكيد لا يحبون أن تُعلن أسمائهم، ولكنهم لا يخجلون من رواية قصصهم علينا. أحد هؤلاء الرجال قال، بأن المحكوم عليهم بالإعدام يسمح لهم بأن يقول كلمتهم الأخيرة. البعض منهم يصلي، والبعض الأخر يغني، وهناك من يقوم بالدفاع عن نفسه لأخر مرة، ليقول للعالم بأنه كان مظلومًا. ولكن هناك من ينظر لعين منفذي الإعدام، ويقول لهم “مع السلامة”. إنه أمر مرعب أن تنظر لعينين الشخص الذي ستقتله بيدك الآن، وأنت لا تعرف بالفعل ما إذا كان ظالم أم مظلوم.
هناك رجلًا أخر لم يرغب بقول اسمه أيضًا، ويقول: بعد لحظة الموت أنت لا تسمع أي شيء. ليس هناك أم تبكي على ابنها، لا يوجد شخصًا واحد يفتقده موجود ليبكي على فراقه. نحن فقط من نكون بجانبه. إنه أمر بشع حقًا، ولحظة الصمت تلك لا تتمكن من نسيانها أبدًا. مهما كان مجرمًا فهو يبقى إنسان.
رجال الدين
منفذي الإعدام ليسوا وحدهم من يعانوا من تلك اللحظات الصعبة. لأن لكل مجرم الحق في لقاء رجل دين تابع للدين الذي يؤمن به، حتى يعترف بذنبه لعل الله يغفر له. بعضًا من هؤلاء الرجال يبقون مع المجرم إلى أخر لحظة، حتى يقولوا له بأنهم هنا معه. من هؤلاء الرجال قسيس، لم يرغب بالإفصاح عن اسمه. لقد قال: في أغلب حالات الإعدام أبقى مع السجين إلى أخر نفس، وأمسك برجله تمامًا تحت الركبة، وأضغط عليها ليشعر بأني هنا. أكمل كلامه: يمكنك أن تشعر بالرجفة التي تسيطر عليهم، الخوف الذي يمتلك هذا الإنسان في تلك اللحظة، القلق الذي يمتلك كيانه، يمكنك أن ترى القلب وهو يطلع وينزل مثل الأمواج، وتراه واضحًا جدًا من تحت القميص. لقد شاهدت الكثير منهم حتى أخر نفس يخرج منهم مع أرواحهم، وأعينهم تبقى مثبتة عليَ طيلة الوقت. تلك العيون تقفل مرة واحدة مع بعض، فلو أغمضت عيناي الآن أستطيع بوضوح تذكر أعينهم. مشاعري وإحساسي في تلك اللحظة تكون مرتبكة جدًا في تلك اللحظات. ولا يمكنني أن أوصف مشاعري جيدًا، في الحقيقة أنا أخاف من وصفها، لم أود يومًا أن أتعمق داخل نفسي خوفًا مما قد أجده. إنني حقًا أبقي هذا الجزء من نفسي في زاوية بعيدة لا أقترب منها.
كينيث دين
كلام هذا الرجل عند إجراء مقابلة صحفية معه، يعطيك المعنى الحقيقي للتشويش والتضارب في التفكير، حتى كلامه لا يبدو أنه مرتب أو معقول، مثل أفكاره تمامًا المرتبكة. إنه رئيس فريق منفذي الإعدام في سجن هانتسفيل منذ عام 2000. لقد شارك في أكثر من 130 عملية إعدام، ومن بعدها قرر عدم العد مرة أخرى. لقد قال إن ابنته والتي تبلغ من العمر السبعة أعوام فقط، أتت له وسألته، ماذا تعني كلمة إعدام؟ وماذا تفعل أنت يا أبي؟ ولماذا تفعل ذلك؟ قال كينيث: إنه من الصعب جدًا شرح أمر كهذا إلى طفلة صغيرة، ماذا قد أقول عن نفسي لها؟ ولم أجد كلمة سوى، بأن هذا جزءًا من عملي لأجلب المال.
أكمل كينيث حديثه: كلنا نتساءل ما إذا كان عملنا صحيحًا، فهناك من سيحكم علينا أيضًا وعلى أفعالنا يومًا ما. أنا أخمن بنفسي بأنه صحيح، ولكنه أحقًا صحيح؟ هل الطريقة التي أشعر بها من ناحيته صحيحة؟ يفترض عليك أن تشعر بإحساس معين، وبأن هذا الرجل يعاقب على أفعاله ليس إلا، ولكن بعد ذلك تبدأ بالتفكير، أهنالك شيء خاطئ بداخلي لأشعر بهذا الإحساس؟ هل أنا إنسان طبيعي؟ وإن حاولت التي تكبح التفكير في الأمر، فبعد فترة ستسأل نفسك، لماذا لا يزعجني الأمر، أنا إنسان ولابد له أن يزعجني. إن ما نعمله مجرد عملية روتينية، وأنت تتوقع أن ترى الأسوأ في لحظة الموت، ولكني لا أرى الأسوأ في لحظة الموت. وإن كنا سنتخلى عن عملنا ولن نفعله، فمن سيفعله؟
مايستر فرانز شميت
عمل هذا الرجل ضمن منفذي الإعدام الأكثر احترافية وشهرة، بين الأعوام 1573 و1617، في ألمانيا. أثناء ذلك الوقت كان مايستر يمتلك جريدة خاصة به، ويكتب فيها كل عمليات الإعدام التي ينفذها واحدة تلو الأخرى. من هو المجرم وما جريمته، وكيف أعدمه، وكأنها كتاب يوميات. لقد نفذ هذا الرجل بحكم القانون، 361 عملية إعدام في مسيرته المهنية. بالإضافة إلى المئات من عمليات التعذيب والتشويه، والجلد والحرق. في أول مقال للجريدة كان في يوم 5 يونيو 1573. كتب قائلاً: Leonardt Russ”، من مدينة Ceyern. هو لص ولقد أعدمته بالحبل في مدينة Steinach. إنها أول عملية إعدام لي.” وعلى هذا المنوال كتب الكثير من القصص، بدون إظهار أي عواطف، وكأنها عملية عادية جدًا. إلا إنه بعد الكثير من القصص بدأت نبرة الكتابة في التغير.
بدأت القصص تكون أكثر تفصيلًا، وتتحدث قليلًا عن مشاعر مايستر نفسه. نستطيع أن نقول أكثر تعبيرًا عن “الإنسانية”، حتى لو كانت مشاعر للغضب، لأنها تظهر أنه يشعر بشيء على الأقل أثناء عمليات التنفيذ. بتاريخ 28 يوليو 1590، كتب قائلًا: “فريدريش ستجلر من نورمبرغ، إنه نحاس ومساعد منفذ إعدام أيضًا. وعلى أساس الكثير من الاتهامات الموجه له، أولاً: أنه قدم اتهامات عن بعض زوجات المواطنين بأنهن سحرة ويصبون اللعنات على البشر، ويقول إنه يعرفهن من خلال بعض العلامات، وتلك الإشاعات خطيرة وخاطئة. ثانيًا: تهديده لأخيه بالشنق أمام المحكمة في بامبرغ منذ عدة سنوات. ثالثًا: بسبب اتخاذه لزوجة ثانية من حياة الأولى، وزوجة ثالثة في حياة الثانية، وموت الأولى. أنا أعدمه بالسيف وبدون رحمة.”
جون كيتش من منفذي الإعدام الأكثر كراهية في التاريخ
ليس لأن منفذ الإعدام يقوم بذلك تحت أمر القانون، بأن ذلك يعفيه من أي عقوبات. فلابد للإعدام بأن يكون سريعًا ورحيمًا بقدر الإمكان. وإلا فما الفرق بين منفذي الإعدام والسفاحين! ولكن جون كيتش يثبت أن هناك عقول مريضة تأخذ من ذلك المنصب مكان مناسب للقتل دون مواجهة عقوبة القانون. ذلك الرجل اشتهر بأنه منفذ إعدام في إنجلترا عام 1663. وبعد وقت قصير اشتهرت سمعته السيئة، وكان هناك ازدراء عام كبير من ناحيته. وفي مرة من المرات، استغرق الأمر منه ثماني ضربات بالسيف حتى يقطع رأي الرجل. رد الفعل الشعبي تجاه هذا الرجل كان عنيف تمامًا مثل عمله. ولذلك كتب رسالة للدفاع عن نفسه، وإليك نص الرسالة:
“أنا أكتب تلك الرسالة، من أجل الدفاع عن نفسي والخروج بريئًا قدر الإمكان. بعد كل تلك الإهانات والقذف والاتهامات الخطيرة التي وجهت لي، عن عدم قطعي لرأس اللورد راسل في ضربة واحدة فقط. وقد قصدت بالفعل أن أضيف بعض الضربات التي لم تقطع الرأي بالكامل أولًا، لأضيف ألمًا غير عاديًا لعملية الإعدام. وحقًا يمكن أن توصف أعمالي بالوحشية وعدم وجود أي رحمة إنسانية بها، ولكنها صفة أخرى لمهنتي. ليس لي ذنب في الأمر، السبب الحقيقي وراء فعلتي هذه، أن اللورد راسل نفسه هو الذي لم يحب أن يخرج من عالمه بسرعة.” لقد ألقى جون باللوم على المعدوم نفسه، وبسبب هذا طلب أحد المحكومين عليه بالإعدام، بعدم قتله كما اللورد راسل بالتحديد. كاد جون أن يقتل بدون محاكمة نتيجة لأعماله السيئة. ولكنه نجى ليرتبط اسمه بعد ذلك بالحياة البائسة لمنفذي الإعدام.
فرناند ميسونيير
فرناند هو من ثاني جيل في عائلته ليعمل بمهنة منفذي الإعدام. وهو رجل فرنسي مسلم، في الوقت الذي كان فيه الإسلام الديانة الأولى في فرنسا. وأخر رجل يعمل بهذه المهنة بشكلها التقليدي القديم. رأى فرناند عملية الإعدام الأولى في حياته، وهو بسن السادسة عشر فقط. وكان مع أبوه، أثناء تأديته لحكم الإعدام. وكان يرغب بتعليم ابنه هذه المهنة البشعة. لقد جعله أبوه يقفل في زاوية ليرى فيها كل ما يجري. وعندما سمع صوت الآذان قادمًا من المسجد في أخر الشارع، قال أبوه: أن الوقت قد حان. فجاء رجلان ومعهم رجل أخر يجرانه من الأرض. فوضعوه على منصبة الإعدام ورأسه في المنتصف. وبدون تردد في وقت يقل عن أجزاء من الثانية، كان أبوه قد قطع رأس المجرم. وقال فرناند أنه سمع صوت الرجل بنفسه، وكأنه صوت يقول: أأأأه، بالتأكيد كان منظر رهيب بالنسبة إلى طفل.
في مذكراته شرح فرناند جميع عمليات الإعدام التي قام بها، والعمليات التي نفذت بطريقة سيئة. وفي حالة ذهنية صافية قال: “إنه مثل فيلم سريع جداُ، في ثانيتين فقط ينتهي الأمر حين يصل النصل إلى الأرض. إنه يعطي لك شعورًا بالقوة لمدة قصيرة جدًا. فأنت لا تفكر أبدًا بالشخص وإنما تركز على أسلوبك في التنفيذ. أثناء عمليات الإعدام، أنا أفكر في ضحايا هذا الشخص، أفكر فيما قد عانوا منه، وأفكر أن هذه طريقتهم هم في الانتقام.”
ولكن بعد عشرات السنين من تخليه عن تلك المهنة، كان لفرناند رأيًا أخر في عمليات الإعدام، لقد بدأ يعارض الفكرة نفسها. لقد قال يومًا: “عندما أرى والد أحد الضحايا على يد المجرم الذين قمت أنا بإعدامه والانتقام بدلًا عنه، لا أرى أنه قد ارتاح رغم مرور السنين. إنه مازال يريد الانتقام، ولكنه الآن لا يعرف طريقة للانتقام. أعتقد أن بقاء المجرم في السجن مدى الحياة هو أفضل انتقام من الموت، بالنسبة إليهم”. كما قام فرناند بتغير مهنته إلى نوع أخر من الإعدام (وكأنه لا يعرف مهنة أخر غير القتل)، ولكن هذه المرة قتل الآفات والحشرات.
هنري سانسون
عائلة سانسون كانت تمد فرنسا بالكثير من منفذي الإعدام على ممر أكثر من 200 عام. هنري، ووالده، وجده، كلهم من أصحاب مهنة تنفيذ حكم الإعدام. حتى إن الجذور تصل أيضاً إلى عائلة والدته، لأن جده رأى أنه من الأفضل أن يتزوج ابنه من ابنة منفذ إعدام أخر، حتى لا يحتقر واحد منهم مهنة الأخر. إنه إرث عائلي يمر بالعائلة بأكملها، وقد حان الدور على هنري. لقد حققت تلك العائلة رقمًا قياسيًا في عدد عمليات الإعدام. وقد تكلم هنري في مقابلات صحفية معه عن عائلته وعن عملياته، وعم أراء العائلة بأكملها حول الموضوع.
واحدة من تلك العمليات التي نفذها أثرت فيه بشكل كبير، وكانت لشاب لم يبلغ سوى الواحد والعشرون من عمره. كان متهم بقتل أمه، وشخص أخر أيضًا لأنه اكتشف الجريمة الأولى، بالإضافة إلى إنه سارق. كتب هنري: “عندما وصلت إلى السجن، سمعت صراخ بكاء الشاب من الزنزانة عندما أعلموه أن الوقت قد حان. ثم بدأ يظهر في أخر الممر وهو محاط بحارسين يسندونه، ولم أرى في حياتي مثل هذا الضعف والخوف قبل الموت. لكنه لم يقل أي شيء أثناء قيام المساعدين بقص شعره. ولكن عندما جردوه من ملابسه بدأ يصرخ ويتشنج، وكلمات الوحيدة التي فهمتها كانت: الرحمة، أنا بريء، لا تقتلني. تم وضع الغطاء الأسود على رأسه، وبدأ طريقه نحو المقصلة. سلقد أُغمي على الشاب أكثر من مرة. وفي كل مرة كان يفيق فيها، كان يقول بنبرة حزينة وضعيفة، أن أحد ما هو الذي تسبب في قتله، وأن أمه تعرف أنه بريء. وكان مصرًا جدًا على براءته، والكاهن الواقف كان يشجعه ليقول الحقيقة ويعترف. إلى أن وصل أمام المقصلة تمامًا، وهنا فقط ركع على قدميه، وقام بالاعتراف عن جريمته. ولقد سمعت هذا الاعتراف بوضوح، ووقتها فقد ارتاح بالي. لأني كنت أتابع محاكمة هذا الشاب من أول لحظة، وفي رأيي المتواضع، كانت الأدلة التي تتهمه غير أكيدة أو مقنعة.”
في الأخير تقاعد هنري عن مهنته، وكانت أخر ما قال: “وأخيرًا جاءت لحظة خلاصي من هذا العمل. وأنا أرى أكثر من خمسين شخص يتنافسون من أجل هذا المنصب، أما أنا فأقول إنني أخيرًا أخذت حريتي.”
هنري بيريبوينت من منفذي الإعدام
إنه جزار، وزوج، وأب لخمسة أطفال، ولكنه أيضًا واحد من منفذي الإعدام التي تنتهي قصتهم بشكل مؤسف. لقد قام بتنفيذ 99 عملية إعدام خلال مهنته التي استمرت إلى عشرة سنوات، إلى عام 1910. ومن ضمن كل تلك العمليات وصف لنا عملية إعدام لم ينساها طيلة حياته. من زنزانة المحكوم عليه بالإعدام، سمع فجأة صرخة كبيرة وعالية تروي عن ألم عميق، تقول: يا الله ساعدني، من بين الصمت المهيمن عليها. وبعد ذلك شاهد بعينه مدى ضعف الرجل وألمه لأنه علم أن أخر لحظات حياته على الأرض قد جاءت. بخطوات ثقيلة ومتعثرة حملوا فيها الحراس هذا الرجل إلى منصة الإعدام. وهنري كان يشاهد الدموع المنهمرة بغزارة على وجه الرجل. بعدما تم إنهاء كل الترتيبات اللازمة، صرخ الرجل مرة أخرى: يا الله، الرحمة على روحي. بعد تنهدات عديدة ثم هدوء تام، انتهى الأمر.
نهاية حياة هنري العملية كواحد من منفذي الإعدام، كانت في اللحظة التي دخل فيها إلى السجن لإجراء عملية شنق، وهو في حالة سُكر شديدة. فتم إزالة اسمه من قائمة منفذي الإعدام المعتمدون داخل إنجلترا. وكُتب على ملفه في وزارة الداخلية، “لا يتم توظيفه مرة أخرى”.
ألبرت بيريبوينت
ألبرت هو ابن هنري بيريبوينت، وقد اتخذ مهنة والده كواحد من منفذي الإعدام الذين حملوا هذا اللقب، قبل أن يتم إلغاء عقوبة الإعدام في بريطانيا. وذلك في عام 1965، أي بعد تسعة سنوات من تقاعد ألبرت عام 1956. أجرى ألبرت 400 عملية إعدام في خلال 15 سنة من عمله، وبعد سنة واحدة من تقاعده كتب عن تلك العمليات التي لم ينساها، وكتب أيضًا سيرته الذاتية الذي أوضح فيها وجهة نظره عن عقوبة الإعدام بشكل صريح. وقال: لكل منا إجراءاته المختلفة، أنا كنت أقوم في تمام الساعة السابعة صباحًا، وأذهب إلى غرفة الإعدام لأقوم بكل الترتيبات اللازمة. وكنت أنتهي منها قبل نصف ساعة من الموعد المحدد، وهذا كل ما في الأمر، ليست هناك أي إثارة أو تعقيد.
وعن وجهة نظره في عقوبة الإعدام قال ألبرت: “لقد استنتجت في خلال عملي أن عقوبة الإعدام لا تحل أي شيء، إنها مجرد بقايا داخلية لتحقيق الانتقام، ولكن بطريقة مختلفة ومقننة. فيأخذ الشخص بهذا انتقامه، ولكن بدون أن يلوث يده، ويترك الأمر على عاتق شخصًا أخر. المشكلة في الموت، أن أحدًا لا يريد ذلك لغيره، ولكن الجميع يظل مختلف على من يستحق الموت بالفعل.”
جيري جيفنز: أخر منفذي الإعدام في قائمتنا
جيري كان من أهم منفذي الإعدام في ولاية فيرجينيا الأمريكية خلال الأعوام 1982 و1999. لقد شارك في تنفيذ حكم الإعدام على 62 شخص. وقد قال: “لو كان لي الاختيار، لاخترت الموت بالكهرباء، لأنه أكثر إنسانية وأرحم من الموت باستخدام الكيماويات. إنك لن تستطيع رؤية الكهرباء وهي تمر في داخل ذلك الإنسان لتميته، فتكون أنت أقل تعلقًا بالأمر، لأنها مجرد كبسة زر لمرة واحدة فقط والباقي تتركه للجهاز. أما الكيماويات فتستمر لمدة طويلة وأنت ترى بنفسك تأثيرها على هذا الإنسان، ومن ناحية أخرى فأنت تقف ممسك بثاني حقنة منتظرًا بداية مفعول التي سبقتها. ويتكرر ذلك التعلق والعذاب مع الحقنة الثالثة والأخيرة، وأنت تراها تصبح فارغة بالتدريج، ومحتوياتها داخل هذا الإنسان. أنت بالحقيقة ترى الأمر بأكمله بشكل بطء، وأنا أعرف ذلك جيدًا لأني قمت به.”
وعن سبب توقفه قال: “سأجعل القصة قصيرة عليكم، أنا شاركت في عملية غسيل أموال وشهادة زور لمساعدة صديق لي، والذي كان قد أخذ الأموال بطريقة غير شريعة ويريد شراء سيارات للتجارة بها. لقد اعتقدت أنه سيصلح طريقه ولكنه لم يفعل. في أثناء محاكمتي شعرت بالظلم، فأنا لم أحاكم بطريقة صحيحة، ولذلك سجنت في سجن فيدرالي لمدة 57 شهر. وحينها تخيلت بأن بعضًا من الأشخاص الذين شاركت بإعدامهم، قد يكونون مظلومين ولم يأخذوا حقهم الكامل في أثناء المحاكمة. وحينها أدركت أن النظام بأكمله على خطأ كبير.”
وحين سُأل على أكبر خطأ في حياته قال: “أكبر خطأ فعلته وأندم عليه، هو حين قررت أن أكون من منفذي الإعدام. الحياة قصيرة جدًا وليس لدينا سوى 24 ساعة في اليوم. الأمر لا يستحق أن ننهي حياة شخص بأنفسنا، لأن الموت أتي لا محالة.”
في النهاية عزيزي القارئ، هذه كانت قصص وآراء منفذي الإعدام. إنهم بالفعل رجال يعانون في عملهم، لأنه يمس النفس البشرية بشكل كبير.
أضف تعليق