تسعة
الرئيسية » صحة وعافية » فيروس زيكا : كيف نشأ وتطور وأصبح أحد أخطر الأمراض الوبائية ؟

فيروس زيكا : كيف نشأ وتطور وأصبح أحد أخطر الأمراض الوبائية ؟

فيروس زيكا واحد من أشهر الأمراض المعدية في الآونة الأخيرة، نتطرق في السطور المقبلة لبيان كيفية نشوء هذا المرض، وهل له علاج ناجح؟

فيروس زيكا

من منا لم يسمع عن فيروس زيكا مؤخرًا؟ صحيحٌ أن المرض حقٌ على الإنسان وجزءٌ من قدره وموجودٌ منذ وُجد الإنسان نفسه، فيوم خُلق الإنسان خُلق معه الداء وخُلق له الدواء، وعانى الإنسان قديمًا من ملايين الأمراض التي كانت أحيانًا تقتله وتقضي عليه قبل أن يتمكن مع اتساع معرفته وثقافته وتطور علومه من اكتشاف العلاج لها، وصارت بعض الأمراض التي كانت قاتلةً وفتاكةً قديمًا تُعالج اليوم في لمح البصر حتى أن الناس لم يعودوا يخافونها ويرهبون فكرة الإصابة بها كالقدماء.

لكن هل بدأت جميع الأمراض مع بداية الإنسان حقًا؟ هل جاءت كلها من الخارج ووُجدت كلها في الطبيعة وكان الإنسان مجرد ضحيةٍ لها لا يد له فيها ولا تأثير له عليها إلا علاجها والوقاية منها؟ كان بود التاريخ أن يحكي تلك القصة المؤثرة في الواقع لكن للأسف الإنسان لم يكن يومًا ضحيةً وحسب، وإن كان بعض الناس ضحية فكثيرًا ما يكونون ضحايا لأناسٍ غيرهم، بعض الأمراض لم تأتِ للإنسان من الخارج تطرق بابه وتقتحم خصوصيته وإنما جاءت من قلب معامله ومختبراته، بعض الفيروسات لم تدخل إلينا من الخارج بل خرجت إلينا من داخلنا واليوم في العصر الحديث وفي الفترة السابقة كان فيروس زيكا واحدًا من أشهر تلك الفيروسات التي تسببنا بانتشاره بأنفسنا، وتهديده المفاجئ لمجتمعاتنا وضعه على رأس تلك القائمة.

فيروس زيكا والقصة الكاملة وراء المرض الذي أرعب العالم

التاريخ يحكي

بالطبع كلنا نسمع ما يُقال ونتابع الأخبار ونرى ما يحدث من حولنا في العالم وكنا كذلك عندما بدأت الأخبار تعرض لنا أزمةً طبيةً جديدة عندما تفشى فيروس زيكا فجأة في بعض مناطق العالم وظهرت لنا صور ضحاياه المخيفة التي داعبت كوابيس الكثيرين ووضعت العديد من الحكومات في موقفٍ لا تُحسد عليه، لكن هل بدأ زيكا فعلًا خلال تلك الشهور المنصرمة وحسب أم كان موجودًا من قبل؟

أول ظهورٍ سجله فيروس زيكا في التاريخ كان عام 1947م في أوغندا على القرود وظهر على سكان أوغندا عام 1952 لتلحق بها تنزانيا وعبر السنين بدأت حالاتٌ من الإصابة بفيروس زيكا تسجل ظهورها حول العالم خاصةً في آسيا وإفريقيا وأمريكا الشمالية والجنوبية وظل المرض عاديًا كل تلك الفترة حتى العامين السابقين عندما بدأت بوادر الحمى التي يسببها فيروس زيكا في الانتشار والظهور حول العالم كمرضٍ وبائي.

كيف نشأ؟

كان فيروس زيكا موجودًا منذ زمن بشكلٍ عادي ولم يعاني العالم قط من انتشاره كوباء أو ظهور عدد كبير من حالات الإصابة به من قبل، فأول ما وُجد كان عندما تم عزله من القردة في أوغندا وحتى عندما انتقل للإنسان لم يشكل الأمر تلك الضجة، لكن دعنا نتحدث عن نشأة فيروس زيكا الحديثة التي جعلت منه وباءً في عدة مناطق في العالم، بدأ الوباء من البرازيل فما الذي حدث فيها بالضبط؟ جميعنا نعرف أن البعوض قادرٌ على نقل العديد من الأمراض كالملاريا على سبيل المثال، لذلك كانت تجربة العلماء هو صنع بعوض معدل جينيًا لاستخدامه بشكلٍ نافع في القضاء على بعض الأمراض وكان ذلك ما حدث، قام العلماء بإطلاق مجموعة من البعوض المعدل جينيًا بهدف القضاء على حمى الضنك، لكن بطريقةٍ ما تحولت فائدة تلك البعوض لنقمة وفجأة أصبحت ملايين البعوض التي انطلقت في الجو مسئولةً عن نقل فيروس زيكا بين الناس مسببةً خلال الأشهر الأولى وحسب ولادة ما يقارب 4000 طفل مشوهين بسبب الفيروس، وخلال وقتٍ قصير لم تعد البرازيل وحدها في تلك الكارثة وإنما انطلق البعوض في كل الاتجاهات ناقلًا الفيروس في الكثير من البلاد حول العالم.

انتقال الفيروس

بعد ظهور فيروس زيكا وانتشاره وظهور ضحاياه والمرضى به وهلع المواطنين والحكومات ومطالبتها الأطباء والعلماء بالحد من تلك الكارثة بدأت الدراسات تحيط بالفيروس والمرض الذي يسببه محاولةً أن تقدم تقريرًا شاملًا ومفيدًا يطمئن الآخرين ويكشف الستار عن أسرار ذلك المرض، الطريقة الأولى لانتشار الفيروس وانتقاله من شخص لآخر هو عبر لسعة بعوضة زاعجة مصابة بالفيروس فتنقله إلى دم المصاب وتسبب له المرض، أيضًا أثبتت بعض الدراسات قدرة الفيروس من الانتقال إلى بعض الناس عبر الاتصال الجنسي وقدرته كذلك على الانتقال عبر المشيمة من الأم إلى جنينها مسببةً المصيبة الأكبر لهذا الفيروس المتمثلة في ولادة أجنةٍ مشوهين، وبالطبع يستطيع الفيروس الانتقال من شخصٍ لآخر عبر أي اتصالٍ من أي نوعٍ بالدم كنقل الدم مثلًا أو تلوث جرح أحدهم بدم شخصٍ مصاب.

حمى زيكا

يسبب فيروس زيكا الحمى لأي شخصٍ يصاب به وهي للدهشة تشبه أعراض الحمى العادية، تبلغ فترة حضانة الفيروس أي الفترة بين إصابة الشخص بالفيروس وبداية ظهور الأعراض عليه عدة أيامٍ وحسب بعدها تظهر متمثلةً في ارتفاع في درجة الحرارة وألم في العضلات والمفاصل وصداع ودوار وتحسس الجلد والتهاب ملتحمة العين، وتستمر الحمى لعدة أيامٍ تصل إلى 7 أيام بحدٍ أقصى بعدها تبدأ صحة المريض في التحسن سواءً بالأدوية المسكنة والمضادة للالتهاب أو حتى بدون مساعدة الأدوية، لا يبدو الأمر خطيرًا فلماذا كل تلك الضجة حول فيروس أقصى ما تسببه الحمى هو ما يشبه نزلة برد؟ الخطر الحقيقي يكمن في مضاعفات الحمى وتسببها في التأثير الضار على الأعصاب مسببةً الشلل والموت في بعض الأحيان، كما أن خطرًا آخر ظهر في إصابة الأمهات والحوامل به وانتقال الفيروس لأجنتهم مسببًا ولادتهم مشوهين.

أطفال زيكا

عند إصابة الحامل بفيروس زيكا كل ما ستشعر به هو الحمى بينما الفيروس ينتقل عبر المشيمة إلى جنينها مؤثرًا بشكلٍ قويٍ على تكوين دماغه وجهازه العصبي وهيكل جسده، يولد الأطفال المصابون بفيروس زيكا بدماغٍ أصغر من الطبيعي بشكلٍ لافت بسبب تأثير الفيروس على انقسام الخلايا الذي يقوم بعملية النمو وتكوين الجسم والمخ، كما تثبت الأبحاث والدراسات أن للفيروس تأثيرًا مستمرًا على الطفل بعد ولادته خلال نموه مسببًا الكثير من التعثر والمشاكل في عملية النمو، وما زال البحث حتى الآن جاريًا في هذا الموضوع لمحاولة فهمه والتعمق فيه أكثر لمعرفة كل الآثار والعواقب وكيفية وقايتها والعلاج منها.

العلاج والوقاية

كما رأينا الحمى التي يسببها فيروس زيكا هي حمى عادية وبسيطة لا تحتاج إلى إيجاد علاجٍ خاصٍ بها للقضاء عليها وإنما بعض المسكنات ومضادات الالتهاب والحساسية مع الراحة في الفراش وتناول السوائل كفيلٌ بالعبور بالمريض إلى بر الأمان، وحتى الآن لا توجد لقاحاتٌ متوافرة لفيروس زيكا لكن العلماء يبذلون أقصى جهدهم لصنع اللقاح وجعله متوافرًا للجميع خلال عامٍ أو عامين، أما الوقاية العامة والشخصية فتكمن في محاولة الابتعاد عن البعوض والقضاء عليه في المنازل قدر الأماكن تجنبًا للسعاته خوفًا من أن يكون بعضها حاملًا للفيروس، كما أنه على أي شخصٍ أن يقوم بالفحص الدوري كل فترة للاطمئنان على صحته وخلوه من أي مرض وتجنب نقل الدم أو النشاط الجنسي عند ظهور حمله للفيروس حتى يتخلص منه، كما يجب على الحامل أن تهتم بنفسها وتكون أكثر حذرًا وابتعادًا عن مصادر الفيروس خلال فترة الحمل خاصةً الشهور الأولى منها والتي تعتبر الأخطر على الإطلاق.

غفران حبيب

طالبة بكلية الصيدلة مع ميولٍ أدبية لعل الميل الأدبي يشق طريقه يومًا في هذه الحياة

أضف تعليق

واحد + 11 =