تسعة
الرئيسية » تعليم وتربية » قراءة وكتابة » خلق الشخصيات الروائية : كيف يمكن خلق الشخصيات الروائية ؟

خلق الشخصيات الروائية : كيف يمكن خلق الشخصيات الروائية ؟

للشخصية الروائية الكثير من الخصائص التي تجعلها مختلفة عن غيرها من الشخصيات الأخرى، في السطور المقبلة نعرفك أهم تقنيات خلق الشخصيات الروائية .

خلق الشخصيات الروائية

خلق الشخصيات الروائية يُعَدُّ عملاً إبداعيًا يلجأ إليه القاص عند شروعه في كتابة الرواية. وتُعزَى أهمية الشخصيات الروائية إلى إضفاء الحياة على العمل وإحداث الحراك السردي الذي يؤدي إلى تطور الأحداث ووصولها إلى الذروة. وقد تتشكل الشخصيات في ذهن الروائي من تلقاء ذاتها نتيجة لتراكم الانطباعات حول النماذج البشرية المختلفة، وقد يرى الروائي شخصيات فردية في الحياة الواقعية ويرغب في دمجها في عمله الروائي بطريقة ما بحيث تخضع لمنظوره الذاتي ما يسمح بتوظيف الشخصية دراميًا في سياق الأحداث. ونظرًا لأهمية عملية خلق الشخصيات الروائية سوف نتناول في هذا المقال بعض الخطوات الإرشادية التي تساعد القاص على استلهام الأنماط المختلفة من الشخصيات وتوليفها معًا من أجل إدخالها في نسيج الرواية لتصبح جزءًا لا يتجزأ من الأحداث ما يساعد على انسجام الخط الدرامي للشخصية مع الاتجاه السردي العام للرواية.

تعرف على طريقة خلق الشخصيات الروائية

خلق الشخصيات الروائية والاستلهام من الواقع

هناك العديد من المصادر التي يمكن أن تلهم الروائي بأنماط مميزة من الشخصيات حيث يستطيع المبدع الحقيقي ملاحظة الشخصية الدرامية من واقع الحياة والتقاط تفاصيله وتشكيل ملامحها بعين وخيال المبدع. ويستطيع المبدع كذلك استلهام الشخصية من خلال دمج شخصيتين في شخصية واحدة بحيث يستطيع إنتاج شخصية جديدة متفردة تصلح كمادة خام ممتازة لتوليد المزيد من الأحداث. وبالتالي ينبغي على الكاتب تدوين كل التفاصيل الخاصة بالشخصية التي تشغله حتى يتمكن من تشكيل ملامحها الرئيسية لاحقًا. إن الحياة الواقعية زاخرة بالنماذج الملفتة للنظر وبالتالي على المبدع أن يبحر في جميع أوساط المجتمع وأن يتأمل جميع المواقف التي تقابله بحثًا عن أبطال روايته.

تشكيل ملامح وقرائن الشخصية

يجب على المبدع أن يراعي الجوانب الواقعية عند الشروع في خلق الشخصيات الروائية. ومن ثَمَّ عليه أن يرسم كل شخصية بدقة حتى يستطيع القارئ تصورها في ذهنه بدقة وأن يشعر بها بجميع حواسه. وتكمن مهارة السارد في ذكر كل تفاصيل الشخصية ابتداءً من القرائن الشكلية التي تهتم بالوصف الحسي لهيئة الشخصية وتصوير قسماته وحجمه ونبرة صوته وحركاته وسكناته ومرورًا بالقرائن الاجتماعية التي توضح حالته الاجتماعية من حيث الغنى والفقر أو الوسط الاجتماعي الذي ينتمي له على النحو الذي يؤثر على اتجاه الأحداث، وانتهاء بالقرائن النفسية التي تُعَد أهم عنصر في الشخصية الروائية والتي تُبَيِّن طباع الشخصية من حيث الخير والشر وما يُستتبع بعد ذلك من تصرفات مبررة بناءً على الاتجاه النفسي العام للشخصية، فكلما اتقن السارد تصوير القرينة النفسية سوف يتقبل القارئ بسهولة بعد ذلك أي تصرف يبدر عن الشخصية ما يؤدي إلى دعم متوالية الأحداث وإثرائها بشكل منطقي وغير مفتعل. ولتسهيل إجراء هذا الأمر من جانب الكاتب، يجب عليه في أثناء تخطيطه للرواية ومرحلة خلق الشخصيات الروائية أن ينشأ ملفًا خاصًا لكل شخصية يحوي كل بيانات وتفاصيل الشخصية وتاريخها ودورها في الأحداث والمآل الذي سينتهي بها عند نهاية الأحداث. إن هذه الملفات بمثابة دليل استرشادي للكاتب حيث يستطيع أن يستدل به على طريقة التوظيف الأمثل للشخصية، فضلاً عن قدرته على تذكُّر كافة التفاصيل مهما طال زمن الانقطاع عن الكتابة.

مراعاة العلاقة بين الشخصيات الروائية

يجب أن يراعي الكاتب عند خلق الشخصيات الروائية وجود الروابط والعلاقات المنطقية بين الشخصيات مثل الصداقة أو الأخوة أو الجيرة أو العداوة أو الكره لأن تلك العلاقة تصبح أكثر منطقية كلما انسجمت مع قرائن كل شخصية. ومن أجل خلق شبكة قوية من العلاقات المنطقية بين الشخصيات والمرتبطة بشدة بتطور الأحداث عادةً ما يبدأ الكاتب في نسج هذه الشبكة بدءًا من البطل الذي يمثل بؤرة الأحداث، وبالتالي يجب أن تُرسَم شخصية البطل بطريقة جذابة وشيقة لأن غالبًا كل الأحداث سوف تتقاطع لديه وسيكون عاملاً مشتركًا في أي حلقة من سلسلة الأحداث. أما في حالة تصميم الأحداث وفقًا لمبدأ الأقطاب أو تعدد البطولة، ينبغي للسارد حينئذٍ أن يوازي الشخصيات وأن يواءم بينها بحيث تصير علاقة الندية بينها هي أصل الحبكة الدرامية ومن ثَمَّ يصبح التلاقي والتضاد في القرائن أمرًا ممتعًا للقارئ لأن ذلك سيزيد من عدد الأحداث الفرعية لكل شخصية وفقًا لطباعه الرئيسية.

تصنيف الشخصيات

من بديهيات السرد وجود شخصيات رئيسية تلعب الأدوار الأساسية في الرواية وتعمل على دفع الأحداث وتغير اتجاهها، وشخصيات ثانوية ذات مساحة محدودة وينحصر دورها في مساعدة الشخصيات الرئيسية على أداء أدوارهم وتحقيق أهدافهم، وفي الغالب تختفي هذه الشخصيات سريعًا ليظهر غيرها. ولا شك أن التفاعل بين أنواع الشخصيات سوف يخلق أجواء متباينة ويصعد ويهبط بالأحداث ما يؤدي إلى إثراء العمل السردي وتعدد جوانبه. ويُنصَح الكاتب بقراءة الكثير من الأعمال العظيمة والخالدة لكبار الأدباء ليرى كيف يوظف الكاتب كل شخصية في الأحداث وفقًا لمساحة ظهورها دون أن تبدو الشخصية مقحمة على الأحداث لأن الظهور غير المبرر لأي شخصية من شأنه إضعاف البناء السردي للرواية.

معايشة الشخصية ومحاورتها

إن خلق الشخصيات الروائية يحتاج إلى الخيال الخصب ومساحات شاسعة من التصور الذهني، لذلك بعد أن يفرغ الكاتب من تحديد الملامح والقرائن الأساسية لكل شخصية يجب عليه أن يجعلها شخصيات من لحم ودم، ويتم ذلك من خلال استحضار الشخصية وتصورها بشكل مجسم بحيث يمكن رؤيتها بوضح بعين الخيال ومحاورتها والتحدث معها، حينئذ سوف تحكي الشخصية أكثر عن نفسها وقد تجبر الكاتب على تغيير مصيرها أو إدخالها في المزيد من الأحداث والعلاقات الأخرى. كلما اجتهد السارد في جعل الشخصية تبدو حقيقية، شعر القارئ بالواقعية الشديدة للشخصية. وقد سمعنا من قبل عن الكثير من الأدباء الذي تحدثوا عن أهمية استحضار الشخصية في ذهنهم وتعلقهم الذهني بهم طوال مدة كتابة الرواية. إن هذه المعايشة المستمرة تساعد الكاتب على تصوير أدق التفاصيل واستنباط المزيد منها. وفي حالة استيحاء الشخصية من نموذج واقعي يجب على الكاتب أن يقرأ كثيرًا عن الشخصية الأصلية لمعرفة كافة أبعادها ثم إضفاء المزيد من الخيال على الشخصية لأن من أهم سمات الإبداع هو دمج الواقع والخيال معًا.

تنقيح الشخصيات وتعديلها

بعد الانتهاء من المسودة الأولى للرواية يمكن للكاتب إعادة تقييم الشخصيات والمساحات الخاصة بها ويمكن إدخال بعض التعديلات على سمات الشخصية على النحو الذي يفيد أحداث الرواية دون حشو زائد أو إضافات بلا قيمة. إن خلق الشخصيات يحتاج إلى التأني حتى تصبح الشخصية مقنعة بالقدر الكافي وقد يفجأ الكاتب عند مراجعته للشخصية بوجود بعض القرائن غير المتوافقة مع التصرفات التي تبدر من الشخصية، لذلك عليه حينئذٍ أن يسارع بالتعديل لضمان الوحدة الموضوعية في الأحداث. إن المراجعة المتكررة لملف الشخصيات ومضاهاته بالأحداث أمر ضروري بالنسبة لكل كاتب من أجل إنتاج نص متماسك زاخر بالشخصيات الروائية المؤثرة.

وفي النهاية يتضح أن خلق الشخصيات الروائية مهارة إبداعية يلجأ فيها الكاتب إلى رصد التفاصيل الصغيرة وتحويلها إلى قرائن بارزة في كل شخصية، وجدير بالذكر أن الكاتب لا يحتاج فقط إلى ذكر الأوصاف بشكل عابر، بل تتجلى مهارة الروائي في توظيف هذه القرائن لتصبح مشاركة بشكل قوي في الأحداث، لذلك يُقَال إن المواقف الدرامية هي خير وسيلة لإظهار الشخصية من خلال تفاعلها مع الأحداث. وهكذا ينبغي للروائيين المبتدئين الاسترشاد بالنصائح السابقة من أجل مساعدتهم في خلق الشخصيات الروائية بشكل محترف ومحكم.

أحمد علام

كاتب ومترجم، أحب القراءة في المجالات الأدبية بشكل خاص.

أضف تعليق

17 + واحد =