تسعة
الرئيسية » صحة وعافية » الأعضاء البشرية : كيف تتم عمليات زراعة الأعضاء البشرية ؟

الأعضاء البشرية : كيف تتم عمليات زراعة الأعضاء البشرية ؟

أحدثت عمليات زراعة الأعضاء البشرية ثورة في عالم الطب منذ سنوات طويلة، حيث أصبح للمرة الأولى من الممكن تبديل الأعضاء التالفة بأخرى صحيحة.

الأعضاء البشرية

منذ قديم الأزل كانت فكرة الأعضاء البشرية تراود العلماء، فكرة نقل عضو إلى جسم الإنسان وزرعه فيه ليتم بذلك استبدال العضو المريض أو التالف سواء كان ذلك عن طريق نقل العضو من شخص آخر قد فارق الحياة من وقت قريب أو مازال على قيد الحياة أو نقل أنسجة من جسم المريض نفسه وهو ما يعرف باسم الطعم الذاتي مثل زراعة الجلد أو ما يطلق عليه ترقيع الجلد. وكانت أكثر العوائق التي تواجه الأطباء في فكرة زراعة الأعضاء البشرية هو رفض جسم المريض للعضو الجديد بسبب المناعة التي ترفض استقبال أي جسم غريب إلى جانب مشاكل العدوى والأمراض التي تتسبب فيها عملية نقل الأعضاء البشرية وكذلك عدم قدرة العلماء على تحديد المدة التي يبقى فيها العضو المنقول صالحا لزرعه في جسم المريض بعد استئصاله من جسم المتبرع مما يؤدي في كثير من الحالات إلى تلف العضو المنقول قبل أن يتمكن الأطباء من زرعه في جسم المريض مما يؤدي إلى فشل العملية وإلى عواقب أخرى وخيمة.

تاريخ عمليات زراعة الأعضاء البشرية

تقدم العلم مهد الطريق أمام نقل الأعضاء

ولكن مع مرور الوقت وتقدم العلم وتمكن الأطباء من التغلب على مشكلة تحديد المدة التي يبقى فيها العضو صالحا لزراعته في جسم المريض إضافة إلى التوصل إلى طرق يمكن من خلالها المحافظة على هذا العضو أكبر فترة ممكنة وهو منفصل عن أي جسم بشري ومن ثم زرعه في جسم المريض حتى بعد مضي ساعات من استئصال العضو. ومع مرور الوقت وتقدم العلم وتحول زراعة الأعضاء البشرية إلى عملية ليست بالصعبة ظهر تبعاً لذلك تجار الأعضاء البشرية الذي يعملون في الاتجار بالبشر وبأعضائهم ليجنون من وراء ذلك أموال ومبالغ طائلة وتنشأ لهذه التجارة عصابات تعمل في هذا المجال الإجرامي.

أول عملية ناجحة

كانت أول عملية ناجحة لزراعة الأعضاء هي عملية زراعة قرنية لغزال عام 1837م حيث تمكن الأطباء من نقل قرنية من أحد الغزلان وزرعها في غزال آخر لتتم العملي بنجاح وتصبح هذه هي أول عملية نقل قرنية ناجحة. أما أول عملية ناجحة في مجال زراعة الأعضاء البشرية كانت بعد ذلك بعقود كثير تحديدا في عام 1905م حيث تمت أول عملية زراعة قرنية أو ما يعرف بترقيع القرنية لأحد المرضى الذين كانوا يحتاجون إلى استبدال القرنية وتمت هذه العملية بنجاح لتكون أول عملية في التاريخ يتم فيها نقل عضو بشري إلى إنسان آخر تمت هذه العملية في جمهورية التشيك بواسطة الجراح إدوارد زيرم.

توالت بعد ذلك عمليات زراعة الشرايين وعمليات توصيل الأوعية الدموية المقطوعة بالإضافة إلى التقدم في عملية الخياطة والجراحة والتوصيل كل ذلك مهد إلى ظهور عمليات زراعة الأعضاء البشرية بعد ذلك، حيث تمكن العلماء من توصيل الشرايين والأوعية الدموية بين العضو المنقول والمكان المخصص في جسم الإنسان وإعادة ربط هذه الشرايين والأوعية بعضها ببعض.

تجارب أولية

ومع بداية القرن العشرين كان الفضل يعود إلى الجراح الفرنسي كاريل ألكسيس في إجراء تجارب كثيرة على الكلاب حتى تمكن من نقل الكلى والقلب والطحال في عمليات منفصلة على الكلاب ولكن واجهته مشكلة كبيرة وهي رفض الجسم للعضو المنقول بسبب المناعة ومن ثم وفاة الحيوان المنقول له العضو رغم نجاح العمل الجراحي المطلوب. أما عن أول عملية ناجحة لنقل أحد الأعضاء غير قرنية العين كانت بواسطة جراحين أمريكيين اشتركا في عملية نقل كلى بين توأمين متماثلين في عام 1954م وهو ما جعلهما يتغلبان على مشكلة رفض الجسم للعضو المنقول حيث أن في حالة التوأم المتماثل لا يحتاج الأطباء إلى تثبيط المناعة فالحمض النووي للتوأم واحد والمناعة واحدة فكأن العضو قد تم استئصاله من نفس جسم المريض وهو ما أدى إلى نجاح العملية بنسبة مئة في المائة.

التحدي الحقيقي: زراعة القلب

أخذ الأمر منحنا سريعاً للغاية وبدأت عمليات زراعة الأعضاء البشرية في الانتشار بشكل مقلق وخطير وبدأ الأطباء في إجراء التجارب الخطيرة على المرضى فمنهم من أجرى عمليات فاشلة لزراعة الرئتين وبعضهم قام بعمليات زراعة الكبد وكلها كانت تنتهي بالفشل وكانت النتيجة هي وفاة جميع المرضى الذين تمت إجراء هذه العمليات لهم. ولكن المخاطرة الكبرى التي قام بها الأطباء في ذلك الوقت والتي كانت تتسم بالجرأة وشيء من الرعونة والتسرع هي محاولات نقل القلب البشري وذلك لأن القلب البشري سريعا ً ما تتدهور حالته بعد وفاة المتبرع مما يؤدي إلى حدوث تلف فيه ومن ثم فإن عملية نقله إلى جسم المريض لن تكون ذات فائدة لأن القلب غير صالح للعمل مرة ثانية أصلاً. ولكن الأطباء مع ذلك أبوا إلا أن يخاطروا بحياة الكثيرين في سبيل تجربة هذه العملية.

زراعة قلب شمبانزي في جسم إنسان

وكانت أول عملية فاشلة لزراعة قلب في عام 1964م قام بها طبيب يدعى جيمس هاردي حيث كان المريض في حالة يرثى لها وأخذ قلبه في التدهور بشكل كبير ولم يوجد أي فرصة للعثور على متبرع لنقل القلب، فقام الطبيب بما هو أغرب من الخيال وما لم يسبقه إليه أحد في مجال زراعة الأعضاء البشرية حيث قرر إجراء عملية نقل قلب من حيوان شمبانزي إلى هذا المريض في سابقة لم يتخيلها أحد أو لنقل باستهتار بالغ وإهمال لقيمة الإنسان الذي بين يديه أو لعله إشباع للشغف الطبي الذي يصيب كثيراً من الأطباء ويخرجهم عن التفكير المنطقي والعلمي السليم. بالتأكيد فشلت العملية فشلاً ذريعاً وتوفي المريض من فوره. أخذت هذه العملية زخماً إعلامياً كبيراً وفتحت الباب أمام الكثير من الجراحين ليأخذوا دورهم في إجراء كثير من العمليات المماثلة دون خوف من رقابة أو محاسبة، ففي عام واحد فقط تم إجراء أكثر من مئة عملية وكان مصيرها جميعاً إلى الفشل أو وفاة المريض بعد مدة قصيرة جداً لا تزيد عن شهرين.

تثبيط المناعة هو الحل المثالي

طبيب واحد فقط تمكن من إجراء أول عملية ناجحة لزراعة قلب بشري في القرن العشرين وهو الطبيب كريستيان برنارد حيث قام بهذه العملية في جنوب أفريقا وتمكن المريض من البقاء على قيد الحياة طيلة 19 شهراً بعد إجراء العملية. ومع مرور الوقت والتطور الملحوظ في مجال زراعة الأعضاء البشرية والتوصل إلى حلول في عملية تثبيط المناعة للتغلب على مشكلة رفض الجسم للعضو المنقول إليه، كل هذا أدى إلى ارتفاع نسب نجاح عمليات زراعة الأعضاء بين البشر مما جعل المرضى يقبلون على هذه العمليات كحل أخير أملاً في إنقاذ حياتهم.

التوسع في مجال زراعة الأعضاء البشرية

تنوعت أشكال زراعة الأعضاء البشرية منذ أن بدأت بزراعة قرنية العين حتى أصبحت تشمل أعضاء كثيرة من جسم الإنسان في الوقت الحالي، فهناك الكثير من العمليات الناجحة التي اشتملت على نقل أعضاء كثيرة من جسم الإنسان ومن هذه الأعضاء زراعة الكلية وهي من أشهر عمليات نقل الأعضاء حيث أن الإنسان يستطيع أن يظل على قيد الحياة حتى مع وجود جزء من الكلية يعمل ومن المعروف أن جسم الإنسان يحتوي على كليتين اثنين مما يسهل عملية التبرع دون وجود أي ضرر على المتبرع. وكذلك زراعة البنكرياس وزراعة الكبد حيث كانت أول عملية ناجحة لزراعة الكبد في عام 1967، بالإضافة إلى زراعة القلب وزراعة القلب مع الرئة في عملية واحدة وزراعة الوجه وكذلك نقل ذراعيين كاملين وزراعة الفك، كل هذه كانت أنواع العمليات المختلفة والناجحة خلال المائة عام الماضية بداية من عام 1905 وحتى عام 2010 وما زالت الأبحاث مستمرة لتطوير العمليات وزيادة نسبة نجاحها.

الطرق المختلفة لزراعة الأعضاء

تختلف أنواع زراعة الأعضاء البشرية تبعاً لاختلاف الطرق التي يتم بها زراعة العضو المنقول فليس الأمر مجرد نقل عضو من شخص إلى شخص آخر وحسب بل هناك أنواع كثيرة من العمليات.

الطعم الذاتي والخلايا الجذعية

وفي هذا النوع يكون استئصال النسيج الذي سيتم نقله من المريض نفسه فيتم استئصاله من المريض وزرعه في منطقة أخرى من جسمه ويكون ذلك في الأنسجة المتجددة أو في حالات الضرورة التي تستدعي إجراء هذه العملية. ومن أمثلة هذا النوع عمليات ترقيع الجلد أو الأوردة والشرايين لترميم الأجزاء التالفة ومثال ذلك ترقيع الوجه بأجزاء من الجلد المتواجدة في أماكن أخرى من جسم المريض الذي يجري العملية.

ويندرج تحت هذا النوع العمليات التي يتم فيها استخدام الخلايا الجذعية وهي الطريقة التي تعتبر ثورة في مجال زراعة الأعضاء البشرية وتمهد إلى نقلة نوعية في هذا العلم. حيث يتم أخذ أجزاء من الخلايا الجذعية المتواجدة في الجسم ومن ثم استخدام التكنولوجيا الحديثة مثل الطابعات الثلاثية الأبعاد ليتمكن العلماء بعد ذلك من تكوين جسم مماثل إلى حد كبير للعضو التالف أو لنقل نسخة من العضو التالف ويتكون في نفس الوقت من خلايا حية مأخوذة من جسم المريض نفسه. ويعتبر أفضل مكان للحصول على الخلايا الجذعية هو نخاع العظام. وفي بعض الأحيان يتم حقن العضو المصاب بالخلايا الجذعية المستخلصة من جسم المريض ومن ثم تقوم هذه الخلايا بالعمل على ترميم هذا العضو المصاب وإعادته إلى حالته الطبيعية. وهذه الحالة بالتأكيد لا تحتاج إلى تثبيط المناعة لدى المريض مما يجنبه الكثير من الأضرار والأمراض التي قد تصيبه في حالة تثبيط المناعة لديه.

الطعم المغاير

النوع الثاني من عمليات زراعة الأعضاء البشرية هو ما يعرف باسم الطعم المغاير وهو يختلف عن النوع السابق أنه يتم نقل العضو من متبرع آخر غير المريض أي من إنسان إلى إنسان آخر وهذا النوع يعتبر أكثر أنواع نقل الأعضاء البشرية شيوعاً ولكنه مع هذا يعتبر خطيراً حيث يتطلب نقل العضو إلى جسم المريض أن يتم تثبيط الجهاز المناعي لديه حيث أن الجسم يعتبر هذا العضو الجديد جسماً غريباً لابد للجهاز المناعي أن يتخلص منه ويقضي عليه وذلك بسبب اختلاف الحمض النووي لكل من المتبرع والمستقبل. وتثبيط المناعة لدى الشخص المريض يتسبب في الكثير من المشاكل فهو يجعله عرضة للأمراض الخطيرة بل إن الأمراض البسيطة تعتبر تهديدا خطيراً بالنسبة له فالجهاز المناعي معطل تماماً وجسمه معرض لهجوم أي نوع من البكتيريا والفيروسات دون أدنى مقاومة منه بالإضافة إلى أن تثبيط الجهاز المناعي لدى المريض يؤثر على الجهاز المناعي نفسه فبعد نجاح العملية وتقبل الجسم للعضو المنقول إليه يبقى الجهاز المناعي لدى المريض ضعيف ولا يعود إلى ما كان عليه قبل العملية، ولهذا كله فإن المريض يخضع بعد العملية إلى الملاحظة المستمرة وإلى أقصى درجات العناية المركزة خوفاً من إصابته بأي مرض أثناء قترة النقاهة وتثبيط المناعة.

الطعم المتماثل

وهذا هو النوع الثالث من أنواع زراعة الأعضاء البشرية حيث يعتبر هذا أفضل أنواع عمليات نقل الأعضاء بين البشر ولكنه نادر للغاية. فعلى الرغم من أن هذا النوع يتم فيه نقل العضو المراد زراعته بين شخصين أحدهم هو المتبرع والآخر هو المريض أو المستقبل إلا أنه لا حاجة إلى تثبيط المناعة لدى المريض. والسبب وراء ذلك أن عملية النقل تتم بين توأمين متماثلين وهو ما يجعل كلاً منها متماثل مع الآخر جينياً فكأن الأمر يتم داخل جسم شخص واحد فقط لا اثنين.

الطعم الأجنبي

وهو أغرب أنواع زراعة الأعضاء البشرية على الإطلاق فربما لا يمكن أن نسميها بشرية فهي لا تتم بين البشر بعضهم البعض بل تتم بين سلالات مختلفة جنسياً. ماذا يعني هذا بالتحديد؟َ هذا يعني أن عملية النقل تتم بين حيوان متبرع بالعضو وإنسان مريض متلقي لهذا العضو. الأمر ليس خيالاً بل إن عمليات زرع صمام قلب مأخوذ من الخنازير هي عمليات شائعة ومنتشرة بكثرة، حيث يتم أخذ الصمام من بعض الخنازير المناسبة بعد إجراء الفحوصات اللازمة وزرع هذا الصمام داخل جسم الإنسان. يعتبر هذا النوع من أخطر أنواع زراعة الأعضاء على الإطلاق إذ أن أكبر مشكلة تواجه الأطباء هي عدم تقبل الجسم للعضو المنقول إليه فما بالك إذا كان هذا العضو غير بشرى بالمرة بالتأكيد سيكون مقاومة الجهاز المناعي له أقوى وأعنف ومحاولات القضاء على هذا الجسم الغريب أكثر شراسة بالإضافة إلى وجود احتمالات قوية بأن يصاب الشخص المنقول إليه العضو بأمراض خطيرة نتيجة التداخل بين الحمض النووي للإنسان والحيوان وهو ما ينذر بظهور أنواع مجهولة من الأمراض الخطيرة، ولهذا فإن هذا النوع من العمليات يتسم بالصعوبة الكبيرة بل إنه يعتبر شبه مستحيل دون تثبيط كامل للجهاز المناعي لدى المريض.

المتبرعون بالأعضاء

ذكرنا فيما سبق أن المتبرعون يختلفون طبقاً لنوع عملية زراعة الأعضاء البشرية فقد لا يحتاج المريض إلى أي متبرع في حالة الطعم الذاتي أو قد يكون المتبرع هو توأم متماثل أو قد يصل الأمر إلى كون المتبرع حيواناً كما هو الحال في الطعم الأجنبي ولكن لو نظرنا من ناحية أخرى فإن المتبرعين ربما ينقسمون إلى متبرعين على قيد الحياة أو متبرعين متوفين.

المتبرعون على قيد الحياة: يتم في هذه العملية تنقل الأعضاء المتجددة مثل الخلايا والأنسجة أو يتم نقل الأعضاء التي لا تؤدي إلى وفاة المتبرع وتبقي على وظائف جسمه الحيوية كما هي مثل الكلية وجزء من الكبد أو جزء من الأمعاء.
المتبرعون بعد وفاتهم: ويتم في هذا النوع نقل العضو من شخص في حالة وفاة كلينيكية أو ما يعرف بالوفاة السريرية حيث أن معظم المتبرعين في حالات زراعة الأعضاء في السنوات السابقة أغلبيتهم من المتوفين كلينيكياً.

ربما تشكل فكرة نقل الأعضاء البشرية رعباً حقيقياً لبعض الناس وربما تتسبب في مشاكل أخلاقية ونقاشات حادة بين المؤيدين لها والمعارضين، فمما لا شك فيه أنه من الضروري وجود قواعد وضوابط علمية وأخلاقية وقانونية لكي لا يتحول البشر إلى فئران تجارب بين أيدي الأطباء يجرون عليهم التجارب دون دراسة علمية حقيقية مستغلين بذلك حاجة المرضى وضعفهم وفقدان أملهم في الحياة بعدما انقطعت بهم السبل و نفدت منهم الحيل في إيجاد علاج مناسب لحالاتهم المتدهورة. أما اليوم وبعد مرور أكثر من مئة عام على أول عملية ناجحة فإن العلم مازال يتقدم ويتطور وبحث عن أفضل السبل للتغلب على كافة المشاكل والعقبات التي تواجه الأطباء في عمليات زراعة الأعضاء البشرية.

معاذ عبد الرحمن

طالب جامعي متخصص في دراسة المجال القانوني.

أضف تعليق

تسعة + خمسة عشر =