تسعة
الرئيسية » حياة الأسرة » أمور الاسرة » كيف تتعامل مع الطفل الأعسر وهل العسر مرض يستوجب العلاج؟

كيف تتعامل مع الطفل الأعسر وهل العسر مرض يستوجب العلاج؟

الطفل الأعسر هو الطفل الذي يستخدم يده اليسرى في كل شيء، بما في ذلك الطعام والشراب، فهل العسر مرض يستوجب العلاج النفسي أو العضوي؟

الطفل الأعسر

يُعتبر الطفل الأعسر أحد أبرز التحديات التي يواجها الأب والأم والمعلم في المدرسة كذلك، فالطفل من الطبيعي أن يكون يميني يفعل كل شيء بيده اليمنى، لكن يحدث نادرًا أن يكون هناك أطفل أعسر، يفعل كل شيء بيده اليسرى، وربما يعتقد البعض أن هذا أمر سهل إلا أنه في الحقيقة ليس كذلك على الإطلاق، فهذا الطفل يتسبب في عذاب والديه ومُعلميه في بادئ الأمر، على الأقل حتى يعتاد على هذا الوضع ويتفهم كونه مختلف، لكن هذا لا يمنع أن الطفل الأعسر بالتحديد يمتلك بعض الصفات والمميزات الفطرية التي لا تتوافر في أي طفل آخر مهما كانت درجة ذكاؤه، وربما هذا يتضح من التوقعات التي يتوقعها البعض فور رؤيتهم لأي طفل أعسر، حيث يجزمون مباشرةً أنه سيُصبح ذو شأن، عمومًا، دعونا في السطور القادمة نتعرف سويًا على الطفل الأعسر وكيفية اكتشافه ومميزاته وكيفية التعامل معه، والأهم من كل ذلك بالتأكيد هو الإجابة على الذين يسألون عن العسر، وهل هو مرض أم مجرد أمر عادي؟

من هو الشخص الأعسر؟

قبل أن نتعرف على الطفل الأعسر وصفاته وخصائصه علينا أولًا التعرف على العسر بشكل عام، فليس من المنطقي أن نبدأ بتخصيص الأمور وقصرها على الطفل في الوقت الذي نتحدث فيه عن شيء من المفترض أنه عام ويُصيب الكثيرين، وطبعًا من الخاطئ جدًا أن يفهم البعض من كلمة الإصابة أن العسر مرض، لا، في الحقيقة هو شيء ربما يتمناه البعض ويُمكن أن يبذلوا الغالي والنفيس كي يحظوا بطفل أعسر، والحقيقة أن بعض المفاهيم الخاطئة في هذا المجتمع هي التي أدت إلى كل هذا الخوف من الشخص الأعسر ومحاولة البدء في علاجه على افتراض أنه مريض، بينما هو في الحقيقة ليس كذلك، بل إنه على العكس تمامًا، أفضل من الطفل الأيمن في بعض الأمور.

الأعسر هو ذلك الشخص الذي يفعل كافة الأمور بيده اليسرى، أمور كان من المفترض أن تُفعل في الأصل باليد اليمنى، لكن، ولاختلاف طبي بحت، أصبح يفعلها بيده اليسرى بصورة طبيعية تُشبه، بل تتفوق، على الشخص الذي يفعل نفس الأمور باليد الطبيعية، وهي اليد اليمنى، ونحن نقول إنه طبيعية لسبب بسيط جدًا، وهو أن نسبة عشرة بالمئة فقط من الأشخاص هم الذين يُولدون بالعسر، بينما نسبة تسعين بالمئة، وهي النسبة الأكبر بالتأكيد، تولد باليد اليمنى.

كيف أعرف أن طفلي أعسر؟

نعود مرة أخرى إلى موضوعنا الذي يشغل بعض الأمهات، وهو الطفل الأعسر وكيفية اكتشافه والتعامل معه، والحقيقة أنه ليس من الصعب أبدًا أن تكتشف أن الطفل الذي أمامك أعسر أم لا، فهو يفعل بعض الأمور التي من شأنها توضيح ذلك الأمر، وكل ما عليك هو مُراقبته كي تستكشف تلك الأمور ويتأكد ظنك بأن الطفل الذي أمامك أعسر مئة بالمئة، وعلى رأس تلك الأمور التي يجب مراقبتها للتعرف على الطفل الأعسر هي الحركة، الحركة في كل شيء عمومًا.

مثلًا بالنسبة لحركة اليدين، وهي ربما الشيء الأهم، يجب علينا أن نلاحظ تحركاته باتجاه المعلقة أو عند الطعام عمومًا، وتحركاته عند إمساك القلم ومحاولة الكتابة، فكل هذه الأمور من شأنها أن توضح ميوله في البداية، وكذلك حركات الأقدام، فعندما يصعد الطفل الدرج بقدمه اليسرى ففي هذا دلالة واضحة على أن الطفل سوف يميل إلى استخدامها فيما بعد بكل شيء، فهو لم يستخدمها لأنه أراد استخدامها، بل لأنه قد أُجبر على ذلك من خلال طبيعته، وهنا يأتي السؤال عن أمر جدًا، وهو الذي يتعلق بكون الطفل الأعسر مريض أم طبيعي؟

هل الطفل الأعسر مريض؟

سؤال هام ربما يطرحه البعض خاصةً بعد أن صدر المجتمع صورة خاطئة عن الطفل الأعسر، فهو ليس مريض بالمرة، لكن الناس ترى أن الشخص غريب الأطوار مريض مهما كانت حالته، وطبعًا ليس خطأ الطفل الأعسر أنه قد وُلد وهو يستخدم يده اليسرى في عالم لا يفعل فيه ذلك الأمر سوى عشرة بالمئة منه فقط، الكارثي أكثر من استخدام الطفل الأعسر ليده اليسرى بالنسبة لبعض الأمهات أن هذا أمر نهائي لا رجعة فيه ولا علاج منه، وهنا يمكنهم الظن عبثًا أن طفلهم قد أُصيب بمرض نادر خبيث لا علاج له.

يحاول بعض الآباء والأمهات، عند اكتشافهم كون طفلهم أعسر، تغيير ذلك الأمر وتعليمه استخدام يده اليمنى بسهولة، بالطبع هذا أمر مستحيل لا يختلف أبدًا على النقش على الماء، ففي كلا الحالتين لا نتيجة يُمكن انتظارها، لأن العسر ليس مرض سيتم العلاج منه، وإنما حالة تُخلق عليها بعض الأجسام التي ربما منحها الله ميزة لا تتوافر في الأصحاء من وجهة نظر المجتمع أولئك الذين يستخدمون اليد اليمنى، ويُمكننا التأكد من ذلك بالتعرف على بعض صفات الأعسر.

صفات الطفل الأعسر

لكل ظاهرة بالتأكيد صفاتها الخاصة التي تُميزها عن غيرها من صفات، وطبعًا قد اتفقنا قبل قليل أن الطفل الأعسر واحدة من الظواهر النادرة، وأن أعداد الذين يحضرون تلك الظاهرة أو يُصابون بها لا يتخطون الخمسة عشر بالمئة، فمن بين كل مئة شخص يُمكنك أن تُخرج خمسة عشر شخص فقط يُحتمل أنهم يُعانون من حالة العسر في الاستخدام، لكن ثمة بعض الصفات التي ربما من خلالها يُمكنك التفريق بين الأعسر والأيمن، وعلى رأس تلك الصفات أنه يكون توأم لأيمن.

الأعسر توأم للأيمن

غالبًا ما يتم تخمين الطفل الأعسر من خلال شقيقه التوأم، فإذا أنجبت الأم مثلًا طفلين في بطن واحدة فمن الوارد جدًا أن يكون أحد الطفلين أيمن والآخر أعسر، والسر في ذلك حسبما يرى البعض أن التوأم يكون أحدهما أشبه لمرآة الآخر، وبالطبع إذا وقفت أمام المرآة فسوف تجد يدك اليمنى في الاتجاه الأيسر والعكس صحيح، لكنك لن تستطيع الجذم بأن كل توأم تُقابله أحد أفراده أعسر والآخر أيمن، بل إننا نقول فقط أنه ثمة شبه قاعدة تقول ذلك الأمر ولها أدلة كثيرة.

شديد الذكاء عن الأيمن

هناك من يعتقد أن الطفل الأعسر طفل غبي أو مُتخلف عقليًا، فهو في النهاية مُختلف وليس طبيعي، لكن المفاجأة التي ربما تُدهش البعض أن الطفل الأعسر درجة ذكاءه تفوق الطفل الأيمن، وهذا ليس أمر خفي على الذين عاصروا وعاشوا مع أطفل يُعانون من العسر، المدرسين في المدرسين يعرفون هذا الأمر كذلك، حيث تجدهم دائمًا يتوسمون في ذلك الطفل ويتوقعون له مُستقبلًا باهرًا، وغالبًا ما لا يُخيب ذلك الطفل التوقعات.

كون الطفل الأعسر شديد الذكاء بصورة طبيعية لا يمنع أبدًا وجود بعض القدرات العقلية المُتأخرة لبعض الأطفال الذين يُعانون من العسر، وهذه الإعاقة الذهنية تكون منطقية، لكن يجب أن تعرفوا كذلك أن نسبة المُعاقين تقل جدًا في العُسر بينما تكون مرتفعة بعض الشيء فالأشخاص الذين يستخدمون اليد والقدم اليمنى بصورة طبيعية.

ليس له شبيه في العائلة

إذا ما اتفقنا أن الطفل الأعسر يُعاني من بعض المشاكل التي ربما تعود إلى الجينات والصفات الوراثية مثل باقي الأمراض فنحن في هذه الحالة سوف نكون مخطئين بشكل كامل، وذلك لأنه قد ثبت أن الطفل الأعسر يظهر في بيئة عادة ما يكون الأشخاص الموجودين بها طبيعيين ويستخدمون اليد والقدم اليمنى، أي أنها ليست حالة وراثية، بل من المحتمل ألا تتكرر مرة أخرى في العائلة أو القريبين من الشخص الأعسر بشكل عام، فلو كان الأمر يتناقل بهذه البساطة لما كانت نسبة الذين يتوفر بهم العسر لا تتعدى خمسة عشر بالمئة من إجمالي البشر.

لا يُمكن أن يُخدع بسهولة

من الغريب جدًا أن نجد أحد صفات الطفل الأعسر تنص على أنه غير قابل للخداع بسهولة، فمع كونه مجرد طفل صغير إلا أنه لا يُجارى مثل الطفل الأيمن، ولا حتى يُمكنك أن تشغله عن أمر كان يضعه في ذهنه، والحقيقة أن البعض قد فسر هذا الأمر بكون النصف الأيمن من الرأس هو الذي ينشط أكثر في الطفل الأعسر، وذلك النصف يمتلك بداخله أكبر قدرة ممكنة من العقل، حيث يكون بإمكاننا الجزم بسهولة بأن الطفل الأعسر ينضج بسرعة أكبر بكثير من الطفل الأيمن، وضعوا في حسبانكم أننا لا نزال نتحدث عن الأطفال، فما بالكم بالأشخاص الناضجين بالفعل؟

كيفية التعامل مع الطفل الأعسر؟

بعد كل ما مضى فإن ما بقي ولم يتم ذكره أهم، فالموضوع الآن يتعلق بالطريقة أو الكيفية التي يجب من خلالها التعامل مع الطفل الأعسر، ذلك الطفل الذي يظنه المجتمع شاذ عنه فقط لأنه يستخدم قدم ويد مختلفين، والحقيقة أن الأهل والمُعلمين هم الأقرب لذلك الطفل من حيث التعامل، ولذلك ثمة بعض النصائح الخاصة لهم لكي ينجحوا في التعامل مع الطفل المعني بالأمر، وعلى رأس أسس التعامل تلك ألا يتم إشعار الطفل بشذوذه.

عدم إشعار الطفل بشذوذه

نتفق أو لا نتفق فالطفل الأعسر طفل مختلف، على الأقل من حيث التكوين الجسماني، لكنه ليس اختلاف ضار أو مؤذي للآخرين، لذلك يجب علينا ألا نجعل الطفل المُصاب بهذه الحالة يشعر أنه مختلف تمامًا عن الآخرين، هو بالتأكيد سيعرف أنه ليس مثلهم، لكن ما نعنيه ألا يتم تعذيبه بهذا الأمر دائمًا وجعله طرفًا في مشكلة ليس لها وجود من الأساس.

عدم الضغط عليه لاستخدام اليد اليمنى

أمر مجنون جدًا أن يقوم بعض أولياء الأمور والمُعلمين بالضغط على الطفل كي يستخدمه يده أو قدمه اليمنى، فهذا في الحقيقة جنون يدل على عدم إدراك هؤلاء للحالة التي يمر بها الطفل، فلو كان هذا مُتاحًا لما مثل الأمر مشكلة من الأساس، الموضوع ببساطة أن تكوينه الجسماني يُجبره على ذلك، ولا يُمكن أبدًا أن نقوم نحن بفعل العكس ونتوقع النجاح!

إعطاء الأعسر وقتًا إضافيًا

هذه النصيحة موجهة لمن يتعاملون مع الطفل الأعسر في الأماكن التعليمية بشكل خاص، فهؤلاء يجب عليهم أن يعرفوا أن ذلك الطفل يُعاني من التأخر بعض الشيء في الكتابة وتلقي بعض التعليمات، هو لا يقصد ذلك، وعقله أيضًا ليس مسئولًا، لكن الوضع الغريب لليد هو ما يُخرج الأمر في النهاية بهذه الطريقة، وكل ما هو مطلوب مجرد التأني قليلًا عند التعامل معه، وطبعًا حالة نادرة أن نجد أكثر من طفل يُعاني من هذه الحالة في فصل واحد أو حتى مدرسة واحدة، ولذلك يجب على المدرسة أو المعلم التعرف عليه لضمان حسن التعامل معه.

محمود الدموكي

كاتب صحفي فني، وكاتب روائي، له روايتان هما "إسراء" و :مذبحة فبراير".

أضف تعليق

خمسة + 14 =