تحدث ظاهرة ال نينو في منطقة خط الاستواء في مياه المحيط الهاديء وتتمثل في ارتفاع حراره سطح المياه عن المعدل المعتاد في تلك المنطقة , وتتركز هذة الظاهرة ما بين السواحل الشرقية لقارة اسيا والسواحل الغربية لقارة امريكا الجنوبية , وينتج عنها اختلال في مناخ هذة المنطقة بشكل اساسي وقد تمتد تأثيراتها لتشمل كافة دول العالم بدرجات متفاوتة متسببة في ظهور نشاطات مناخية متطرفة من الاعاصير والجفاف وهو ما يؤدي الى اضطراب شديد في انتاج الغذاء سواء كان على شكل اسماك ومحاصيل بحرية او كان مصدره محاصيل زراعية تتأثر بتلك الاضطرابات.
ما هي ال نينو وما سبب تسميتها بهذا الاسم واين تحدث وما اهم تأثيراتها
تتمثل ظاهرة النينو بتسخين شديد غير اعتيادي لسطح المياه في المنطقة الشرقية المدارية من المحيط الهاديء وينتج ذلك عن تحرك للتيارت الدافئة من شرق قارة اسيا وشمال شرق استراليا نحو الشرق لتصل الى سواحل امريكا الجنوبية الغربية وتحديدا الى شواطيء البيرو والاكوادور والتي تمثل الجهة الشرقية من المحيط الهاديء, وقد عرف الصيادون في البيرو والاكوادوار هذة التيارات التي تحدث كل عدة سنوات لكن بشكل غير منتظم منذ القدم واطلقوا عليها لقب ال نينو وهي كلمة اسبانية تعني المسيح الطفل وذلك بسبب تزامن حدوثها مع الاحتفالات بعيد ميلاد المسيح عليه السلام او رأس السنة الميلادية , ويرافق وصول التيارات الساخنة الى شواطيء امريكا الجنوبية شح للاسماك وكذلك ترتفع نسبة حدوث امطار غزيرة واعاصير فيما يقابلها موجات من الجفاف في مناطق اخرى من العالم .
في مقابل ال نينو يوجد ظاهرة اخرى معاكسة لها وهي النينا وتحدث عندما تنخفض حرارة سطح مياه المنطقة المدارية الغربية في المحيط الهاديء بشكل كبير , وجاءت تسمية النينا لتكون رديفة لتسمية النينو فالنينو تعني الطفل الذكر بينما النينا هي الطفلة الانثى وذلك لبيان تعاكس كلا الظاهرتين مع تشابههما في التأثيرات ومواقع التأثير في المحيط .
يرافق كلاً من النينو والنينا نشاط جوي يعرف بالذبذبات الجنوبية ولما كانت ظاهرة النينو اكثر ترددا واكثر احداثا للترددات الجنوبية فقد تم استحداث مصطلح جديد هو ” الانسو” وهو دمج بين النينو والترددات الجنوبية , ويمكن القول ان كل من النينو والنينا هما وجهان مختلفان لنفس الظاهرة التي تعرف في علم المناخ بالانسو .
اهم اسباب المحتملة المؤدية لحدوث النينو
لا تعرف الاسباب الحقيقية لحدوث ظاهرة النينو حتى الان وكل ما قام به العلماء هو وضع فرضيات والسعي الدؤوب لإثبات صحتها , وبرغم كل الجهود المبذولة لإثبات اي من هذة الفرضيات الا انه لم يتمكن اي باحث من اثبات صحة الفرضية التي يدعمها , وذلك يعود للتعقيدات المناخية التي تحيط بهذة الظاهرة وامكانية ان يكون هناك عدة تفاعلات جوية متتالية تؤدي الى حدوثها , ومن اهم الفرضيات التي وضعت لتفسير سبب حدوث ظاهرة النينو هي :
- التسخين الذي تسببه الماغما المنصهرة في قاع المحيط الهاديء في مما يؤدي الى وجود تيارات ساخنة تتجه نحو الشرق لتصل الى سواحل امريكا الجنوبية , ولكن لم يستطع العلماء من وضع نماذج رياضية توضح العلاقة بين حركة الماغما في القاع من تغيرات سطح المياه , ولكن لم يتم استبعاد هذا العامل فمن الممكن ان يشكل مع غيره منظومة متكاملة تؤدي الى التغير الكبير في حرارة المياه وبالتالي الى حدوث ظاهرة النينو .
- الثلوج الكثيفة المتساقطة شتاءا على القارة الاسيوية مما يؤدي الى حدوث اختلال حراري خلال ذوبان هذة الثلوج في فصل الصيف وبالتالي الى اختلال في حركة التيارات المائية القريبة في المحيط الهاديء , وهذه الفرضية ايضا لم يفلح العلماء في وضع نموذج رياضي يوضح علاقتها بدقة مع حدوث ظاهرة النينو .
- عوامل غير ارضية مثل تأثير بعض الكواكب القريبة او العواصف الشمسية تاو تغيرات في حركة دوران الارض ولكن ان كانت هذة الفرضية صحيحة فلماذا يكون التأثير في مناطق مختلفة ولماذا لا يكون دوريا على اعتبار ان هناك دورات مناخية ثابتة بينما النينو تتكرر بشكل غير منتظم.
يعتقد معظم العلماء اليوم ان العلم الحديث لم يستطع الى اليوم ايجاد السبب الحقيقي لظاهرة النينو , كما ان العلم لم يفلح في وضع مخطط يوضح التناوب الذي تتكرر فيه هذه الظاهرة وبالتي لم يفلح في التنبؤ بها قبل حدوثها بفترة كافية لإـخاذ التدابير الكفيلة بالحد من تأثيراتها السلبية, فما زال التنبؤ بحدوث ال نينو جديدة خلال الاعوام المقلبة غير ممكنا وذلك بسبب عدم معرفة السبب الحقيقي لحدوثها .
مواقع تأثير النينو واهم الاحداث المرتبطة بها
تعتبر السواحل الغربية لأمريكا الجنوبية وخاصة سواحل البيرو والاكوادور من اكثر المناطق تأثرا بظاهرة النينو فالتيارات المائية الدافئة التي تصل الى تلك المنطقة تؤدي التي اضطراب نمو الاحياء البحرية والقضاء على الكائنات الحية الاولية التي تمثل قاعدة الهرم الغذائي والمصدر الاول لغذاء الاسماك وخاصة سمك السردين الذي يعد ثروة قومية لتلك البلدان مما يؤدي الى نقصان كميات الاسماك بشكل كبير وهذا يتسبب في خسائر مادية ضخمة للصيادين وللدولة .
التأثير لا يقتصر على الشواطيء الغربية لقارة امريكا الجنوبية فهناك ظاهرة تعرف بالتأثير عن بعد حيث يعتقد العلماء ان اضطرابات المناخ التي تجتاح العالم في سنوات حدوث النينو تكون اكبر بكثير من السنوات التي لا تحدث فيها هذة الظاهرة ومن اهم الاضطرابات هي انحباس الامطار او الامطار الغزيرة والفيضانات والاعاصير وارتفاع درجات الحرارة الجوية بشكل كبير, وتكاد هذة الاضطرابات تعم كل دول العالم في السنوات التي تكون فيها ظاهرة النينو شديدة جدا.
اشهر حالات النينو عبر التاريخ
يعتبر العام 1876 اول عام يتم فيه رصد حادثة النينو بدقة وتسجيل تأثيراتها برغم ان العلماء يرجعون اول حادثة مسجلة بالتاريخ الى منتصف القرن الخامس عشر تقريبا حيث تتحدث بعض المصادر التاريخية عن سنة محل فيها احداث شبيهة بما يرافق ظاهرة النينو , اما في القرن العشرين فأن حادثة النينو التي ضربت سواحل امريكا الجنوبية في شتاء 1982- 1983 تعد الاشد والاكثر خطورة في القرن العشرين وحتى الان , حيث قدرت الخسائر المترتبة عليه بأكثر من 1400 مليار دولار , حيث سجلت ارتفاعات هائلة في حرارة مياه المحيط وبلغ التغير في الحرارة اكثر من 150 درجة مئوية , بينما تعد الحادثة الاقرب الينا هي ما حدث في عام 2014 وان كانت القيم المسجلة غير خطيرة , وبين هاتين الحادثتين تكررت ظاهرة النينو في عدة سنوات اهمها العام 1998 والعام 2002 , وكل تلك الحوادث خلفت خسائر باهضة على المزارعين والصيادين في دول قارة امريكا الجنوبية بشكل خاص وامتد تأثيرها ليشمل مناطق واسعة من العالم , وهو ما جعل منظمة الاغذية والزراعة تعتبر ان ظاهرة النينو من اهم العوامل التي تساهم في رفع اسعار الغذاء العالمية .
ظاهرتي النينو والنينا ظاهرتين طبيعيتن لا دخل للانسان ونشاطاته بحدوثهما كما انه لم يفلح في اكتشاف المسبب الرئيس لهما , ولكن الانسان هو اكبر المتضررين من هذه الظواهر لأنها تهدد مصدر غذائه وتسبب له خسائر مادية وقد تسبب في كوراث طبيعية مثل الفيضانات والاعاصير او الجفاف , وهو ما يجعل كافة الهيئات العالمية والوطنية المعنية بالمناخ والزراعة والغذاء تهتم بها بشكل كبير على امل وجود حل يخفف من اضرارها .
أضف تعليق