تسعة
الرئيسية » سفر » مدينة الإسكندرية : كيف كانت عاصمة العالم في يوم ما ؟

مدينة الإسكندرية : كيف كانت عاصمة العالم في يوم ما ؟

كانت مدينة الإسكندرية واحدة من أهم المدن في العصور القديمة، نستعرض هنا تاريخ مدينة الإسكندرية ، ومظاهر نهضتها الثقافية والعمرانية والسياسية.

مدينة الإسكندرية

مدينة الإسكندرية بمصر من أعظم مدن العالم بالتاريخ، ومن أهم مدن مصر الحالية، فلها تاريخ عريق يشهد كل جزء فيها عن هذا الأمر حتى إن بنائها وبدايتها لم تكن عادية أبداً فهي مميزة في كل شيء. وحتى الآن في وقتنا الحالي تجذب مدينة الإسكندرية العديد من الزائرين داخلياً في المصيف وخارجياً للسياحة عامة. لتتعرف على تاريخ تلك المدينة أكثر وتفهم عنها أشياء قد لم تكن تعرفها، اقرأ هذا المقال.

تعرف على تاريخ وحضارة مدينة الإسكندرية

بداية بناء مدينة الإسكندرية

لم تكن مدينة الإسكندرية موجودة بشكلها الحالي منذ القدم لأنها مبنية بطريقة بشرية وليست طبيعية، فهي كانت عبارة عن قرية صغيرة تدعى راكتوس أو راقودة، أيام الحكم الفارسي وإمبراطورتيهم الواسعة، وكان على الإسكندر الأكبر إن أراد أن يهزم الفرس فيجب أن يمتلك مصر، لأنها طالما كانت النقطة الأساسية الفاصلة في التحكم بهذا الجزء من العالم، فدخل الإسكندر مصر وأحبه المصريون وتوجوه وكأنه فرعون ولقبوه بابن أمون وأقاموا له مراسم التبني بالفعل في معبد آمون فكان قائداً محبوباً وليس مستعمراً، وكان ذلك عام 333 قبل الميلاد.

وحين كان يمر بتلك القرية الصغيرة أعجبه المكان فقرر بناء مدينة تحمل اسمه هناك لتكون صلة الوصل بين أثينا ومصر وتصبح عاصمة مصر، فأعطى شرف بنائها إلى المهندس دينوقراطيس الذي نسقها على نفس نمط مدن اليونان بطريقة منظمة وشوارع أفقية ورأسية، فهدم جزءاً من البحر وربط بين جزيرة تسمى فاروس مع القرية ليتوسع في البناء ويصبح ميناء الإسكندرية واسع جداً بطول 70 كم تقريباً. مع الأسف الإسكندر عندما خرج منها لإكمال باقي فتوحاته مع جيوشه لم يرجع لها مرة أخرى لأن مرضاً داهمه وقتله بعد عشرة أيام في سن ال32 عام فقط بعدما وصل الهند. صحيح أن الإسكندر في ترحاله أمر ببناء مدن أخرى تحمل لقب الإسكندرية لتكون تراثه الذي يتركه للعالم، ولكن باقي تلك لمدن لم تعيش وتكون ذو أهمية كإسكندرية مصر حتى إن اسم معظمها تغير مع الوقت ولكن في مصر بقيت كما هي.

كان مدينة الإسكندرية مدينة عسكرية في الأول من ثم بعدما تحولت لتحت حكم البطالمة بعد تقسيم الإمبراطورية اليونانية بعد موت الإسكندر أصبحت عاصمة ومقر لهم واشتهرت بالحدائق والشوارع الرخامية الفخمة، فكانت مدينة عريقة بمعنى الكلمة كما بنوا بها معلمين أساسين: الأولى مكتبة الإسكندرية وتعتبر أول معهد أبحاث بالعالم القديم لاحتوائها على أهم الكتب آنذاك العلمية والفلسفية من أشهر أدباء وعلماء العالم، بكتب تصل إلى 700 ألف مجلد، وكان ذلك مجموعة كبيرة بذلك الوقت، ولم تكن فقط مكتبة بل كانت مثل الجامعة، مكاناً للمحاضرات العلمية والفلسفية والندوات وتجد في كل زاوية منها طالبي العلم في ساحاتها. ثاني معلم كان منارة الإسكندرية وهي تعتبر من عجائب الدنيا السبع لطولها الضخم ونورها العالي الذي كان ينير البحر للبحارة ليرشدهم إلى الميناء، مع الأسف كلا المعلمين تدمرا الأول على أيدي المتعصبين والثاني بفعل زلزال سنة 1307.

كانت الإسكندرية عاصمة البطالمة أقوى الخصوم بالعالم آنذاك وبذلك فهي عاصمة العالم خاصة الشرقي، وفي 80 قبل الميلاد أصبحت اسمياً تحت حكم الرومان ولكن في 47 قبل الميلاد أصبحت فعلياً بيد الإمبراطور يوليوس قيصر بسبب النزاع القائم بين بطليموس الثالث عشر وشقيقته كيلوبترا، ولكن مكر كيلوبترا لم يوقفها عن ذلك الحد بعدما تمكنت من حكم مصر وكونت حلف مع أنطونيوس ضد أوكتافيوس والأخير انتصر بالنهاية لتنتحر كليوبترا ويصبح هو الإمبراطور أغسطس قيصر. ومنذ ذلك الحين أصبحت مدينة الإسكندرية ولاية رومانية ولكنها لم تكن مثل الباقي لأنها بقيت على قوتها بأنها ثاني أهم مدينة بتلك الفترة بعد العاصمة روما مقر القيصر وذلك عام 30 قبل الميلاد.

لم تكن مدينة الإسكندرية مدينة هادئة بل لم تتوقف فيها الثورات ضد الحكم الروماني أبداً وعرف عن أهلها أنه هائج أكثر من أي شعب أخر في مدن مصر كلها، حتى إن في عام 215 ميلاداً قتل الإمبراطور عشرين ألف شخص بسبب الاضطرابات وقصيدة الهجاء التي قيلت عنه، وكانت الديانة الوثنية متأصلة بالمدينة وبها معابد كثيرة لكل إله، وسمح لليهود بأن يكونوا جزء مهم منها بل وقادة مهمين فيها، ولكن مع ولادة الديانة المسيحية بدأت الصراعات تزداد فكانت الإسكندرية رمزاً للاضطهاد الديني للمسيحين وكانوا يموتون ويسحلون في شوارعها، ثم انقلب الأمر في عهد ثيودوسيوس الكبير ذلك الإمبراطور الذي ألغى الوثنية واعتنق المسيحية ومعه كل الإمبراطورية، فأصبحت الإسكندرية مقر البابا البطريرك الذين تمتعوا بحكم ديني وسياسي على الشعب، وتحت قيادة البطريرك ثيوفيلوس (385-412م) تم تدمير كل المنشأة الدينية والمعابد والمسارح الرومانية ولم يتبقى منها غير بقايا قليلة، وتم اضطهاد وقتل الكثير من العلماء الوثنين لإتباعهم أفكار العلم ضد الإيمان المسيحي آنذاك، ولكن اليهود ظلوا يتمتعون ببعض الحماية.

بعد ذلك تسير الأحداث في الاتجاه الدمار بسبب حكم الإمبراطورية البيزنطية ومن ثم قوة الفرس الضاربة ولكن الأمر لم يطول حتى تعالى اسم الديانة الإسلامية بالمنطقة وبعدما دخل الفتح الإسلامي إلى مصر بقيادة عمر بن العاص، وفتح الإسكندرية وطرد منها الرومان ولكن أمن الأقباط على حياتهم، أصبحت مدينة الإسكندرية ميناء مصر وليست العاصمة وبنيت فيها المساجد الأثرية الشهيرة. وفي العهد المملوكي بنى السلطان قايتباي قلعته الشهيرة في نفس مكان المنارة المدمرة إثر الزلزال وصمدت أمام الغزوات الصليبية. وبعد اكتشاف طريق الرجاء الصالح ومع الحكم العثماني وبعده بونابرت ثم محمد على باشا قل الاهتمام بالإسكندرية ونسى التاريخ أنها كانت عاصمة العالم في يوم ما.

أشهر قصص مدينة الإسكندرية

على مر التاريخ شهدت الإسكندرية قصصاً مثيرة لعماء وأدباء عرب وغير عرب، فقد كانت موقع مهماً يستقطب العلم من حول العالم كله خاصة بسبب مكتبتها القديمة والتي بنيت على أثارها مكتبة الإسكندرية الجديدة التي تحتوي على ملايين الكتب، ومن ضمن هذه القصص قصتان مثيرتان سأحكي لك عنهم:

الأولى عن الملكة كيلوبترا التي أثرت العالم بجمالها آنذاك وكانت بسبب دهائها وذكائها تمثل عنصر مهم بين قيادات العالم الرجال، فكانت سبب حرب كبيرة بين حبيبها أنطونيوس وعدوهم أكتافيوس وكانت تريد السيطرة على الإمبراطورية الرومانية وتجعل الإسكندرية عاصمة العالم أجمع. ولدت بعائلة ملكية فأبوها بطليموس الثاني عشر وأخوها بطليموس الثالث عشر الذي طلبت من يوليوس قيصر أن يساعدها على التغلب عليه بطريقة درامية ومن ثم حكمت مصر بضع سنوات ومات يوليوس لتقسم المملكة بين أنطونيوس وأكتافيوس، ولكن أنطونيوس انهزم أمام أكتافيوس في المعركة البحرية “أكتيوم” فانتحر قبل أن يمسك به، فلما سمعت كليوبترا الخبر انتحرت هي أيضاً بسم الثعابين في قصرها في الإسكندرية.

القصة الثانية أتحدث فيها عن العالمة الكبيرة هيباتيا، التي كانت عالمة فلك وفلسفة ورياضيات فلم يكن العالم تخصصات آنذاك، ولدت لأب عالم وكانت تعمل محاضراتها بمكتبة الإسكندرية ولديها تلاميذها، ولكنها ولأنها وثنية وغير متزوجة كانت محط الاتهامات في العصر الذي تمكن فيه المسيحيين من السيطرة على المدينة، فبدأت بينها وبين المسحيين مناوشات شديدة ولأنها لم ترضى أن تنصاع لأشياء لا تؤمن بها، ولأنها تؤمن بالعلم، أُخذت هيباتيا من بيتها وتم تجريدها من الملابس وسحلها في المدينة ورجمت ثم قطع جسدها إلى أجزاء ورموه في كل أجزاء المدينة لتصير عبرة للوثنيين. لم تدم أعمالها وأقولها لأن كل أشياءها تدمرت بعد ذلك ولكن التاريخ يثبت أنها كانت عالمة كبيرة كما يقال بأنها أول من فكرت وغالباً استطعت أن تثبت الأرض بيضاوية وليست كروية مثل ما كان يزعم المسيحيين، ولكن تلك الأقاويل لا يوجد عليه دليل مادي فعلي.

أهم معالم مدينة الإسكندرية

لما يرغب بزيارة حقيقية لمدينة الإسكندرية فلا يجب أن يفوته كل المعالم القادمة، وبغض النظر عن الشواطئ والمعالم الحديثة المميزة والترفيهية في الإسكندرية فهذه المعالم القديمة تشكل جزء المدينة التراثي التاريخي العريق.

قلعة قايتباي

هي قلعة السلطان المملوكي الأشرف أبو النصر قايتباي الذي بناها في نفس موقع المنارة القديمة في أقصى غرب المدينة، بهدف حماية المدينة التي كانت المصد الأول للغزوات الخارجية وكان التهديد من الدولة العثمانية آنذاك.

عمود السواري

هو أعلى نصب تذكاري بالعالم، وشيد تخليداً للإمبراطور دقلديانوس بسبب انتصار المسيحية على الوثنية بمدينة الإسكندرية.

المسرح الروماني

وذلك المسرح من أثار الحقبة الرومانية في مصر، وكان على نظام المسارح الرومانية في روما ولكن بشكل أصغر وهو الأثر الثقافي الوحيد المتبقي من تلك الحقبة، اكتشفه كان بالصدفة على يد البعثة البولندية التي كانت تنقب بالأساس عن مقبرة الإسكندر الأكبر المعتقد أنها بالإسكندرية مخفية بمكان ما. وكل المسرح مصنوع من الرخام والغرض منه مبهم نوعاً ما ولكن الأغلب كان تعمل فيه مسرحيات تجسد أحداث رومانية قديمة أو كانت تقام فيها المباريات الرياضية مثل المصارعة التي كانت شهيرة جداً بتلك الفترة.

مقابر مصطفى كامل

سميت بهذا الاسم لأنها تقع في منطقة تسمى مصطفى كامل ولكنها تعود إلى القرن الثالث أو الثاني قبل الميلاد وتحتوي على أربعة مقابر اثنين تحت الأرض واثنين فوق الأرض، وتتسم بين الاختلاط بالثقافة الفرعونية وتماثيلها المعروفة وبين الحضارة اليونانية والرومانية الحديثة بعقائدها وفنها الجديد.

مقابر الأنفوشي غرب مدينة الإسكندرية

يرجع تاريخها إلى حوالي 250 قبل الميلاد وتحتوي على خمس مباني جنائزية كانت بالأصل ستة وكل مبنى يحتوي على مقبرتين، مما يؤكد أن الأغنياء بذلك الوقت كانوا يمارسون العادات المصرية الفرعونية مختلطة بعض الشيء بالثقافة اليونانية الجديدة لأنها تحتوي على زخارف الفرسكو الجميلة بأشكال وصور فرعونية ومطعمة بالمرمر والرخام.

مقابر كوم الشقافة

من أهم معالم مدينة الإسكندرية لأن الفن المعماري الرائع بتلك المقابر يدل بشكل كبير على تداخل الفن الفرعوني والروماني، فليست ككل المقابر بل تحتوي على غرف وأعمدة وغرفات وطبقات وسلم حلزوني، وكأنها قصر فخم.

متحف الإسكندرية

هو بالأصل قصر لأحد التجار الكبار مبني على الطراز الإيطالي، بيع للقنصلية الأمريكية ولكن الحكومة المصرية اشترته منها ب12 مليون جنية مصري، وحولته لمتحف يحتوي على قطع أثرية تحكي تاريخ المدينة بمختلف أحقابها اليونانية والرومانية والحديثة.

متحف المجوهرات الملكية

بني القصر عام 1919 للأميرة فاطمة الزهراء ولكنه الآن يحتوي على مجوهرات الأسرة العلوية الحاكمة لمصر (أبناء محمد علي باشا).

أخيراً عزيزي القارئ مدينة الإسكندرية تذخر بتاريخ عريق وكبير وحكام وأسر كبيرة وأغنياء وقصور الملوك التي تحولت الآن إلى فنادق فخمة، فلن يتم حصر تاريخ الإسكندرية أبداً، وما مرت به وكيف أنها احتضنت العالم والعلم وتعددت بها الثقافات وعاش بها من كل أجناس العالم شخصيات عظيمة لأنها كانت محط الأنظار ولها صيت واسع وأهمية وتستحق لقب عاصمة العالم اليوناني والروماني معاً، فلا توجد مدينة واحدة احتضنت كل تلك الثقافات المختلفة على مر التاريخ مثلما فعلت الإسكندرية “عروس البحر المتوسط” كما أسموها.

سلفيا بشرى

طالبة بكلية الصيدلة في السنة الرابعة، أحب كتابة المقالات خاصة التي تحتوي علي مادة علمية أو اجتماعية.

أضف تعليق

18 + 14 =