تسعة
الرئيسية » تعليم وتربية » قراءة وكتابة » الكتب الإلكترونية : كيف يغير القراء من وسائل معرفتهم ؟

الكتب الإلكترونية : كيف يغير القراء من وسائل معرفتهم ؟

الكتب الإلكترونية صيحة جديدة من صيحات تبادل المعرفة، تمتاز الكتب الإلكترونية بالكثير من المميزات في مقابل الكتب الورقية، فما هي هذه المميزات؟

الكتب الإلكترونية

الكتب الإلكترونية صورة جديدة من صور الكتب سهلة تبادل ونشر المعرفة جدًا في السنوات الأخيرة، إن أردنا يومًا أن نجمع تصورات الناس والصور التي تقفز لخيالهم عن بعض الكلمات حين ننطق بها فلنجرب كلمة “ثقافة” أشك أنك ستجد أحدًا ممن سألتهم يجيبك بكلمةٍ غير “الكتب” نادرون هم من يحملون صورةً أخرى للثقافة في عقولهم سوى الكتب، وإن شئت الدقة فلن يُقال لك كتبٌ إلكترونية وإنما أول ما يقفز للذهن هي صورة الكتب الورقية المحسوسة بسمكها ووزنها وملمس أوراقها ورائحة الحبر المنبعث من الصفحات والأغلفة الرقيقة في بعضها والسميكة في البعض الآخر، الكتب كانت وما زالت مصدر العلم ومنبع التاريخ ورمز الثقافة الأول ولا يمكن لأحدٍ أن يُغير تلك الحقيقة، أو هذا ما حسبناه واعتقدنا به لكن العصر الجديد يحمل لنا ما يجعل إيماننا بالكتب الورقية يهتز، وفكرتنا المُسلّم بها عن أبديتها وخلودها إلى يوم ينتهي الإنسان ساورها الشك، جاءت تلك الشوكة الصغيرة التي هزت كل تلك القناعات على هيئة الكتب الإلكترونية! لتفتح بذلك باب الحرب على الكتب الورقية ويشتد بينهما النزاع وتشتعل المنافسة ونروح نحن القراء وحتى الكُتّاب ضحايا تلك الحرب التي لا تعرف الرحمة، فهل هي نهاية الحبر أم أن الورق سيظل ثابتًا راسخًا ولن يتنازل عن منزلته الأولى في عالم العلم والثقافة؟

الكتب الإلكترونية ضد الكتب الورقية

البداية

لا أظن أن الكتب الورقية كانت مستهدفةً من البداية أو تم إعلام الحرب عليها عن سبق إصرارٍ وترصد وإنما جاء الأمر كنتيجةٍ طبيعية وكواحدةٍ من تبعات التقدم والتكنولوجيا وكانصياعٍ جديدٍ ننصاع فيه لرغبة العصر الحديث في نبذ كل ما هو قديم وتطويره ليواكب مصطلح التقدم، بدأ الأمر بالحواسيب والشبكة العنكبوتية لتقريب كل ماهو بعيد وجمع العالم كله في شاشةٍ واحدةٍ أمامك، لكن الأزمة كانت أنك لا تستطيع أخذ شاشتك معك في المطبخ وخارج البيت وفي فراشك وإنما تجلس مسجونًا في أحد الأركان مع حاسبك الآلي الكبير تنتهي وتغلقه وتتركه، فظهرت عندما الحواسب النقالة أو اللاب توب وصار الأمر أسهل فأسهل، لكن طمع الإنسان في راحةٍ أكبر وسهولةٍ وتحكمٍ أفضل جعلاه ينتقل لمرحلةٍ أعلى ظهرت لنا فيها الهواتف الذكية!

كانت الهواتف الذكية نقطة تحولٍ في مسار العالم أجمع بلا مبالغة ليس على صعيدٍ عالميٍّ شاملٍ فحسب وإنما على صعيدٍ فرديٍ شخصي لمسه الناس في بيوتهم وأنفسهم، وفجأة صار كل شيءٍ متاحًا وصرت قادرًا على القيام بأعمالك والتواصل مع مدرائك والوصول لكل شخصٍ حول العالم وتنفيذ كل المهام الممكنة من خلال جهازٍ صغيرٍ تضعه في جيبك بعد الانتهاء من كل ذلك، ومع الوقت بدأت طاولة المعدات والأجهزة والوسائل تتضاءل وبعضها يختفي أمام ازدياد إمكانيات الهواتف الذكية وإضافة خواص جديدةٍ لها أولًا بأول لتعوض أشياء أخرى فصرت اليوم تشاهد الأفلام وتقرأ الأخبار وتسمع الموسيقى وتحادث الناس وتنهي أعمالك وتقوم بتمارينك الرياضية وتضع جدول أعمالك وتلعب الألعاب الإلكترونية من خلال نفس الجهاز وعبر نفس الشاشة فأي سحرٍ هذا؟

لماذا كتبٌ إلكترونية؟

جاءت الكتب الإلكترونية وسط هذا الركب بدون ترتيبٍ أو تخطيطٍ أو حسبان، مجرد فكرةٍ جديدةٍ من أفكار التسهيل خطرت على بال أحدهم فقال لماذا علينا النزول والتوجه للمكتبات لنبحث عن الكتب بينما بإمكاننا أن نتصفح مكتبةً إلكترونيةً كاملةً في أماكننا؟ واجهته كقارئٍ مشكلة الحاجة للإضاءة مثلًا أثناء قراءة الكتب ولن تستطيع القراءة في كل مكانٍ وأي ظرف، بعض الناس يحبون القراءة المتعددة وأن يبدأ عدة كتبٍ مع بعضها فتخيل أنه يكون مجبرًا على حمل حقيبةٍ كاملةٍ فيها تلك الكتب كلها معه! لم كل ذلك بينما بإمكانه حمل مكتبةٍ كاملةٍ على هاتفه بلا تعبٍ أو إرهاق، فكر أنه يكون بحاجةٍ للذهاب كل صباح ليشتري الجريدة لكنه قادرٌ أثناء تناوله إفطاره على أن يقرأ أخبار العالم بأكمله على هاتفه وليست الأخبار المحلية التي تنشرها الجريدة التي يشتريها كل صباحٍ فحسب، وجد نفسه قادرًا على رؤية تفاعل الناس مع الكتب والمقالات والأخبار والجرائد والمجلات وأن يتفاعل معهم بل ويتواصل مع الكُتّاب أنفسهم بعد أن كان يقرأ كتابه أو جريدته في الركن وحده، كانت الهواتف الذكية من الذكاء أن بحثت عن أحلام القرّاء ورغباتهم وتحقيقها وتقديمها إليهم في هيئة الكتب الإلكترونية وجعلها أكثر سهولةً وتطورًا لتكون جذابةً وتحصد جمهورًا أكبر.

للكتب الورقية جمهورٌ خاص

رغم كل المغريات التي قدمتها الكتب الإلكترونية فلم تكن قادرةً على الوصول لقلب جمهور الكتب الورقية، وإنما وجدت لنفسها جمهورها الخاص، لا ننكر أن بعضًا من جمهور الكتب الورقية الذين لائمتهم الكتب الإلكترونية أكثر انتقلوا وتغيروا من هذا لذاك وذلك لكل التسهيلات التي وجدوها في الكتب الإلكترونية خاصةً كون البعض منها مجاني وسهل الحصول عليه خصوصًا في عالمنا العربي فلم يعد أحدٌ يعبأ بشراء الكتب الورقية ودفع المبالغ فيها طالما نهم يستطيعون الحصول عليها مجانًا على هواتفهم المحمولة، بل ليس ذلك وحسب وإنما ظهر الكيندل كجهازٍ لوحيٍ خاصٍ للقراءة والقراء ليشعرهم بالتميز والاهتمام وامتلأت أسواق الأندرويد والآيفون بالتطبيقات التي تتسابق وتتنافس فيما بينها لتقديم أفضل خدمةٍ للقارئ الإلكتروني وإعطائه خياراتٍ أكثر وأوسع وقراءةً أكثر راحة وسرعة، لكن ذلك كله لم يُغر الذين عرفوا الكتب الورقية وأحبوها وغرقوا فيها، لم تُقنعهم الشاشة الباردة التي تجمع كل شيءٍ ولم يحبوا فكرة جمع الكتب بقيمتها وعلومها وجمالها في تطبيقٍ باردٍ في أحد أركان هواتفهم، لا تُعجبهم فكرة المكتبة الإلكترونية المختبئة بين التطبيقات بينما هم لا يشعرون بالراحة إلا بمكتبةٍ عامرةٍ تشغل جدارًا كاملًا في غرفهم، يحتاجون الكتاب بين أيديهم وأن يشعروا بثقله ووزنه ويقلبوا صفحاته وتصل إليهم رائحة الحبر حينما يفتحون كتابًا جديدًا لأول مرة، أو رائحة القدم والحداثة حين يفتحون كتابًا قديمًا قرؤوه أكثر من مرة وتلك صفحةٌ في ركنها ثنيةٌ علوية وتلك صفحةٌ تركت أصابعهم آثارها فيها وتلك صفحةٌ سقطت عليها نقطة قهوة الصباح، هذه الأشياء كلها لا تُقدر بثمنٍ بالنسبة إليهم، بالنسبة إلينا! مهما تجبرت الكتب الإلكترونية فهي لن تكون أبدًا قادرةً على تقديم تلك التفاصيل الدقيقة، لن تكون قادرةً على تعويض النوستالجيا التي نصاب بها للشعور بثقل كتابٍ في حقيبتنا، لن تعوض جمال إحساس التنقل بين أرفف الكتب وشراء العشرات منها لتكتشف على باب المكتبة أنك عاجزٌ عن حمل كل ذلك وحدك حتى البيت لكنك ما زلت تقطر سعادةٌ! إن للكتب لمسةً رقيقةً على قلوبنا تصنع من أشد الرجال طفلًا يشتاق العودة للمنزل ليجلس بهدوءٍ تحت المصباح وبيده كوبٌ ساخن وبالأخرى كتاب.

تأثيرٌ في كلا الاتجاهين

هل كان أحد الطرفين خاسرًا على طول الطريق أو فائزًا على طوله؟ وهل كان تأثير أحدهما أشد قوةً وطغيانًا على الآخر في إحدى المراحل؟ بل بدا أن كل طرفٍ يستخدم قوته ومواطن تميزه للضغط على نقاط ضعف الآخر ومحاولة ضربه فيها عن طريق تعويض تلك النقاط بمميزاتٍ فيه هو نفسه، بينما استندت الكتب الورقية على كونها الأكثر قدمًا وأصالةً وكونها رمز العلم والثقافة وحب جمهورها وأصحابها لها بدأت الكتب الإلكترونية في سد ثغراتٍ أخرى مثل كون الكتب الورقية غير متوفرة عبر البلاد أحيانًا فليست كل الكتب عالمية، وبذلك حصل الناس على قدرة تنزيل كتابٍ على هاتفهم لا يتم نشره في بلادهم بأسرها، لكن الكتب الإلكترونية حصلت على صفعةٍ أخرى كانت سلاحًا ذو حدين لها فكما هي من مميزاتها أصبحت من عيوبها وهي سرقة مجهود الكُتاب لأجل تقديمه مجانًا للناس، فأصبح الكاتب يكتب ويسهر الليالي ليتم كتابه وحين ينشره لم يعد يحصل على أجرٍ يكفيه للحياة وإنما هو يجمع الأموال التي صرفها على النشر بالكاد، وذلك لأن الكتب صارت تُسرق منه وتتواجد مجانًا فلماذا سيشتريها الآخرون؟ كانت ذلك إساءةً للكتب الإلكترونية واتهامًا لها بأنها درجةٌ ثانية وماهي إلا عملية سرقةٍ محضةٍ من عرق الكتاب وتعبهم وكدهم، ولكنها من جانبٍ آخر ضربت الكتب الورقية في جعلها أكثر صعوبةً ولها ثمن، لم يكن ذلك في صالح أيٍ من الطرفين لكن الحرب ما زالت دائرة.

ضربةٌ قاصمةٌ للكتب الورقية

كان ما اعتدناه دومًا في الحبر بين الكتب الإلكترونية والورقية أن الكتاب دائمًا ما يتم نشره ورقيًا في البداية بعد ذلك ينتشر على الشبكة العنكبوتية وعلى أنظمة الهواتف الذكية ككتابٍ إلكتروني، ظلت تلك هي المسيرة الطبيعية منذ ظهرت الكتب الإلكترونية لكن من الواضح أنها وصلت لمرحلةٍ من الاكتفاء من أن تكون في المركز الثاني دائمًا، من أن تكون خيارًا آخر أو مجرد خيارٍ أكثر سهولة، رغبت بشدة في أن تصبح الخيار الأول والأوحد فضربت ضربتها المدوية في مطلع هذا العالم عندما تم إصدار أول كتابين إلكترونيين بلا نسخٍ ورقية! ما يعني أن النشر الأول والوحيد لهذين الكتابين كان على الشاشات الإلكترونية وإن أردت أن تقرأ أحدهما فلن يكون لديك رفاهية الاختيار بين الورقي أو الإلكتروني فأنت صرت مخيرًا بين أن تقرأ الكتاب إلكترونيًا أو لا تقرأه أبدًا! تساءل الكثيرون عن معنى تلك الخطوة وتأثيرها على مسار الحرب بين الطرفين بعد أن نفد صبر الكتب الورقية وأعلنت تململها وتمردها، كما أن الكتابين اللذين نزلا لن يكونا الأخيرين وإنما تجري الخطط بنشر الأكثر فأكثر من الكتب إلكترونيًا وحسب، تبدو تلك خطوةً مرعبةً للقارئ الورقي الذي لم يعتد القراءة الباردة على الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية وأن ذلك تهديدٌ صريحٌ له بأنه إن لم يعتد القراءة الإلكترونية سيكون عاجزًا عن اللحاق بركب الثقافة فهل ذلك صحيح؟ وهل هي بداية النهاية للكتب الورقية حقًا؟ أم أن الكتب الورقية ستقبل باللجوء للخانة الثانية وبأن تقوم بما فعلته الكتب الإلكترونية لسنين وهو نقل الكتب المنشورة تلك لكتبٍ ورقية!

جيلٌ جديد

إن الأزمة الحقيقية والمشكلة الفعلية لم تكن قط فينا ولا في القدماء الذين تشبعوا حب الكتب وعاشقوها وعرفوا قيمتها وجمالها وأغرموا ببهائها، وإنما المشكلة التي تهدد الكتب الورقية تكمن في الأجيال الجديدة، في الأطفال الذين عرفوا استخدام الهواتف الذكية قبل أن يتعلموا المشي أو الكلام، الذين اعتادوا على امتلاك كل ما أرادوا والتمكن من الوصول إليه عبر هواتفهم الذكية بضغطات أزرارٍ وحسب، والذين لم يُعاشروا الكتب الورقية ولم يعرفوها من الأساس! أولئك الذيم لم يملكوا أي ذرةٍ من ذرات الحنين للكتب الورقية ربما يصبحون هم نهايتها التي نحاول إنكارها ونأمل ألا نصل إليها أبدًا، لكن كل شيءٍ له بدايةٌ ونهاية فهل تكون تلك نهاية الكتب الورقية فعلًا؟ وإن أنكرنا ذلك واستمررنا في الإصرار على كونها تحمل الصدارة فلماذا أكتب أنا هذا المقال على مفاتيح الكيبورد لا على ورقةٍ بالحبر؟ ولماذا تقرأه أنت على شاشة هاتفك الذكي وأنت تتجول في الشبكة العنكبوتية لا على جريدةٍ أو في مجلة؟ هل من الممكن أن نتغير نحن أيضًا بدون أن نشعر؟

غفران حبيب

طالبة بكلية الصيدلة مع ميولٍ أدبية لعل الميل الأدبي يشق طريقه يومًا في هذه الحياة

1 تعليق

10 − ثمانية =

  • دائما ما كنت أفضل الكتب الورقية وفي الحقيقة مازلت ولكن في بعض الاحيان ألجأ إلي الكتب الالكترونية وذلك لعدم القدرة علي الحصول علي الكتاب الورقي لأسباب عديدة أهمها عدم توافره في الأماكن القريبة بالنسبة لي ولكي أكون صادقا أكثر حتي وإن توفر فالكسل أحيانا يدعوني إلي تفضيل النسخة الالكترونية ولكن بالرغم من هذا فأنا قلق بشأن هذا الأمر وأخشي أن يتحول يوما ما لواقع وينتهي أمر الكتب الورقية لقدر الله.
    أتمني أن يعينني الله علي تجميع أكبر عدد من الكتب الورقية وإنشاء مكتبة خاصة بي حتي أجعل أبنائي يحبون القراءة كما أحبها وإني لأظن الأمر صعبا ولكنه ليس مستحيلا !